أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى تعميق الألم الذي تسببت به جائحة “كوفيد-19” في العالم النامي
أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى تعميق الألم الذي تسببت به جائحة “كوفيد-19” في العالم النامي. ما عمق الجوع بين ملايين البشر وأسهم في نمو المشكلات الاجتماعية التي تؤدي إلى مزيد من الاضطرابات السياسية والهجرة. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، فقد قفزت أسعار المواد الغذائية بما يقرب من الثلث خلال العام الماضي. ومع فقدان الوظائف المرتبطة بالوباء، أصبح من الصعب على العائلات تحمل تكاليف المواد الغذائية الأساسية.
وتقول المنظمة، إن أسعار الذرة أصبحت أعلى بنسبة 67 في المئة عما كانت عليه قبل عام، بينما ارتفعت أسعار السكر بنحو 60 في المئة، وتضاعفت أسعار زيت الطهي. ويقدر البنك الدولي أن ما يصل إلى 124 مليون شخص غرقوا تحت خط الفقر الدولي (يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم) في عام 2020 نتيجة للوباء. ومن المتوقع إضافة ما يصل إلى 39 مليون شخص في عام 2021، وبذلك يصل العدد الإجمالي لمن يعيشون في فقر مدقع إلى 750 مليون شخص.
اضطراب الإمدادات الغذائية وضعف العملات
وتقول منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، إن الأسعار الإجمالية ارتفعت خلال 11 شهراً متتالياً إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2014. ويرتبط عديد من الأسباب، وليس كلها، بجائحة كورونا، إذ يقول الخبراء إن الإمدادات الغذائية العالمية توقفت إلى حد كبير بعد الاضطرابات الأولية العام الماضي، فيما رفعت القيود المفروضة على الحركة المرتبطة بالوباء من التكاليف اللوجستية. وتسببت العملات الأضعف في عديد من البلدان النامية التي تكافح من أجل الانتعاش من الجائحة في جعل الواردات الغذائية أكثر تكلفة. وعلى العكس من ذلك، ففي بلدان مثل البرازيل، تضاعفت صادرات البلاد من المواد الغذائية. ما جعلها أرخص اليوم بالنسبة إلى المشترين الأجانب، وأدى إلى تقييد العرض المحلي.
مع تفشي الوباء، تجنب كثير من الأشخاص الذين فقدوا مداخيلهم شراء سلع باهظة الثمن، مثل اللحوم والخضر الطازجة، وتوجهوا إلى شراء سلع أساسية مثل القمح الذي يملأ المعدة ولكنه يوفر تغذية أقل. ما أدى إلى ارتفاع الطلب والأسعار.
وقال عارف حسين، كبير الاقتصاديين في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة لـ”وول ستريت جورنال”، “الأمر الفريد في هذا الوقت، هو أن الأسعار ترتفع، وفي الوقت نفسه انخفضت مداخيل الناس”.
وأضاف “الجمع بين الاثنين، ارتفاع الأسعار وعدم وجود قوة شرائية، هو أخطر أمر يمكن أن تتعامل معه”.
وقد أسهمت الارتفاعات السابقة في أسعار الغذاء والوقود في عدم الاستقرار السياسي في العقود الماضية، ففي كولومبيا أدى الغضب من المصاعب التي سببها الوباء جزئياً إلى احتجاجات قام خلالها المتظاهرون بإغلاق الطرق السريعة وتعطيل تسليم المواد الغذائية مثل البيض، ورفع الأسعار.
وفي السودان، اضطرت الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ في مدن عدة بعد احتجاجات دامية في الشوارع، إثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث تضاعف سعر القمح نحو ثلاث مرات هذا العام، على الرغم من زيادة الحصاد، بسبب ضعف العملة وارتفاع تكاليف النقل، وفقاً لشبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة “فامينوورنينغ سيستمز نيتوور”، وهي مجموعة تمولها الولايات المتحدة. وكانت الحكومة السودانية قد تحركت لإنهاء دعم الغذاء والوقود أواخر العام الماضي، للوفاء بالإصلاحات الاقتصادية التي اقترحها صندوق النقد الدولي. ما زاد انزعاج المستهلكين السودانيين.
زيادة الجوع والهجرة
ويقول المتخصصون، إن زيادة الجوع في بلدان مثل هندوراس وغواتيمالا، شكلت سبباً رئيساً وراء موجة المهاجرين الذين يصلون إلى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة في الأشهر الماضية. قفز عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد بنسبة 20 في المئة في غواتيمالا وتضاعف ثلاث مرات في هندوراس مطلع هذا العام، مقارنة مع عام 2019، وفقاً لتقرير رعته الأمم المتحدة.
