أكد الطرفان أن وجود القوات الأميركية في العراق جاء بناءً على دعوة حكومته ودعمها في حربها ضد تنظيم “داعش”
أحمد السهيل مراسل @aalsuhail8
انطلقت الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة يوم الأربعاء 7 أبريل (نيسان) الجاري، عبر تقنية “الفيديو كونفرانس”، في ظل اهتمام كبير تحظى به، إذ إنها الجولة الأولى خلال عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، وسط اهتمام وترقب للنتائج، والاطلاع على رؤية الإدارة الجديدة إلى ملف القوات الأميركية في العراق، وقضايا التعاون المشترك في قطاعات الاقتصاد والصحة والثقافة.
مهمات تدريبية واستشارية
ونشرت وزارة الخارجية العراقية مساء الأربعاء، البيان الختامي المشترك بشأن الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، الذي أكد “أهمية العلاقات الثنائية القوية التي تعود بالنفع على الشعبين العراقي والأميركي”.
وجاء في البيان إن “النقاشات تناولت قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد والطاقة والبيئة، والقضايا السياسية، والعلاقات الثقافية، كما شارك في الحوار ممثلون عن حكومة إقليم كردستان”.
وجدد البلدان تأكيدهما “أهمية مبادئ اتفاقية الإطار الاستراتيجي” التي تنظم العمل العسكري الأميركي في العراق، فيما جددت واشنطن تأكيدها “احترام سيادة العراق وسلامة أراضيه وحرية التعبير التي يكفلها الدستور العراقي”.
وأشار البيان إلى تأكيد الطرفين أن وجود القوات الأميركية في البلاد جاء بناءً على دعوة الحكومة العراقية لغرض دعم القوات الأمنية في حربها ضد تنظيم “داعش”. وجدد الطرفان رغبتهما في “مواصلة التنسيق والتعاون الثنائي”.
وتابع البيان أنه “في ضوء تطور قدرات القوات الأمنية العراقية، توصل الطرفان إلى أن دور القوات الأميركية وقوات التحالف تحوّل الآن إلى المهمات التدريبية والاستشارية على نحو يسمح بإعادة نشر ما تبقى من القوات القتالية خارج العراق، على أن يتفق الطرفان على التوقيتات الزمنية في محادثات فنية مقبلة”.
القوات الأجنبية ملف حاضر
وكان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قال في وقت سابق الأربعاء، إن ملف وجود قوات التحالف الدولي سيكون حاضراً في الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن.
وذكر بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، أن “الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، الذي تعمل عليه فرق فنية منذ فترة، سيتطرق إلى ملفات متعددة بين البلدين، منها السياسية والاقتصادية والصحية والثقافية، فضلاً عن التعاون الأمني”، مؤكداً أنه “سيتم بحث وجود قوات التحالف الدولي التي استُقدمت إلى العراق لمحاربة داعش، وكان لها دور مؤثر في هذا المجال”.
ونقل البيان عن الكاظمي قوله إن “التطور الكبير في قدرات قواتنا الأمنية، وتغيّر شكل التهديد الإرهابي على الأرض، مهّد لمغادرة حوالي 60 في المئة من قوات التحالف خلال الأشهر الماضية من عمر هذه الحكومة”. وأشار إلى أن “هذا الامر مكّن العراق من الانتقال قريباً إلى مرحلة انتفاء الحاجة إلى الوحدات المقاتلة الأجنبية، والاقتصار على الأدوار التدريبية والاستشارية والدعم اللوجستي والتعاون الاستخباري، وذلك إلى حين وصول العراق إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي بجهود أبنائه وتعاونهم وتكاتفهم”.
ولعل الحديث عن الإبقاء على أدوار تدريبية للقوات الأميركية يعني أن الحكومة غير عازمة على تقديم طلب رسمي لإخراج القوات الأجنبية من البلاد، على الرغم من المطالبات المتكررة بذلك من قبل التيارات القريبة من إيران.
ملف الفصائل المسلحة
وعلى الرغم من تضمين كل تلك الملفات ضمن جدول الأعمال، إلا أن مراقبين يرون أن ملف الفصائل المسلحة وتمكين القوى الرسمية من السيطرة على الأمن في العراق، سيكون مرتكز الحوارات بين الطرفين. وكان مسؤول شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية، قال قبل أيام إن “المحادثات ستتناول قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد والطاقة، والمسائل السياسية والتعاون في مجال التعليم والثقافة”.
