رغم التأكيدات المتتالية من جانب جهات مسؤولة في الحكومة العراقية بضرورة استرداد العراق لأموالة المهربة إلى الخارج، إلا أن هذا الأمر لا يزال بعيد المنال على ما يبدو.
وتتضارب الأرقام الحكومية والشعبية حول الحجم الحقيقي لتلك الأموال، حيث يرى البعض أنها تقع بين 340- 500 مليار، وتتوزع تلك الأموال ما بين عهدين ضمن حقب زمنية مختلفة، حيث يقع منها ما قبل 2003، خلال نظام صدام حسين، وهي مرصودة بأسماء شخصيات وعناوين مسؤولة في الدولة، فيما يمثل الجانب الأكبر منها ما بعد ذلك التاريخ والتي تقدر بنحو 360 مليار دولار.
يرى الدكتور عبد الرحمن المشهداني الخبير الاقتصادي العراقي، أن ما يجري الحديث عنه في الوقت الراهن من خطط وتحقيقات وإجراءات لاسترداد الأموال العراقية المنهوبة، في اعتقادي ما يتحدثون عنه هو ما يخص النظام السابق قبل العام 2003 وليس ما بعدها، لأن الحكومات بعد هذا التاريخ لا تملك من أمرها شىء، وأصحاب تلك الأموال يمكنهم إزاحة الحكومة كليا إذا تعارضت مع مصالحهم.
أموال النظام السابق
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، أموال النظام السابق التي يجري الحديث عنها لا تتعدى مئات الملايين ولا تصل إلى المليار، لأن العراق كان مفروض عليه حصار مطبق منذ العام 1990، وحركات الأموال كانت مقيدة ببرامج أممية، وعمليات بيع النفط كانت تجري مقابل الغذاء وفق البرنامج الأممي.
وتابع المشهداني، لذلك لم تكن هناك سوى فروق بسيطة قد تكون نتيجة عمليات التذبذب في الأسعار أو المشتريات، أما الحجم الحقيقي للأموال المهربة ما بعد العام 2003 فيتراوح حجمها بين 500-600 مليار دولار وفق بعض الإحصاءات، هذه الأموال موزعة بين عدد من دول الجوار الإقليمي والعربي.
أمر صعب
وأكد الخبير الاقتصادي، أن استرداد تلك الأموال هو أمر بالغ الصعوبة إن لم يكن هناك تعاون وثيق مع الولايات المتحدة لتوفير المعلومات حول حركة تلك الأموال، علاوة على ذلك أن بعض الأشخاص الذين يمتلكون حسابات مصرفية وأموال بالخارج هم من أتوا بالحكومة ويملكون إزاحتها إذا تعارضت توجهاتها مع مصالحهم، لذا أرى أن الحديث عن استرداد تلك الأموال في الوقت الراهن هو نوع من التمني غير المستند إلى الواقع والمنطق.
غسل أموال
من جانبه قال الدكتور رحيم الكبيسي، الخبير الاقتصادي العراقي، إن الأموال المهربة خارج العراق، تعد جريمة دولية لأنها تقع تحت طائلة عقوبات “غسل الأموال”، لكن الدول التي وافقت على إدخال تلك المليارات غير الشرعية إلى بنوكها، لماذا غضت الطرف عن دخول تلك المليارات دون أن تحرك ساكنا.
وأضاف لـ”سبوتنيك”، على سبيل المثال يوجد أكثر من 24 مليار دولار عراقية في البنوك اللبنانية ومسجلة بأسماء عراقيين لدى بنوك أعلنت إفلاسها، وتلك الاسماء من السياسيين لا يستطيعون الآن الإدعاء بوجود أموال لديهم في تلك البنوك، ولا يستطيعون أيضا إقامة دعاوى في تلك التفليسات، حتى تتحصل على ما قامت بإيداعه في تلك البنوك.
من أين لك هذا؟
وأشار الكبيسي إلى أنه على سبيل المثال تتم محاسبة رئيس الوزراء البريطاني ونجله، على قيامه بإعادة دهان شقته، في الوقت الذي كانت الحكومة البريطانية تقدم المساعدات لرئيس الحكومة العراقية السابق إبراهيم الجعفري، والذي قام خلال الفترة التي عمل بها بالعراق سواء كان رئيسا أو وزيرا، بشراء أكثر من عقار في أكبر شوارع لندن، ولم يتعرض لمساءلة من جانب القضاء البريطاني ولم يسأل ، من أين لك هذا.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن عملية استعادة تلك الأموال من الخارج ليست بالسهولة التي يتخيلها البعض، لأننا في البداية نحتاج إلى حكم قضائي يثبت أن تلك الأموال غير شرعية وأن صاحبها قد ارتكب جريمة سرقة المال العام، وقتها نطالب بعملية الاسترداد، فالفساد وتهريب المال العام أصبح في كل قطاعات الدولة، إذا ليس سهلا علينا تمرير التصريحات الحكومية حول عمليات وإجراءات الاسترداد.
كان مصطفى الكاظمي، الذي تسلم رئاسة الوزراء في مايو/أيار الماضي، قد تعهد بالسعي لاسترداد تلك الأموال، فيما رأت مصادر حكومية صعوبة ذلك في الفترة القريبة.
وهدفت بغداد من خلال تعديل قانون استرداد الأموال المهربة، في نهاية الشهر الماضي، إلى السعي بشكل آخر لعودة الأموال الهائلة خارج البلاد.
ويقضي التعديل الأخير للقانون، بحسب إسماعيل الحديدي، مستشار رئيس الجمهورية، بأن يتم تكليف شركات عالمية متخصصة في استرداد الأموال مقابل “أجر” ، والتأكيد على ضرورة الحصول على دعم دولي لتعزيز تلك الجهود.
وتذهب بعض الآراء إلى أن عملية استرداد تلك الأموال موضوع يتعلق بجوانب سياسية أكثر من كونها خطوات فنية، كما يقول عضو لجنة النزاهة النيابية عبد الأمير المياحي بحسب جريدة “العين الإخبارية”.
وتؤكد كل الشواهد، أن أغلب تلك الأموال تفتقد الأوراق الثبوتية التي تدل على أنه تم تهريبها من العراق كون أن ملابساتها جرت بحرفية عالية حتى يضيع أثرها.
وانطلقت شرارة الاحتجاجات في الأول من تشرين الأول/اكتوبر 2019 بشكل عفوي، ورفعت مطالب تنتقد البطالة وضعف الخدمات العامة والفساد المستشري والطبقة السياسية التي يرى المتظاهرون أنها موالية لإيران أو الولايات المتحدة أكثر من موالاتها للشعب العراقي.