كورونا المتحول الكُروي!


تفوق في إنجاز مهمته ولم يتزحزح عنها قيد أنملة باستثناء أن الخبر أمسى مملاً

أحمد الفيتوري كاتب 

بالكرة يلعب، وفي الكرة الأرض، يلعب كيفما شاء، يتجول بين القارات، يتحول بكل ألوان البشر، من الأصفر إلى الأبيض، ومن الأسمر إلى الأسود، ليحمل جنسيات مختلفة، وفي كل لحظة يحقق أهدافاً ويجني من الضحايا أكثر، السيد فيروس كورونا.

من دون رادع يجول في الرقعة كفيل طائر، يضرب بطرق شتى، ويشتت الرُؤوس: “رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، تعرض لانتقادات لاذعة وضغوط متزايدة، بعد مزاعم جديدة بأنه أخبر مساعديه، بأنه يفضل أن تتكدس الجثث بسبب فيروس كورونا، على فرض إغلاق آخر في البلاد، وهو التصريح الذي نفاه رئيس الوزراء البريطاني”. وقبله زعم الرئيس البرازيلي أن الفيروس تحت السيطرة، فيما رئيس وزراء الهند لم يهتم بهذا المتحول المستجد، وكان المفتي الصحي لهم جميعاً، دونالد ترمب الرئيس السابق للدولة الكبرى.

ومن خلال هذا، حول المتحول العالم إلى مسخرة، وجعل أمره في حال شر البلية، وحقق مآربه أثناء صخب الفتاوي المتضاربة، وفي الأثناء تصدر عزرائيل، هذه التراجيديا/ الفاجعة، فباتت الكرة الأرضية جبانة، والحياة فيها جنازة.

تفوق كورونا في إنجاز مهمته، ولم يتزحزح عنها قيد أنملة، باستثناء أن الخبر أمسى مملاً، من ذا نقل من باب العاجل إلى باب المؤخرات. وقد بين هذا الطبيعة البشرية، التي تأخذها العادة، فتمارس الاحتفال بالموت، كما تمارس حفل الميلاد. بل الأنكى من ذا وذاك، أن يُفضل زعيم رأسمالي: تكدس الجثث بسبب فيروس كورونا، على فرض إغلاق آخر في البلاد. وحتى وإن   لم يقل ذلك بالحرف، فالبينة المسلك، ما أصدق إنباء من الكتب.

جاء نبأ يسعى، أن أثرياء الهند هرعوا لنجدة أنفسهم، فازدحموا عند بوابة الخروج، باعتبار أنهم الفار من جهنم، حيث تكدست الجثث في انتظار الحرق. وفي هذا الوقت ينغمس العالم وقادته في سبات عميق، متلاهين عن الكارثة الحادثة بالكارثة القادمة، مزورين عن كورونا، بما قبل من مشكلات وأزمات دولية، وفي الأثناء كثير من أبناء البشر، يدسون رؤوسهم في رمال “فيسبوك”: (في انتظار عزرائيل).

ثمة قول مشهور، لصموئيل بيكيت، المسرحي الإيرلندي الحائز على جائزة نوبل، “لا شيء يحدث لا أحد يأتي”. هكذا في زمن كورونا، تستعيد القوى النافذة هذه القولة، وقد عادت بريطانيا إلى زمن “تاجر البندقية”، إذ “أظهرت بيانات رسمية، أن اقتصاد بريطانيا انكمش 9.9 في المئة عام 2020، في أكبر تراجع سنوي في الإنتاج، منذ بدء الاحتفاظ بسجلات حديثة. ويعد هذا الانخفاض، الذي يأتي في الوقت الذي لا يزال فيه الاقتصاد البريطاني، مثقلاً بالقيود المفروضة لمكافحة فيروس كورونا، هو الأكبر منذ عام 1709، عندما دمرت موجة البرد، المعروفة باسم “الصقيع العظيم”، ما كان آنذاك اقتصاداً زراعياً إلى حد كبير.

القيامة الآن/ “الصقيع العظيم”، من ذا تروج “فلسفة اللامبالاة”، ما تتصدر قائمة الكتب، وكذلك كورونا ما تحولت إلى بضاعة، طبية وعلمية وإعلامية وإلكترونية، وغذائية وتسالي ورياضة وأدب وفن… وما في حكم ذلك. وفي هذا تكون رأسمالية الكوارث، خير مروج للامبالاة، لأنها تعيش وتنمو على حصاد عزرائيل.

كما في البدء، عندما اعتبر دونالد ترمب، الفيروس الصيني مسألة محلية صينية، يتم في اللحظة الاستثنائية الكارثية الحالية، اعتبار مسألة كورونا مسألة عابرة مرة ثانية.

في هذه الحلقة المفرغة، أخذ البشر يتداعكون كقطيع أعمى، صم بكم لا يفقهون، مثلما حصل في الهند… وغيرها بطبيعة الحال. كل هذا جعل كورونا يستفحل، لقد تجاوزت إقامته على الأرض السنة الكبيسة بشهور. ومع انتشار اللقاح ينتشر الفيروس، تنتشر اللامبالاة، بل ودعوات الموت بالجملة. مع تماد في عدم تقديم المعلومات، ثم تزوير الأرقام، ما انتشر كالنار في الهشيم، باعتباره من أساليب المقاومة السلبية الناجعة. ما يذكر بمناعة القطيع.

أخيراً، لعل هذا ما جعل الشاعر السوري نزيه أبو عفش، يكتب مخاوفه، على حائط صفحته الـ”فيسبوكية”:

تعِبنا! تعِبنا من الخوفْ.

العالَمُ كلّه واقعٌ في الخوف، والموت يَجول في الشوارع، وَ… ما مِن ضِحكةْ.

تَعبنا!

القلوب، القلوبُ الحزينة، بحاجة إلى منْ يَتذَكّرها

إنْ لم يكنْ بوردةْ فَـ، على الأقلّ، بِـ… سِكّين

تعِبنا، وأكثر.