قال ولي العهد السعودي إن “رؤية 2040” مرحلة المنافسة الدولية
زياد الفيفي بشرى الربيعة
كانت الذكرى الخامسة لإطلاق “رؤية 2030” السعودية، هي المناسبة التي قرر فيها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن يطل فيها من خلال لقاء تلفزيوني مع الإعلامي السعودي عبد الله المديفر، هو الثالث على شاشة عربية منذ أن أعلن عنها في 2015.
طال الحديث الذي بثته جميع القنوات المحلية، وعدد من المحطات العربية، كل جوانب الرؤية الاقتصادية والاجتماعية، والسياسات الدولية، في سعي البلاد لصناعة تحول تنموي.
هذا المشروع أخذ حصة كبيرة من النقاش، وانتهى بالحديث عن “رؤية 2040” التي قال إنها الهدف بعد عشر سنوات، والتي يفترض بها أن تكون “مرحلة المنافسة الدولية”.
طال النقاش أيضاً الملف الضريبي الذي أكد خلال حديثه عنه أن ما فُرض، أخيراً، برفع الضرائب إلى 15 في المئة قرار مؤقت، ولن يستمر أكثر من 5 سنوات، نافياً أي نية لفرض ضريبة على الدخل.
نتفق مع بايدن بنسبة 90 في المئة
الحديث عن السياسة كان آخر الملفات، إلا أنه كان أطولها، لكن وعلى الرغم من ذلك لم تتركه الملفات الاقتصادية التي سبقته، فعند الحديث عن النفوذ الدولي، قال ولي العهد السعودي “نسعى لتعزيز نفوذنا بما يتوافق مع القانون والأعراف الدولية، فعلى سبيل المثال صندوق الاستثمارات العامة الذي يملك سمعة في كل أنحاء العالم، يجعل العالم منفتحاً على الاستثمار في فرصه، فكثير من الاستثمارات التي أتت إلينا كانت عن طريق سمعته”، وهو ما يخلق نفوذاً في جوانب مختلفة.
ولم يكن من الممكن الحديث عن الجانب السياسي، من دون التطرق إلى العلاقة مع الولايات المتحدة التي لا تزال غير واضحة بنسبة كاملة مع التغيير الذي حدث في واشنطن مطلع العام الحالي، وحول العلاقة مع إدارة جو بايدن، قال ولي العهد السعودي “لا يوجد اتفاق بين دولتين بنسبة 100 في المئة، هناك هامش من الاختلافات، هذا الهامش يختلف من إدارة أميركية إلى أخرى، هامش الخلاف مع إدارة بايدن لا يتجاوز 10 في المئة، ونعمل على التوافق حوله، في حين أننا نتفق على أكثر من 90 في المئة من الملفات، وآخر هذه التوافقات كان انضمامنا إلى المجموعة البيئية الجديدة”.
الضغوطات خلقت حربين عالميتين
ورفض ولي العهد السعودي ربط سعي بلاده لتنويع علاقاتها الدولية بخلافات مفترضة مع واشنطن، مبرراً هذا المسعى الجديد بقوله “في الخمسينيات كانت أميركا تشكل 50 في المئة من اقتصاد العالم، اليوم تشكل 20 في المئة، لذلك نعمل على تعزيز شراكتنا مع دول العالم، بما لا يضر أي دولة أخرى”.
وأضاف “السعودية لن تقبل أي شكل من أشكال الضغوط، إشكالية العالم التي صنعت الحرب العالمية الأولى والثانية هي الضغوطات والتدخل في الدول، وأتى ميثاق الأمم المتحدة ليحل هذه المشكلة بحماية سيادة الدول، فمن يتجاوز هذا فهو يطعن في الميثاق الذي حفظ السلم الدولي”.
لا نريد لإيران أن تكون في وضع صعب
وحول موقف بلاده من طهران، قال “إيران دولة جارة، وكل ما نطمح له أن يكون لدينا علاقة مميزة معها، لا نريد لها أن تكون في وضع صعب بل في وضع مزدهر، لكن مشكلتنا في تصرفاتها السلبية في برنامجها النووي أو برنامجها الصاروخي أو الجماعات المسلحة التي تنشرها في المنطقة، نعمل مع شركائنا في المنطقة والعالم لإيجاد حل لهذه المشكلات”.
