360 مليار دولار حجم الأموال المهدورة خلال عقد من الزمن
مؤيد الطرفي مراسل عراقي
اعتاد كثيرون من العراقيين على عدم جدية الحملات التي تطلقها الحكومات المتعاقبة لمكافحة الفساد بدءاً من عام 2009 وحتى أغسطس (آب) 2020، لكون معظم المسؤولين عن الفساد في القضايا التي كشفت للإعلام قد تمت تبرئتهم أو إيقاف الملاحقات القضائية بحقهم، بعد ضغوط تعرض لها القضاء العراقي من قبل ساسة كبار ورؤساء الوزراء السابقين في حينها.
وملّ العراقيون أيضاً من كثرة حديث المسؤولين عن الفساد وأضراره خلال أكثر من عقد من دون تحقيق محاكمة علّنية واحدة، يتم عرضها للجمهور لإقناعه بجدية الدولة في الحد من توّغل الفساد الإداري وداعميه في مؤسسات الدولة ودوائرها، والذي تسبب بتراجع الخدمات والأنشطة الاقتصادية إلى حد خطير.
وفشلت الحكومات المتعاقبة في إنهاء ملفات فساد كثيرة تم الكشف عنها للجمهور، إلا أن الضغوط السياسية أفرغتها من محتواها وأفرجت عن الكثير من المتورطين بها، مثل ملف وزير التجارة والقيادي السابق في حزب الدعوة عبد الفلاح السوداني الذي اتهم بقضايا فساد، ومحافظ كركوك السابق نجم الدين كريم، ومحافظ البصرة السابق والقيادي في المجلس الإسلامي الأعلى ماجد النصراوي، وغيره من المحافظين، وعدد من النواب أبرزهم مشعان الجبوري الذي اعترف علناً بتلقي رشاوى فضلاً عن العديد من المدراء التابعين لأحزاب سياسية متنفذة.
تحول إيجابي
ومثّل تشكيل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي للجنة مكافحة الفساد في أغسطس 2020 بقيادة الفريق أحمد أبو رغيف المعروف بملاحقته لشبكات القاعدة وتنظيم “داعش” للفترة من 2008 وحتى 2013، تحولاً كبيراً وإيجابياً داخل منظومة الدولة العراقية لمتابعة ملفات الفساد التي أصبحت جزءاً من الحديث اليومي لأغلب العراقيين.
فاللجنة استطاعت خلال الأشهر الماضية اعتقال عدد كبير من مدراء الدوائر وشخصيات متورطة بقضايا فساد، مثل رئيس هيئة التقاعد العامة أحمد عبد الجليل وأشقائه، ورئيس شركة “كي كارد” بهاء عبد الحسين اللذين صدرت بحقهما أحكام قضائية تتراوح بين 4 و6 أعوام، فضلاً عن العديد من مدراء المصارف الحكومية ورجال الأعمال العراقيين.
الجوراني هدف كبير
وأدى اعتقال رجل الأعمال العراقي بهاء الجوراني، في فبراير (شباط) الماضي، المعروف بسمسار شراء الوزارات العراقية خلال العقد الماضي، إلى مفاجأة كبيرة لدى العديد من الأوساط السياسية العراقية التي سارعت، بحسب مصادر حكومية رفيعة، للضغط على الحكومة العراقية للإفراج عنه إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل.
وقادت اعترافات الجوراني إلى الكشف عن تورط العديد من الشخصيات السياسية والنواب في العمل معه لتسهيل خطواته في شراء الوزارات بهدف الاستيلاء على كل مشاريعها، كما أدت اعترافاته على زعيم حزب الحل جمال الكربولي وعدد من أفراد أسرته بالمشاركة معه بصفقات فساد إلى اعتقال الكربولي قبل أيام عدة من قبل قوة تابعة للفرقة الخاصة ولجنة مكافحة الفساد.
المبالغ المهدورة
ويبين عضو مجلس مكافحة الفساد السابق سعيد ياسين أن حجم المبالغ المهدورة للفترة من 2006 إلى 2016 بحسب التقديرات غير الرسمية بلغت 360 مليار دولار، ويضيف، “الملفات التي تعمل عليها الحكومة حالياً هي ملفات قديمة لتطويق عملية الفساد إلا أنها استكملت حالياً في أروقة القضاء”، لافتاً إلى أن اللجنة الحكومية التي تتابع ملفات الفساد تنسق مع هيئتي النزاهة وديوان الرقابة المالية والقضاء وتختص بمتابعة القضايا الكبيرة ولديها صلاحيات واسعة من خلال تخويل الكاظمي.
