كما يقال أحياناً أن العادة تفقد الدهشة فقد تعودنا على تصريحات بين وقت وآخر تصدر من مسؤولين تُزعجنا لكنها لا تُدهشنا …. والسبب الرئيسي بذلك هو العامل النفسي وهو الشعور بالإنكسار …. وأصبح طبيعياً أن نصحى كل يوم على أزمة جديدة تبدأ صغيرة ثم تنتهي إلى قضية وطنية تهم الجميع …. فاللأسف فمعظم أزماتُنا هي ذات طابع فُجائي وتكون عميقة وبالغة التأثير.
فالإرتجالية في التصريحات تُضيع البوصلة وتُشتت الإتجاهات …. وهناك من لا يُدرك أن إدارة المخاطر هي أقل كلفة من إدارة الأزمات …. فأزمات الحكومات متوالدة وهي صناعة داخلية ينتُج عنها ضجيج شديد ولكل هدف أزمة خاصة به …. فالتصريحات حينما تُطلق يكون لها دور كبير في ذروة وقت الأزمات ولا بد لها أن تأخذ في الحسبان الأبعاد المختلفة لذلك.
فقد سئمنا الحديث القديم والجديد حول ملف الطاقة بشكل عام في الأردن ولا بد من ثورة إصلاحية لمعالجة ما يحدث داخل القطاع لإنتشاله إلى بر الأمان …. فغالبية الأردنيين يتأملون خيراً من هذه الحكومة ولا يتمنون لها أن تكون ثقيلة الحركة وتفتقر إلى جهاز إنذار مُبكر للتعامل مع أزمات الشارع التي سببها هو الإرتجالية أمام الميكروفونات.
فعلى ما يبدو أن استراتيجية أمن الطاقة لا تُشير في الإتجاه الصحيح والمواطن أصبح في حالة من الحيرة والتشويش والقلق خصوصاً فيما يتعلق الأمر بشركة مصفاة البترول الأردنية ….. فأين هي الحقيقة ومن أين نستقي المعلومة الصحيحة التي لا يشوبها الخلل والتضليل فتصريح الوزيرة زواتي شكل حالة من الإستياء ولَم يبعث على الطمأنينية وتوقف في أصطفافات أثرت في الثقة والحكومة في غنى أن تدخل أعشاشاً للدبابير وتفقد شعبيتُها مُبكراً.
والمؤسف أن الأمر لم يقف عند محطة معينة بل تعداها بتصريحات أخرى للبعض حول كُرههم لكل من هي منشأة وطنية بُنيت من سواعد الأردنيين …. فتلك التصريحات والتغريدات هي تحد ممزوج بالإستهتار بالناس والعجرفة واللامنطقية ونتائجها سلبية لعدم الوعي من خطورة التغريدات والتصريحات التي ليست بوقتها ولا بمكانها ولا زمانها فالمرحلة الحالية تتطلب توحيد الرسائل الموجهة للناس والتي بموجبها سيتشكل الرأي العام.
فحديث البلد الآن هو بيع المصفاة رغم قناعتي الشخصية أنه من الصعب ذلك علماً بأن الموضوع ليس جديداً فالحكومة السابقة مارست ضغوطاً كبيرة على مصفاة البترول وألزمتها بدفع غرامة مالية مقدارها ١٢ مليون دينار سنوياً من بداية عام ٢٠٢١ وكان ذلك بآخر اجتماع لها قبل رحيلها.
مع العلم بأن حكومة الدكتور المُلقي أمهلت المصفاة حتى عام ٢٠٢٣ ووضعت شرطين حينها وهما أن تُسدد الحكومة ما عليها من مستحقات مالية لصالح شركة المصفاة وأن يتم القفل المالي لمشروع التوسعة الرابعة للمصفاة في نهاية عام ٢٠١٩.
فالذي يتأمله المواطنين من حكومة الدكتور بشر الخصاونة أن تتخذ قراراً جريئاً والرجوع عن فرض الغرامة السنوية على المصفاة والبالغة ١٢ مليون دينار سنوياً وأن تعمل الحكومة على تسديد ما عليها من مستحقات لتستطيع مصفاة البترول من البدء في مشروع التوسعة.
فقد يئسنا من جملة القرارات العشوائية التي تُتخذ دون دراسة فالبتأكيد أن إكراهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حاضرة في كل الاوقات …. فلا زلنا نتحسر ونُعاني جُرحاً نازفاً نتيجة بيع معظم شركات ومؤسسات الدولة الرابحة قبل عقود من الزمن …. فلماذا لا تكون مصفاة البترول مُلكاً لصندوق الضمان الإجتماعي وأن تستحوذ على ملكية معظم الأسهم …. فالمصفاة هي مُلك للأردنيين وليست مُلكاً لمالكي الأسهم …. فبيع المصفاة هو بمثابة انتحار فقد كان للدولة الأردنية عقود من الزمن للإنتقال من بنية تحتية ومؤسسات مهترئة على حد رأيهم إلى دولة عصرية تملك مؤسسات تدُر الملايين من الدنانير على خزينتها …. فقد كان الإنفاق على الطاقة هو السبب الرئيس في تراكم دين الدولة.