وعند الحديث عن إيران فلا يمكن تجاوز اليمن، إذ قال حول ذلك “هذه ليست أول أزمة نمر بها مع أطراف في اليمن وتجاوزنا كل الأزمات. ما يحصل اليوم من انقلاب حوثي هو سلوك غير قانوني، ولا يوجد دولة في العالم تقبل أن يكون هناك ميليشيات على حدودها”.
وأضاف حول المبادرة السعودية “نتمنى أن يجلس الحوثي على الطاولة، قدمنا عرضاً يشمل وقف إطلاق نار والدعم الاقتصادي”، ومع تأكيده ارتباط الحوثي بإيران إلا أنه قال “الحوثي في الأخير يمني ولديه نزعة عروبية نتمنى أن تظهر فيه بشكل أكبر، ونتمنى أن يجلس على طاولة المفاوضات للوصول لحلول تكفل حقوق الجميع”.
حماية البيئة لا تتصادم مع حماية الفرص الاستثمارية
العمل السعودي التنموي يتوازى معه نشاط ونزعة كبيرين تجاه البيئة، وهو ما يضع المشروع السعودي في تصادم مع ذاته من وجهة نظر استثمارية، تنظر إلى القوانين البيئة على أنها قيود استثمارية.
إلا أنه يملك رأياً آخر حيالها، “الاهتمام بالبيئة لا يتناقض مع الاهتمام بالفرص الاستثمارية، بالعكس تعززها، إذ تحافظ القوانين البيئية على فرص الاستثمار السياحي على سبيل المثال، ما يجعلها تعزز الاستثمار”.
وعن مستهدفات بلاده من البيئة، قال “نسعى لرفع الغطاء النباتي بنسبة 40 في المئة، وخفض العواصف الرملية بنسبة 30 في المئة”.
الوظائف والصحة
وصنف ولي العهد الوظائف في بلاده إلى فئتين “وظائف جيدة تحقق للمواطن احتياجاته الرئيسة وتعطيه القدرة على الإدخار والإنفاق على الترفيه، وهذه تشكل 50 في المئة من الوظائف، في المقابل النصف الآخر من الوظائف يوفر قدرة على سد الحاجات الأساسية لكن من دون القدرة على الادخار وتنمية الثروة والإنفاق على الترفيه”.
وتنوي خطة إصلاح ملف البطالة التعامل مع هذه المشكلة بعد بلوغ النسبة المقبولة من الوظائف، وهي “من 4 إلى 7 في المئة بطالة، وهي نسبة طبيعية، ونعتقد أننا قادرون هذا العام على كسر حاجز 11 في المئة نزولاً إلى 10 وكسور”.
وأكد في مطلع حديثه عن النظام الصحي، أن النظام الأساسي للحكم في البلاد كفل مجانية العلاج والتعليم، لذلك لن يطال ملف الخصخصة هذين المجالين، وأضاف “ما نعمل عليه هو أن نخفف إنفاق الحكومة على القطاع لصالح القطاع الخاص، وسيتم تحفيزه للاستثمار في القطاع عن طريق توسيع شريحة الحاصلين على التأمين من العاملين في القطاع العام والخاص”، عن طريق خلق طلب كبير على الخدمات الصحية التي ستدفع المستثمرين إلى ضخ أموال في القطاع.
المطور العقاري السعودي بدائي
ووصف المشرف على المشروع الاقتصادي السعودي المطورين العقاريين في البلاد بأنهم “بدائيون، إذ إن 95 في المئة منهم يقدمون مخططات من دون خدمات وبنية تحتية، يشتري على إثرها المواطن مسكناً ثم تبدأ الحكومة في معالجة المشاكل”.