ويعرب ياسين عن تخوفه من استخدام النفوذ السياسي لعرقلة مكافحة الفساد، مشيراً إلى أن “اللجنة مطالبة بأن تقوم بعملها وتحصل على ثقة الناس وألا تتراجع لأن هذا الأمر سيهز ثقة الجمهور بها، مشيراً إلى أن عمل اللجنة يجري بسرية في الإجراءات والمعلومات”.
وعن استرداد الأموال من قبل المودعين بالسجون المتهمين بقضايا فساد يبين ياسين أن “الآلية المعتمدة أن تقيم الجهة المتضررة دعوى ثانية لاسترداد الأموال”، معتبراً أن استرداد الأموال عملية صعبة عند تحويلها إلى مصارف خارج العراق، لأن تلك المصارف تحتاج إلى الأدلة الكافية لقضاء تلك الدولة لغرض استردادها ما يتطلب سنوات في تلك القضايا”.
تحريك 12 ألف قضية فساد
وكشف عن وجود أكثر من 9 طلبات موجهة من القضاء العراقي إلى مجلس النواب منذ 2019 لرفع الحصانة عن نواب كانوا وزراء سابقين ومحافظين وموظفين من أجل مثولهم أمام القضاء، موضحاً أن غالبية هذه القضايا تخص فسادهم أثناء الوظيفة التي كانوا يتمتعون بها سابقاً قبل انتخابات عام 2018.
ويتابع ياسين أن لجنة مكافحة الفساد تتابع حالياً 12 ألف قضية فساد في الدرجات الوظيفية كافة بهدف تصفيتها، بعد أن كانت معّطلة سابقاً وتبحث عن رؤوس فسادها.
تحديات كثيرة
ويشير رئيس هيئة النزاهة الأسبق موسى فرج إلى وجود تحد أمام لجنة الكاظمي لمتابعة الفاسدين يتعلق بألا تكون زوبعة في فنجان وألا تخرج المفسدين بضغوط سياسية، ويضيف فرج، “أوامر القبض التي صدرت بحق بعض الشخصيات الحزبية مثل رئيس كتلة الحل جمال الكربولي تصطدم بمنظومة الحكم الحالية وأسس المحاصصة، مبيناً أن هناك معارضة من البعض لاستقدام شخصيات من مكون من دون استقدام شخصيات من مكون آخر”.
ولم تتمكن “اندبندنت عربية” من الحصول على تصريح رسمي من قبل لجنة مكافحة الفساد.
58 مذكرة قبض
وعلى الرغم من إصدار هيئة النزاهة في مارس (آذار) الماضي 58 مذكرة قبض بحق وزراء ومحافظين وأعضاء مجلس نواب وأعضاء مجالس محافظات، إلا أن التركيز الآن ينصب على عمل لجنة الكاظمي بحسب فرج، الذي حذر من إخراج الذين يتهمون بقضايا فساد بدعوى عدم كفاية الأدلة بسبب الضغوط السياسية، وقال إن كثيراً من قضايا الفساد تصدر غيابياً لتأخر صدور الأحكام القضائية ما يؤدي إلى هروب المتهم، مشيراً إلى وجود الآلاف من قضايا الفساد أمام هيئة النزاهة.
نشاط كبير للجنة الكاظمي
وقال رئيس لجنة النزاهة البرلمانية النائب ثابت العباسي للوكالة الرسمية، إن “لجنة الأمر الديواني 29 بدأت تفرض فاعليتها على الأرض، من خلال ما وصلت إليه من ملفات وكذلك الملفات المرفوعة من هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية”، وأضاف، “الأسبوع الماضي شهد نشاطاً كبيراً للجنة بإيقاف مديرين عامين وبعض الشخصيات السياسية”، مشيراً إلى أن اعتقال الشخصيات لا يعني الإدانة وإنما القضاء هو من يقرر ذلك.
وتابع العباسي أن “هناك مجموعة من الملفات تعمل عليها اللجنة، لا سيما في مجالي الكهرباء والصناعة وملفات أخرى”، مؤكداً دعم لجنته لعمل اللجنة العليا.
وكان رئيس الوزراء أعلن في 30 أغسطس الماضي، تشكيل لجنة تحقيق عليا بملفات الفساد الكبرى والجرائم الجنائية، ومنحها كل الصلاحيات لاستعادة هيبة الدولة وحقوقها.