مروان المعشر
بعد عقود من السير في المفاوضات ومبادرات السلام الفاشلة، حينا ثم الإحجام عنها حينا آخر، حان وقت تغيير السياسة الأمريكية تجاه عملية تحقيق السلام الفلسطيني الإسرائيلي، عبر التركيز على الحقوق المتساوية بين الطرفين، ومن خلال تصحيح العلاقة الأمريكية – الفلسطينية بخطوات متعددة. هذه الخلاصة والنقاط التالية في هذا المقال، جزء من تقرير أعددته مع زملائي زها حسن ودانيال ليفي وهلا أمال كير.
صحيح أن التخلي عن خطة الرئيس السابق دونالد ترامب للسلام «نحو الازدهار» والتي عُرفت باسم «صفقة القرن» خطوة مهمة على هذا الطريق، لكنها غير كافية لتجاوز الأمر الواقع، الذي أسست له سياسات الاستيطان الإسرائيلي على مدى العقود الماضية. لهذا على إدارة الرئيس جو بايدن أن تعتمد في صلب استراتيجيتها نهجاً قائماً على الحقوق، بدلاً من إحياء عملية سلام تحتضر، أو التخلّي ببساطة عن الانخراط الأمريكي في تلك العملية.
إن جعل هذا النهج ركيزة أساسية، يمكن أن يُساعد في تبديل الحسابات السياسية للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتغيير المسار السلبي الذي يسلكانه، وإعادة بناء آفاق السلام الدائم، يُضاف إلى ذلك أن هذا النهج ينسجم بشكل أكبر مع الموقف العام للسياسة الخارجية لإدارة بايدن. من شأن هذا النهج أن يعطي الأولوية لحماية الحقوق، والأمن الإنساني للفلسطينيين وليس للإسرائيليين فقط، بدلامن محاولة إدامة عملية السلام وإصلاحات قصيرة المدى، ومن شأنه كذلك إيلاء اهتمام متساوٍ للحقوق الفلسطينية المهملة منذ فترة طويلة، بما في ذلك حرية التنقل والتحرر من العنف والسلب والتمييز والاحتلال، سواء في الضفة الغربية أو القدس الشرقية أو غزة أو، بطرق محددة، داخل إسرائيل. إن جعل هذا النهج أساسياً قد يُساهم في تغيير الحسابات السياسية عند الفلسطينيين والإسرائيليين، ويعكس المسار السلبي الذي يسير عليه الطرفان، ويعيد بناء آفاق السلام الدائم. ومن إيجابياته أيضاً أنه متناغم أكثر مع السياسة العامة لإدارة الرئيس بايدن. يتطلب مثل هذا النهج نبذ السياسات التي تُرسّخ الأمر الواقع، وتُعمّق الاحتلال القائم والدائم، وتُكرّس مسارا مناهضا للديمقراطية في أوساط صانعي القرار الإسرائيليين. وبالمثل، يقتضي ذلك على الجانب الفلسطيني نبذ السياسات التي تغذّي التوجهات المناهضة للديمقراطية، وتحدّ من المحاسبة والمساءلة أمام الشعب، إذن، يستلزم هذا النهج القائم على الحقوق بشكل أساسي تحقيق المساءلة عن الانتهاكات، التي طالت حقوق الأشخاص والالتزام بالقانون الدولي، ولا تتعارض هذه المبادئ مع حل على أساس الدولتين، بل هي منفتحة على بدائل أخرى، وتدرك ببساطة أن أسس عملية السلام الحالية تديم الاحتلال، وغير قادرة بُنيوياً على تحقيق السلام والأمن الإنساني.