وتسعى الحكومة لحل هذه المشكلة عن طريق وضع معيار يجعل من الصعب تسويق ما هو أدنى منه، وبدأت ذلك عن طريق “تأسيس شركة (رواشن)، التي ستتولى بناء 20 في المئة من الوحدات السكنية المطلوبة خلال السنوات الخمس المقبلة، وسيصبح ما تبنيه (ستاندر) للبناء الذي لن يقبل المواطن بما هو أقل منه”.
الهوية
التغييرات السريعة التي تمر بالبلاد، تثير نقاشاً حول الهوية السعودية ومدى تأثرها بهذا التغيير، وهو ما أجاب عنه الأمير محمد بن سلمان، قائلاً “الهوية التي لا تستطيع أن تصمد أمام التغيير هي هوية ضعيفة لن تستطيع الاستمرار معها”.
لا عقوبة على شأن ديني إلا بنص قرآني واضح، وتطبق على كيفية تطبيقها من قبل الرسول، مضيفاً “محاولة تطبيق عقوبة بصفتها عقوبة شرعية من دون أن يكون لها نص قرآني، أو حديث متواتر، هذا تزييف للشريعة، فالله عندما أرادنا أن نعاقب على جرم شرعي نص عليه، وعندما حرم شيئاً ووعد بالعقاب عليه في الآخرة، لم يأمرنا أن نعاقب عليه وترك للفرد أن يختار، وأجل حسابه ليوم القيامة”.
علاج المشاكل الإدارية
وعن أسباب تعثر مشاريع الإسكان السابقة يقول ولي العهد السعودي “بسبب رئيس؛ مركز الدولة ضعيف للغاية، والوزارات متفرقة ولا يوجد سياسة عامة، ولا يستطيع أن ينجح وزير الإسكان من دون التنسيق مع البلديات والبنك المركزي والمالية وسن التشريعات والقطاع الخاص”.
وبعد التنظيمات وإعادة الميزانيات الضخمة السابقة إلى وزارة المالية، يوضح “صرفت ميزانية سنوية، ونتيجة لذلك ارتفعت نسبة الإسكان من 47 في المئة إلى 60 في المئة فقط في أربع سنوات”.
وتشجع السعودية على التجارة والاستثمار وتحاول تسهيل السبل لها، إذ يوضح ولي العهد “السجل التجاري كان يستغرق ستة أيام لاستخراجه ويمر بأكثر من 6 جهات حكومية، واليوم تستخرجه إلكترونياً في نصف ساعة”.
ويضيف “الاستثمارات الأجنبية تضاعفت ثلاث مرات أو أكثر، من 5 مليارات ريال سعودي إلى 17 مليار ريال سعودي سنوياً… والسوق السعودية كانت عالقة ما بين 4000 نقطة و7000، والآن تعدت 10000 نقطة، وهذا يدل على أن القطاع الخاص بدأ ينمو”.
كورونا وتحديات الرؤية
وفيروس كورونا الذي ضرب بأطنابه بلاد العالم أجمع، لم ينس السعودية التي كانت تخوض سباقاً مع الزمن وتحدياً داخلياً وخارجياً لتحقيق مستهدفاتها الاقتصادية.
وكشف ولي العهد السعودي “نرى في الربع الأخير لعام 2019، نمو الاقتصاد غير النفطي بحجم 4.5 في المئة، ولو لم تكن الجائحة في 2020 لاستمر وصولاً إلى أكثر من 5 في المئة في القطاع غير النفطي في ذات المستويات مع زيادتها في المستقبل”.
وأضاف “اقتربنا من كسر أرقام الرؤية قبل 2030 بكثير، الإسكان هدفه 62 في المئة وصلنا إلى 60 في المئة قبل الرؤية بكثير، والـ62 في المئة سوف نصل لها قبل الرؤية بكثير أو في 2025، ويعني أن هدف الرؤية سيتم تعديله من 62 في المئة إلى 70 في المئة، عدد السعوديين الذين سيتملكون مساكن”.