وقبل انطلاق جولة الحوار تلك بأيام، وصل قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني إسماعيل قاآني إلى العراق، في زيارة استمرت ليومين وانتهت الثلاثاء 6 أبريل، ما فسره مراقبون على أنه محاولة للضغط على المسؤولين العراقيين للمطالبة بسحب القوات الأميركية، لاستخدامها كورقة لتحسين شروط التفاوض بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي الإيراني.
وتبدو الميليشيات الرئيسة الموالية لإيران مستمرة بالضغط على حكومة الكاظمي في ملف إخراج القوات الأميركية من البلاد، إذ كان زعيم ميليشيات “عصائب أهل الحق”، قيس الخزعلي، أكد في 2 أبريل، أن “عمليات المقاومة الموجودة حالياً ستستمر وتزداد كماً ونوعاً إذا لم توافق الولايات المتحدة على غلق القواعد في غرب ووسط وحتى في شمال العراق”.
في المقابل، طالب رئيس تحالف “الفتح” البرلماني هادي العامري، الأربعاء (7 أبريل)، بوضع جدول زمني لانسحاب القوات القتالية الأجنبية من العراق، تزامناً مع بدء الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن. وقال العامري في بيان “ندعو إلى إعادة السيطرة العراقية على الأجواء بالكامل وكذلك القواعد الجوية في عين الأسد وحرير”. وأكد العامري أنه سيتابع ” بشكل دقيق مخرجات جولة الحوار وأملنا كبير بالمحاوِر العراقي من أجل تحقيق الاستقرار الأمني”.
من جهة ثانية، يتحدث مراقبون عن فقدان قائد “فيلق القدس” السيطرة على العديد من الفصائل المسلحة، ما قد يعطي الحكومة العراقية زخماً إضافياً في التغلب على الضغوط الإيرانية بشأن ملف العلاقة مع واشنطن.
وتقول مصادر متابعة إن “الغاية من زيارة قاآني تتمثل بمحاولة توحيد رؤية الفصائل المسلحة في ما يتعلق بالحوار الاستراتيجي، إلا أنه فشل في تحقيق ذلك”.
وتشير المصادر إلى أن فشل تلك المساعي “أضاف حيزاً من الارتياح للحكومة العراقية لتحفيز حوارٍ مجدٍ، لأنه سيقصي إرادة الحرس الثوري من الحوارات”.
طلب من الجانب العراقي
واستبعد مراقبون احتمال أن تتخذ الولايات المتحدة قراراً بالانسحاب من العراق، فضلاً عن استبعاد احتمال وضع جدول زمني لهذا الانسحاب، لأنه قد يشكّل “رسالة سلبية” يستغلها تنظيم “داعش” والميليشيات المسلحة.
وقال الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، بلال وهاب إن “استئناف الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن أتى بطلب من الجانب العراقي، الأمر الذي يثير التساؤلات عن الغاية التي دفعت الحكومة العراقية إلى هذا الطلب”، معبراً عن اعتقاده أنه يأتي في سياق محاولات الحكومة العراقية “الاطمئنان إلى التزام واشنطن باتفاقية الإطار الاستراتيجي، فضلاً عن محاولة دفع الإدارة الجديدة للمضي بالالتزامات التي حصلت في الحوارات السابقة”. وأضاف أن “الكاظمي يحاول أيضاً الخروج بمظهر رئيس الوزراء الذي يملك علاقات إيجابية مع واشنطن، تحديداً في الفترة الحالية التي يتحرك فيها للانفتاح على المحيط العربي”.
ولعل تزامن هذا الحوار مع جولات عدة أجراها الكاظمي إلى السعودية والإمارات، فضلاً عن ترقب القمة الثلاثية مع مصر والأردن، تعطي انطباعاً بأن الحكومة العراقية تسعى إلى الاستفادة من واشنطن في تحفيز التفاهمات مع الدول العربية.
وبشأن مطالبات بعض القوى السياسية الشيعية بانسحاب القوات الأميركية، بيّن وهاب أن “واشنطن تدرك أنها قضية إيرانية بامتياز تعبّر عنها أطراف عراقية”، لافتاً إلى أن “الحوار ربما سيركز على قضايا أخرى خارج سياق مستقبل القوات الأميركية، خصوصاً بعد تقليص عدد الجنود الأميركيين في العراق إلى 2500، ووجودهم ضمن قواعد عراقية”.
