إن ما رأيناه في قاعة المحكمة كان تجريماً آخر بعد الوفاة لشخص أسود سقط ضحية لوحشية الشرطة
أحمد بابا كاتب
كانت هذه محاكمةُ ديريك شوفين، وليست محاكمة جورج فلويد، على الرغم مما يريد فريق دفاع شوفين على ما يبدو أن تعتقد. ومن المهم وضع ذلك في الاعتبار قبل أن نبدأ بتحليل ما حدث في قاعة المحكمة مع انطلاقها في مطلع الأسبوع.
الكلمات الافتتاحية في اليوم الأول من هذه المحاكمة المرتقبة بشدة، كانت بمثابة إشارة واضحة على مستقبل سير الإجراءات. لقد قدم الادعاء مرافعة افتتاحية قوية للغاية مدعومة بأدلة فيديو. في حين، سعى محامو الدفاع عن شوفين إلى جعل كل القضية حول فلويد (الضحية). بعبارة أخرى، كل ما لاحظناه من قبل الدفاع هو تجريم آخر بعد الوفاة، لشخص أسود سقط ضحية وحشية الشرطة.
بدأ الادعاء إجراءات اليوم بشرح الخطوط العريضة لقضية موسّعة، مجادِلاً بأن ما قام به شوفين لم يكن مجحفاً فحسب، بل إن استخدامه غير الضروري للقوة كان سبب وفاة فلويد. وسعى المدعي العام جيري بلاكويل إلى استباق الحجج المقدمة من قبل الدفاع، بإعلانه أن وفاة فلويد كانت جريمة قتل نتيجة الحرمان من الأكسجين الذي تسبب فيه شوفين، وليس بسبب جرعة زائدة من المخدرات. ثم قام الادعاء بعرض مقطع فيديو مدته تسع دقائق لموت فلويد، وهو ما ليس من السهل مشاهدته أبداً.
وبحسب لورا كوتس، كبيرة المحللين القانونيين في قناة “سي أن أن”، فإنه بموجب قانون ولاية مينيسوتا، لا يحتاج المدعون العامون إثبات أن تصرفات شوفين كانت السبب الوحيد في وفاة فلويد، ولكن كانت فقط “عاملاً سببياً أساسياً”. كما حظيت الحجة القائلة بأن ما حدث كان جريمة قتل، بدعم نتائج تشريحين منفصلين للجثة، لكن أحدَهما اختلف حول السبب الدقيق للوفاة، وهو الاختلاف الذي انتهزه الدفاع.
ومن خلال بيان افتتاحي قدّمه محامي الدفاع عن شوفين، إريك نيلسون، تعرّفنا إلى استراتيجية دفاعية تم اختبارها سلفاً لعدة أشهر بين جمهور قناة “فوكس نيوز”. وفي هذا الصدد، سعى الدفاع للتركيز على سلوك جورج فلويد قبل مقتله وعلى تعاطيه المزعوم للمخدرات. وبينما حثّ المدعون هيئة المحلفين بأنْ “يصدقوا أعينكم،” سعى فريق الدفاع لإقناع هيئة المحلفين إلى إنكار ما تراه أعينهم. وفي لحظة كاشفة، صرّح نيلسون أنه “لا يوجد دليل على أن تدفق الهواء للسيد فلويد كان مقيداً”. لكنّ أبصارَنا وآذانَنا ومدارِكنا العقلانية تختلف مع ذلك.
فجأة، انعرج الدفاع إلى خداع حقيقي، محاولاً إلقاء اللوم جزئياً في وفاة فلويد على المارة الذين حاولوا التدخل. وجادل نيلسون بأن حشد الناس الذين بدأوا في التجمع بينما كان شوفين راكعاً على فلويد، اعتُبر تهديداً و”صرف” انتباه الضباط عن توفير الرعاية لفلويد.
لكنّ هذا يتناقض مع الفيديو، حيث كان المارة يصرخون بوضوح مطالبين شوفين برفع ركبته عن عنق فلويد ومناشدين الضباط لتوفير الرعاية المناسبة له بينما كان (فلويد) يتوسل من أجل حياته. ولقد ظهر شوفين وهو ينظر إلى الحشد الذي كان يطالبه بالنهوض، مدركاً مخاوفهم على ما يبدو، ومع ذلك استمر في الركوع على رقبة فلويد. وفي الواقع، أبقى شوفين ركبته على عنق فلويد حتى بعد أن أصبح واضحاً أن هذا الأخير فقد الوعي، وحتى بعد أن قدمّت سيدة من المارة نفسها على أنها من فرق الإطفاء (كانت موجودة في عين المكان) خارج ساعات إطار العمل، حيث توسلت إلى شوفين مراراً للتحقق من نبض قلب فلويد.
كان الشاهد الأول الذي تم استدعاؤه إلى المنصة، موظفة تستقبل مكالمات 911 (الطارئة) والتي اتصلت برقيب الضباط في الموقع للتعبير عن قلقها بشأن وجود ركبة شوفين على عنق فلويد. وبعبارة أخرى، فإنها اتصلت بـ”الشرطة لتقديم شكوى ضد الشرطة”. ويعطينا هذا الأمر، فكرة عن موقف أولئك الذين كانوا يتابعون تطور الأحداث في عين المكان.
لقد كان الدفاع الذي رأيناه اليوم أمراً مألوفاً للغاية، حيث رأينا سابقاً جهوداً مماثلة لتجريم ترايفون مارتن أثناء محاكمة جورج زيمرمان. كما رأينا ذلك يحدث لمايكل براون، وإريك غارنر، وأحمد أربري، والقائمة طويلة. يمكنني أن أكتب مقالاً كاملاً يسرد فقط أسماء الأشخاص السود الذين تم التشكيك في شخصياتهم ومهاجمتهم بعد أن أصبحوا ضحايا للعنف العنصري.
وعلى أي حال، حتى لو تبين أن كل ما يقوله أسوأ خبراء اليمين صحيح، فإنه لا يهم، لأن الإعدام ليس هو جزاء كل شخص معيب. ليس هناك سمة شخصية تحرم الشخص من حقه في الحياة ومن الإجراءات القانونية الواجب اتباعها. لا شيء فعله جورج فلويد – أو أي شخص أسود آخر غير مسلح قُتل – يبرر القتل خارج نطاق القضاء. لا شيء.
يواجه ديريك شوفين ثلاث تهم: القتل غير المتعمد من الدرجة الثانية والقتل من الدرجة الثالثة والقتل من الدرجة الثانية. من غير الواضح ما إذا كان الدفاع الذي رأيناه مع بداية المحاكمة سيؤثر في هيئة المحلفين. لكن الأمر الواضح هو أن هذه الاستراتيجية قديمة قدم العنصرية نفسها ومشاهدتها مرهقة. لقد سئم السود من اعتبارهم مذنبين حتى تثبت براءتهم.
© The Independent