ويتابع ولي العهد متحدثاً عن أرقام أخرى “صندوق الاستثمارات العامة كان الهدف أن يكون حجمة 7 تريليونات ريال، والآن في 2025 سيكون حجمة 4 تريليونات ريال، وسنعدل هذا المستهدف ليصبح 10 تريليونات ريال (2.67 تريليون دولار) في 2030، فكل الأرقام التي كان يعتقد أنها أرقام كبيرة وغير قابلة للتحقيق، كسرناها وأجزاء منها في 2020، وسوف نكسر كثيراً منها في 2025”.
وعن أرامكو قال إن الشركة النفطية الضخمة في محادثات لبيع حصة واحد في المئة من أسهمها لشركة طاقة عالمية، مؤكداً أن ذلك “سيعزز مبيعات أرامكو في دولة رئيسة”.
الفريق هو ماكينة الإنجاز
والسعودية التي بدأت مشوارها منذ 2015، واجهت تحديات داخلية وخارجية اقتصادية واجتماعية، ويوضح ولي العهد “عام 2015 كان عاماً صعباً للغاية، و80 في المئة من الوزراء غير أكفاء، ولا أعينهم حتى في أصغر شركة من شركات صندوق الاستثمارات العامة، والصف الثاني شبه مفقود من النواب والوكلاء”.
ويكمل الأمير محمد بن سلمان “القيادات في الوزارات بنسبة عالية مفقودة، وأغلب من يعمل، يعمل فقط للعمل الروتيني لتخليص المعاملات والإجراءات، وليس عملاً تخطيطياً واستراتيجياً لتحقيق هذه المستهدفات”، وبسببها “لا يوجد فريق، ولا حوكمة جيدة، ولا يوجد ديوان ملكي وأمانة عامة لمجلس الوزراء تستطيع أن تدعم صنع القرار، فقبل أن نحقق أي شيء نحتاج إلى أن نبني الفريق والماكينة التي تساعد على إنجاز هذه الفرص والتطلعات”.
الضرائب وضروريتها للسياحة
والضرائب التي بدأت في الارتفاع نتيجة لضربات الجائحة على اقتصاد البلاد والمواطن، لن تكون دائمة بحسب تصريح ولي العهد السعودي، الذي أشار إلى “اتفاق مجلس التعاون الخليجي لكي تكون لدينا ضريبة تتراوح ما بين 5 و10 في المئة، لتكون محفزة ونكون الأقل في العالم”.
ويضيف “مع فتح السياحة واستهداف مئة مليون سائح في 2030، سيكون هناك تسريب كبير للدعم داخل السعودية، فالخمسة في المئة أو العشرة، ستضمن أن الكاش الذي يستفيد منه الأجنبي في استهلاكه داخل السعودية، سيعود للحكومة التي ستنفقه في كامل المنافذ التي يحتاجها السعودي”.
ويكمل عن زيادة الضريبة الأخيرة “لا يزال النفط يشكل جزءاً رئيساً من الدخل، ورأينا أن أسعار النفط وصلت إلى أقل من صفر في 2020، ما مثّل تحدياً كبيراً جداً لتغيير كامل مستهدفاتنا وأحلامنا لإرضاء الناس لمدة ثلاث أو أربع سنوات فقط”.
وأضاف “اتخذنا الإجراءات التي قد تكون قاسية لفترة قصيرة من الزمن، ومن ثم تعود الأمور إلى نصابها، فكان أحدها تفادياً لإلغاء البدلات وتخفيض الرواتب، رفع الضريبة إلى 15 في المئة، وهو إجراء مؤلم للغاية”.
ويوضح “من واجبي أن أبني للمواطن مستقبلاً طويل الأمد مستمراً في النمو، عوضاً عن إرضائه ثلاث أو أربع سنوات، وأستنزف مدخرات البلد وفرصها لتحقيق مستقبل أفضل، فكانت مجموعة قرارات من ضمنها الضريبة، وهو قرار مؤقت قد يستمر من سنة إلى خمس سنوات كحد أقصى”، ويؤكد “لن يكون هناك ضريبة على الدخل بتاتاً في المملكة العربية السعودية”.