يجري تقديم هذا النهج القائم على الحقوق بتواضع، إذ ناقش أكاديميون وناشطون وصانعو السياسات جوانب منه سابقا، وينبغي أن ينبثق بشكل عضوي من الاستماع إلى مخاوف الأشخاص المتضرّرين من الصراع، ولاسيما أولئك الذين لا يملكون شبكة أمان تصون لهم حقوقهم، بمن فيهم اللاجئون الفلسطينيون. تُشير الخطوط العريضة في تقرير يصدر هذا الأسبوع عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إلى بعض خيارات السياسة العامة، التي يمكن اشتقاقها من مثل هذا النهج. أنشأت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومشروع الولايات المتحدة/الشرق الأوسط من تشرين الأول/أكتوبر 2019 حتى أكتوبر 2020 فريق عمل يضم أكثر من ثلاثين خبيرا من خلفيات مهنية وشخصية متنوعة، لمناقشة التوصيات السياسية في ضوء الظروف المتدهورة للصراع، إضافةً إلى ذلك، جرت نقاشات مع منظمات المجتمع المدني الرائدة، ومجموعات المناصرة وقادة الفكر المنخرطين في مساعي دعم السلام الإسرائيلي الفلسطيني، أو القانون الدولي وحقوق الإنسان في الولايات المتحدة وخارجها. بعد الانتهاء من هذه العملية، حدّد مؤلّفو التقرير أربع أولويات شاملة: أولا، إعطاء الأولوية للحقوق وحماية الناس؛ ثانيا، دحر إجراءات إدارة ترامب وإعادة التأكيد على القانون الدولي؛ ثالثا، توضيح التوقعات للفلسطينيين والإسرائيليين؛ ورابعا، دعم المناهج الجديدة المتعدّدة الأطراف والمساءلة. ولتعزيز هذه الأهداف، يمكن للولايات المتحدة أن تتخذ الخطوات التالية:
على إدارة الرئيس جو بايدن أن تعتمد في صلب استراتيجيتها نهجاً قائماً على الحقوق، بدلاً من إحياء عملية سلام تحتضر
التأكيد بوضوح، وأخذا بالاعتبار الإجراءات الإسرائيلية التي تجعل من إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلة للحياة أمراً غير ممكن، إن الولايات المتحدة ستدعم فقط حلا بديلا، يضمن المساواة الكاملة وحرية التصويت لجميع المقيمين في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وأنها لن توافق على نظامين قضائيين منفصلين وغير متساويين.
إعادة رسم العلاقة الثنائية الأمريكية الفلسطينية، من خلال العمل على إعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وفصل القنصلية الأمريكية في القدس عن سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل، والتعبير عن نية الولايات المتحدة فتح سفارة لها لفلسطين في القدس الشرقية، واتخاذ إجراءات ملموسة للحفاظ على الوجود المؤسسي الوطني الفلسطيني والإقامة الجماعية في المدينة.
إعادة تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) وتوجيه تمويل إضافي من خلال الهيئات المتعددة الأطراف لمنفعة الفلسطينيين، لحين استئناف المساعدات الأمريكية الثنائية.
تشجيع وتسهيل المصالحة بين الطرفين الفلسطينيين، حماس وفتح، مع أن الفلسطينيين مسؤولون عن التجديد السياسي، شرط احترام حماس للقانون الدولي وامتناعها عن استهداف المدنيين الإسرائيليين.
السعي مع القيادة الفلسطينية إلى إصلاح مدفوعات الأسرى الفلسطينيين المحررين والمحتجزين لدى إسرائيل ولعائلات من قتلوا بسبب العنف السياسي، لتوضيح أنه لا حوافز تشجع على العنف ضد المدنيين؛ ولتسهيل إزالة القيود التشريعية للكونغرس على العلاقات الأمريكية الفلسطينية وبرامج المساعدة.
التعاون مع الجهات المعنية لإنهاء حصار غزة وانفصال القطاع عن باقي الأراضي المحتلة، ووقف السياسات الأمريكية التي تتعامل مع غزة والضفة الغربية كوحدتين إقليميتين وإداريتين منفصلتين.
إعادة التأكيد على موقف الولايات المتحدة بأن المستوطنات الإسرائيلية تتعارض مع القانون الدولي، وإنهاء السياسات، التي تعتبرها جزءا من إسرائيل، والحرص على التفريق بين إسرائيل ومستوطناتها غير القانونية في جميع المعاهدات الثنائية وبرامج التعاون.
إنشاء آليات للإشراف على الاستخدام النهائي والشفافية والمساءلة في ما يتعلق بالمعدات الدفاعية الأمريكية المنقولة إلى إسرائيل، وتحديد طرق منع استخدام المساعدات الأمريكية لتسهيل عمليات الضم أو انتهاكات حقوق الإنسان.
التمسك بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، من خلال امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض في مجلس الأمن الدولي، والعمل بشكل تعاوني مع وكالات الأمم المتحدة والآليات المتعددة الأطراف الأخرى لدعم التوصيات الواردة في هذا التقرير.
تجنّب تأجيج سباق التسلح الإقليمي من خلال عدم ربط عمليات نقل الأسلحة الأمريكية باتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية.
التأكد من امتثال القوانين واللوائح والاتفاقيات الاقتصادية الأمريكية – وكذلك إدارة أي صناديق للمؤسسات، بما في ذلك تلك التي تدعم التعاون الاقتصادي الإقليمي بين إسرائيل والدول العربية – للالتزامات القانونية ودعمها تعزيز حقوق الإنسان في المنطقة. يأمل التقرير في أن تساهم هذه الأفكار والتوصيات في أي نقاش عملي حول كيفية التعامل مع تحقيق السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وأن تساعد مشاركة الولايات المتحدة في تقديم حل سياسي عادل ودائم يعزز الكرامة الإنسانية، والأمن لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. هذه هي خلاصاتنا، على أمل أن نرى خرقاً إيجابياً في جدار هذا الصراع المديد.
وزير الخارجية الأردني الأسبق