وشكّل انسحاب القوات الأميركية من العراق عام 2011 ثم العودة ضمن إطار التحالف الدولي عام 2014، “درساً مهماً بالنسبة إلى الإدارة الأميركية”، وفق وهاب، الذي استبعد أن تتخذ إدارة بايدن قراراً بالانسحاب وإعادة السيناريو السابق. وأكد أن “الجانب الأميركي ضد إعلان أي موعد لانسحاب القوات العسكرية من العراق، لأنه سيشكّل رسالة سلبية للميليشيات وتنظيم داعش”.
وتابع أن “أولويات الحكومة الأميركية الجديدة غير شرق أوسطية، وفي حال قررت الانسحاب سيكون من المستبعد عودتها تحت أي ظرف بما فيها عودة تنظيم داعش مرة أخرى”.
ورجّح وهاب أن يكون تركيز الطرفين على “ملفات غير عسكرية”، ربما يتصدرها “ملف العلاقات العربية – العراقية، فضلاً عن الاقتصاد والطاقة والصحة”.
في المقابل، صرح عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، كاطع الركابي، أن “رئيس مجلس الوزراء شكّل لجنة مهمتها جدولة خروج القوات الأميركية من العراق، برئاسة وزير الخارجية وعضوية مستشار الأمن القومي ورئيس أركان الجيش ومدير مكتب رئيس الوزراء، وسيكون ذلك محور الحديث الذي سيجري وفق الحوار الاستراتيجي بين الحكومتين”.
مشروع إقليمي – دولي جديد
وتحدث مراقبون عن أن جولة الحوار الحالية ستتضمن بُعداً أكبر من العلاقات الثنائية بين واشنطن وبغداد، وربما تشمل محاولة تأسيس تحالفات جديدة في المنطقة اعتماداً على جولات الكاظمي الأخيرة والتجاوب العربي مع محاولات العراق الانفتاح على محيطه. ورأى الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي أن هذه الجولة من الحوار “تختلف اختلافاً جوهرياً عن سابقاتها ولن تقتصر على بحث العلاقات الثنائية، بل إنها ربما ستؤسس لمشروع إقليمي- دولي في منطقة الشرق الأوسط لإحداث معادلة توازن جديدة”. و”لعل القمة الثلاثية بين العراق ومصر والأردن ستحضر بشكل كبير في الحوارات”، بحسب الشريفي، الذي أشار إلى أن “معادلة التوازن الجديدة في الشرق الأوسط ستنطلق من خلال صناعة شكل جديد في ما يتعلق بمعابر الطاقة وخطوط النقل الاستراتيجية”. وأضاف أن “ما يجري من انفتاح عراقي على المحيط العربي هو الذي حفّز جولة الحوار الحالية، وسيمهد الطريق لتحالف أوسع ربما يمتد لضم الإمارات والسعودية، ثم دول أخرى في المنطقة العربية”. ولفت الشريفي إلى أن الحوار ذاهب إلى “ما هو أبعد من ملف إخراج القوات الأميركية، من خلال أن يكون العراق مرتكزاً أساسياً للشكل الجديد لتحالفات المنطقة”، مبيناً أن “واشنطن تدرك أهمية العراق في أي محاولة لكسر المحاور التي يغلب عليها الطابع الطائفي”.
وعبّر عن اعتقاده أن “العراق ماضٍ باتجاه أن يكون حليفاً استراتيجياً لواشنطن، وهناك تجاوب دولي واسع مع القضية العراقية، ما قد يجعله بديلاً إقليمياً لتركيا، خصوصاً مع اندفاع فرنسا باتجاه العراق أيضاً ومحاولتها التأسيس لاستثمارات اقتصادية في البلاد”، مبيناً أن هذا الأمر “سيمهد إلى قلب معادلة التوازن في المنطقة”. وبشأن المطالبات المتكررة من الفصائل الموالية لإيران بإخراج القوات الأميركية، اعتبر الشريفي أن “تلويح الفصائل باستخدام خيارات عسكرية في حال عدم خروج القوات الأميركية، لن يواجَه بتسوية بل بمواجهة عسكرية ربما تطيح بتلك الأطراف”.
وختم قائلاً إن “ملف إنهاء سلاح الفصائل خارج إطار الدولة سيكون حاضراً بقوة، لأن تسوية هذا الملف يمثل أحد الاشتراطات الرئيسة من قبل المجتمع الدولي لإضفاء الشرعية على أي حكومة عراقية”.