وقال إيفان أغيلار، منسق البرامج الإنسانية في الدولة لمنظمة “أوكسفام” الخيرية العالمية، “في ما يتعلق بانعدام الأمن الغذائي، نحن في أسوأ مرحلة في غواتيمالا منذ 20 عاماً على الأقل”. وأضاف “إنه مزيج مثير للقلق، وما يزيد الأمور سوءاً، هو وجود حكومات ضعيفة لديها وسائل شحيحة لمساعدة الفقراء”.
ويقول برنامج الأغذية العالمي، إن 270 مليون شخص يعانون من سوء التغذية الحاد أو أوضاع سيئة في 79 دولة تعمل فيها الوكالة، وهو ضعف العدد المُسجل في عام 2019.
وأدت عوامل أخرى إلى تفاقم الوضع، إذ أدى الانتعاش الاقتصادي السريع في الصين إلى زيادة الطلب على الأعلاف لإعادة بناء قطعان الخنازير التي أصابتها الأمراض في السنوات الماضية. ويحتوي هذا العلف على مواد أساسية مثل الذرة وفول الصويا، التي يستهلكها الإنسان أيضاً. وأسهمت الأحداث المعاكسة بما في ذلك الطقس الجاف في الأرجنتين والبرازيل في أكتوبر (تشرين الأول) وغزو الجراد في الدول الأفريقية لمزيد من التفاقم.
انخفاض عملات محلية يرفع استيراد الحبوب
وفي سيراليون، أدى انخفاض قيمة العملة المحلية إلى ارتفاع سعر الأرز المستورد بأكثر من 60 في المئة. في حين شهدت إثيوبيا، أكبر منتج للقمح في أفريقيا، ارتفاعاً في أسعار الحبوب الأكثر شعبية لديها بنسبة تزيد على 40 في المئة في الأشهر الماضية. وكان الأكثر تضرراً هم أولئك الموجودون في البلدان الفقيرة الذين كانوا يعيشون متجاورين، بما في ذلك العمالة ذات المهارات المنخفضة وعديد من العاملين في القطاعات غير الحكومية، نظراً لأنهم ينفقون كثيراً من دخلهم على الغذاء، فمن الصعب استيعاب ارتفاع الأسعار، كما لا يمكن لحكوماتهم توفير سوى قليل من شبكات الأمان.
وفي البرازيل، أكبر دولة في أميركا اللاتينية، أجبر حوالى أربعة من كل 10 أشخاص على التوقف عن تناول الفاكهة واللحوم أثناء الوباء، وفقاً لدراسة أجراها باحثون برازيليون وألمان في أبريل (نيسان) الماضي. كانت تكلفة الأرز والفاصوليا أعلى بنسبة 60 في المئة في مارس (آذار) مقارنة مع العام الذي سبقه.
وشهدت الأرجنتين، وهي دولة مشهورة باستهلاك اللحوم، أزمة أدت إلى انخفاض استهلاك لحوم البقر إلى أدنى مستوى له منذ قرن، وفقاً لغرفة صناعة لحوم الأبقار في الأرجنتين. ويوم الاثنين الماضي، أعلن الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز أنه سيتم تعليق صادرات لحوم البقر لمدة 30 يوماً في محاولة لوقف ارتفاع الأسعار المحلية. ما أثار غضباً بين أصحاب المزارع الذين خططوا للاحتجاج. وقال بابلو بيريز، الذي يرأس منظمة تدعم السكان ذوي الدخل المنخفض في مدينة لا بلاتا الأرجنتينية، “هناك يأس من إمكانية توفر الطعام”.
وكان اليأس قد أصاب الدول النامية الأكثر ثراءاً مثل تشيلي، حيث تُظهر البيانات الحكومية عودة سوء التغذية بين الأطفال في سن الدراسة، وهي مشكلة تم القضاء عليها من قبل.
وبالنسبة إلى الأطفال، يمكن أن يكون تأثير الجوع مدمراً عليهم بشكل خاص. ويقول المتخصصون، إن كمية التغذية التي يتلقونها في السنوات الأولى أمر بالغ الأهمية للنمو البدني والمعرفي، إذ أدى الوباء إلى عكس عقود من التقدم المحرز في تغذية الأطفال.
وتُظهر الأرقام الرسمية في آسيا أن تضخم أسعار المواد الغذائية قد أثر بشدة بشكل خاص في عديد من المدن الباكستانية، حيث ارتفعت أسعار الدجاج والطماطم والبيض بنسبة 85 في المئة و60 في المئة و46 في المئة على التوالي خلال العام الماضي حتى أبريل الماضي.
وفي إقليم البنجاب، الأكثر اكتظاظاً بالسكان والأغنى في باكستان، قال 61 في المئة من الأسر في يناير (كانون الثاني) الماضي، إنهم قدموا تنازلات بشأن الطعام، مثل تقليل عدد أو حجم الوجبات. ووفقاً لمسح أجراه مركز البحوث الاقتصادية في باكستان، فقد كان ذلك أسوأ بنسبة 10 نقاط مئوية مما كان عليه الوضع في سبتمبر (أيلول) 2020.
اندبندنت