محمد علال – الجزائر
يتزامن اليوم السبت مع الذكرى الـ76 لمجازر 8 ماي 1945، وهي محطة أليمة في تاريخ الجزائر راح ضحيتها أزيد من 45 ألف شهيد قتلوا على يد الاستعمار الفرنسي.
ولا تزال الكثير من الحقائق غامضة حول تلك الجريمة التي ارتكبتها فرنسا في حق الإنسانية، وكيف مهدت الطريق لثورة المليون ونصف المليون شهيد (ثورة أول نوفمبر 1954).
يعتبر ملف الذاكرة واحدا من أبرز الورشات الحساسة بين الجزائر وفرنسا، ففي آخر رسالة وجهها الرئيس عبد المجيد تبون بمناسبة إحياء اليوم للذاكرة، السبت، أشار إلى :”أن مجازر 8 ماي هي من أهم الملفات العالقة بين البلدين”.
وقال تبون: “المصالحة مع فرنسا لن تأتي دون مراعاة التاريخ ومعالجة ملفات الذاكرة والتي لا يمكن بأي حال أن يتم التنازل عنها مهما كانت المسوّغات”.
وأشار إلى أن “القضية تندرج ضمن عدة قضايا أخرى لا تزال عالقة منها استرجاع رفات شهدائنا الأبرار، وملف المفقودين واسترجاع الأرشيف وتعويض ضحايا التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية”.
هكذا يأتي يوم 8 ماي من كل سنة كمحطة لإعادة تذكير الأجيال ببشاعة الاستعمار الفرنسي، أو كما غرد الوزير الأول عبد العزيز جراد قائلا: “ستبقى مجازر 8 ماي 1945 مغروسة بوجدان الجزائريين، وعلى الشباب الاستلهام من مقومات الشخصية الوطنية والتسلح بالإرادة والعمل لربح معركة بناء المؤسسات لتحصين الوطن”.
مجازر 8 ماي وحلم الاستقلال
في مثل هذا اليوم، دقت الأجراس في فرنسا للإعلان الرسمي عن انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار باريس على النازية.
إنها الحرب التي استخدمت فيها فرنسا الجزائريون وشعوب الدول المستعمرة كجنود في الصفوف الأولى لهزيمة الألمان (أكثر من 300 ألف رجل مجند في الجيش الفرنسي وفقًا لأرشيف الخدمة التاريخية للدفاع).
وبالتزامن مع إعلان نهاية الحرب العالمية الثانية، استغل المناضلون الجزائريون الفرصة لتنظيم مسيرات تطالب بإطلاق سراح الزعيم الجزائري مصالي الحاج (مؤسس حزب نجمة شمال افريقيا عام 1929) والمطالبة بالاستقلال، في مسيرات جابت عدة مدن أبرزها قالمة وسطيف وخراطة.
ويروي المؤرخ بوعلام خلفه جانبا من مجازر 8 مايو 1945، وقال في كتابه عن تاريخ الجزائر الصادر عام 1987: “8 ماي 45 إنها الحقيقة المروعة، مذابح لعشرات الآلاف من الرجال والنساء، ميليشيات أوروبية أعطت نفسها الحق في قتل الجزائريين، حرق للجثث ومقابر جماعية”.
في سطيف، بدا ذلك الصباح عاديا، حيث اعتاد الناس التوجه إلى سوق الثلاثاء، وفجأة تحول الأمر إلى مسيرات حاشدة أمام “مقهى فرنسا” الشهير وسط المدينة، وكان الشاب وعضو الكشافة بوزيد ساعل (26 سنة) يتقدم المسيرة.
في البداية، ردد المحتجون أناشيد وطنية أبرزها أنشودة “من جبالنا”، ورفعوا علم الجزائر لأول مرة، وفورا طالب محافظ الشرطة الفرنسي المحتجين بالمغادرة وإنزال الراية، ولكن الكشاف بوزيد رفض الالتزام لأوامره ليوجه المحافظ رصاصة قاتلة، وهكذا سقط أول شهيد في إحدى أبشع المجازر التي ارتكبها المستمعر.
ويقول المؤرخ الفرنسي بن جمان ستورا إن المجازر جاءت وسط مناخ معقد، حيث خاف الأوروبيون من أن يتمكن الجزائريون من فك الارتباط مع فرنسا تماشيا مع السياق الدولي الجديد والحصول على الاستقلال، وهو ما يعني بالنسبة للأوروبيين خسارة الكثير من الامتيازات في الجزائر.
ووفق هذا الطرح، يفسر المورخون تسارع الأحداث نحو العنف والقتل وكيف تحصل الأوروبيون على أسلحة من الشرطة لإبادة الجزائريين بشكل عشوائي، وقد تشكلت ميليشيات في قالمة بموافقة السلطات الفرنسية ومنحت الأوروبيين حق إطلاق النار على المدنيين الجزائريين العزل.
هذا المشهد الدرامي انتهى بمقتل 45 ألف جزائري بحسب أرقام القنصلية الأميركية، وهو ما دفع بالجزائريين للاقتناع بأن لا حل مع الاستعمار الفرنسي سوى القيام بثورة للحصول على الاستقلال.
الملف أمام محكمة العدل الدولية
وكما يقول ستورا، فإن تلك المجازر كانت نقطة تحول أساسية في تاريخ الجزائر، فبعد تسع سنوات من أحداث 8 ماي، ظهر جيل جديد من القوميين الجزائريين حملوا مبدأ الكفاح المسلح وقد اعتبروا أن مطلب الحكم الذاتي عفا عليه الزمن لصالح شعار الاستقلال.
واليوم لا تزال الجزائر تطالب فرنسا بالاعتراف بتلك الجرائم. ففي أحدث الخطوات التي تحاول الجزائر القيام بها للضغط على فرنسا، أعلن عبد الحميد سلاقجي، رئيس جمعية 08 ماي 45، عن توجه الجمعية نحو رفع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي، ضد جنرلات وضباط المستعمر الفرنسي الأحياء والأموات من الذين تلطخت أيادهم بتلك الجرائم.
وتأتي هذه الخطوة، بعدما سجلت الجزائر تحفظا على طريقة تعامل تقرير ستورا الخاص بالذاكرة من موضوع مجازر 8 ماي 1945، حيث لم تترق توصياته بالشكل الكافي إلى الجرائم التي اقترفها الجيش الاستعماري.
في مقابل ذلك، دعا المؤرخ الفرنسي أوليفييه لوكاور غراندميزون، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للاعتراف بشكل واضح وصريح بجرائم 8 ماي باعتبارها جرائم ضد الإنسانية.
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن المؤرخ الفرنسي بمناسبة إحياء ذكرى 8 ماي، قوله: “يجب أن يعترف بشكل واضح وصريح، بأن الجرائم التي ارتكبت كانت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية كما تنص على ذلك المادة 212-1 من قانون العقوبات الفرنسي”.