التصريحات أبرزت مساوئ الاعتماد على الأداة العسكرية في السياسة الخارجية
هدى رؤوف كاتبة
منذ يومين، خرج تسجيل صوتي مسرب لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، تناول قضايا ترتبط ببنية النظام وعلاقة المؤسسات ببعضها وتأثير ذلك في السياسة الخارجية. لا يمكن تناول التسجيل الصوتي لظريف بعيداً من عاملين مهمين يرتبطان بإيران حالياً، الأول هو جولة مفاوضات فيينا التي تتضمن مباحثات غير مباشرة مع واشنطن بشأن الاتفاق النووي، والعامل الآخر هو استعداد طهران للانتخابات الرئاسية بعد أسابيع قليلة. وبغض النظر عمن قام بالتسريب، فإن الأهم هنا تأثيره في الداخل والخارج من خلال رسائل عدة حملها.
ردود الفعل الداخلية
ردود الفعل داخل إيران جاءت من المتشددين. فدعا منتقدو ظريف إلى استقالته، قائلين إنه هدد الأمن القومي من خلال الكشف عن السياسة الداخلية للبلاد، بل هناك من دعاه إلى التنحي بدلاً من عزله من قبل البرلمان، الذي استدعاه الأربعاء.
حتى أنصار ظريف أعربوا عن قلقهم من أن التعليقات قد تؤثر في الانتخابات الرئاسية في أواخر يونيو (حزيران) وتضرّ بمرشحي فصيل الإصلاح، الذي يرتبط به ظريف، إذ ربما تدفع المواطنين إلى الإحجام عن المشاركة لقناعتهم بأن المسؤولين المنتخبين ليس لديهم أي صلاحيات في مناصبهم في مواجهة المعنيين من العسكريين.
دلالات ما جاء في التسريب
تضمن التسريب اتهام ظريف الحرس الثوري بإدارة سياسته الخارجية الإقليمية وتجاهل نصيحة الوزارة. وقال إن قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني سافر إلى موسكو عام 2015 لتقويض المفاوضات النووية.
كما أعرب ظريف عن إحباطه من بعض قرارات الحرس الثوري، مثل إرسال قوات برية إلى سوريا. وانتقد سماحه للطائرات الحربية الروسية بالتحليق فوق إيران لقصف سوريا، وقيامه بنقل معدات عسكرية وأفراد إلى سوريا على متن شركة الخطوط الجوية الإيرانية المملوكة للدولة من دون علم الحكومة، فضلاً عن إشارته إلى رغبة موسكو بعدم إنجاز اتفاق بشأن الملف النووي بين إيران والغرب.
وأكد التسريب أن استراتيجية الأمن القومي الإيرانية اعتمدت على المكون العسكري عبر استخدام عدد من الأساليب والآليات المختلفة لتنفيذ سياستها الخارجية، بما في ذلك تقديم الدعم المالي والعسكري للحلفاء من الأنظمة والفصائل المسلحة. فوفّرت طهران الأسلحة والتدريب والمستشارين العسكريين لدعم الحكومات والحركات المتحالفة معها، مثل نظام بشار الأسد في سوريا و”حزب الله” اللبناني وحركة “حماس” والحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق.
تسريب ظريف بين الأهداف الداخلية والخارجية
ردود الفعل داخل إيران كانت شديدة ومرتبطة بمناخ الانتخابات، التي يسيطر عليها المتشددون مع محاولاتهم منع ترشح الشخصيات المحسوبة على التيار الإصلاحي، إلى جانب تآكل رصيد حكومة حسن روحاني بفعل العقوبات الاقتصادية وعدم استفادة إيران من الاتفاق النووي واستمرار العزلة الدولية وارتفاع التوترات في الخليج العربي. ويصاحب كل ذلك إحباط المواطنين، الذين قُمعت تظاهراتهم المطالبة بالحريات وتحسين الأوضاع المعيشية.
في هذا السياق، يمكن القول إن حديث ظريف المسرب يحاول في جزء منه أن يدافع عن سياسة الحكومة وأن كثيراً من التطورات لم تكن بيديها، نظراً إلى سطوة المؤسسة العسكرية على المؤسسات الأخرى المعنية بالجانب الدبلوماسي.
كما أن كلام ظريف يحمل الكثير من النقد لملامح عسكرة السياسة الخارجية، التي انتقدها المتظاهرون عام 2017 رافعين شعارات لا سوريا ولا لبنان، بالتالي فإنه يحاول أن يبرئ حكومة روحاني والتيار المعتدل من السياسة الخارجية التي جاءت على حساب الوضع الاقتصادي. وهو ما يمكن أن يخدم موقف الإصلاحيين والمعتدلين على حد سواء أو موقف ظريف نفسه إذا ترشح للرئاسة ودعمه الإصلاحيون، لا سيما أنه أحد الأسماء المطروحة، لكنه لم يعلن نيّته حتى الآن.
في المقابل، أبرزت التصريحات المسربة مساوئ الاعتماد على الأداة العسكرية في السياسة الخارجية، وسيطرة المتشددين على المؤسسات الحكومية، في إشارة ظريف إلى أن وزارة الخارجية فيها الكثير من الموظفين الأمنيين. وكأنه أراد الإشارة إلى تزايد العسكريين في المناصب التنفيذية والدبلوماسية.
ويتزامن ذلك مع تزايد عدد المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة من العسكريين السابقين. ويذكّرنا هذا بتصريح روحاني بمناسبة يوم الجيش، في 18 أبريل (نيسان) الحالي، حين قال إن “واجب قواتنا المسلحة ليس ذا طبيعة عسكرية فحسب، لكن ليس الدخول في السياسة أيضاً”.
وبشكل رئيس، يخدم التسريب التيار الإصلاحي ومعه تيار روحاني وظريف في تركيزه على مساوئ اتجاه الدولة إلى مزيد من العسكرة، وربما لدفع المواطنين إلى الإقبال على المشاركة في الانتخابات لدعم المرشحين المحسوبين على التيار الإصلاحي أو المعتدل.
من جهة أخرى، يفيد التسريب مسار مفاوضات فيينا الجارية، فربما أراد ظريف إرسال رسائل بمدى عمق العلاقة بين الحرس الثوري وروسيا، وأن وجود رئيس بخلفية عسكرية من داخله من شأنه رفع كلفة السياسة الخارجية والتوتر وتسخين كثير من ملفات الإقليم. بالتالي على الغرب دعم تيار روحاني وظريف، ليتمكّن من كسب تأييد ومساندة محليين. بعبارة أخرى، الإسراع في رفع العقوبات عن كاهل إيران، لمؤازرة التيار المنافس للمتشددين والعسكريين.