منذ أن بدأت الحركة الصهيونية العالمية بالاعداد والتخطيط لاقامة وطن لهم ” غيتو كبير ” في أرض لا يملكونها ” فلسطين المحتلة ” ، وتواطأت بريطانية معهم للخلاص من قذارتهم ، من خلال اعطائهم وعد بلفور عام 1917 ، وحتى حدوث النكبة الفلسطينية عام 1948 ، لم تفتأ دولة الكيان المصطنع من محاولات الدخول الى العمق العربي ، وتشتيت عرى التواصل ، التي هي بحدها الأدنى ، بين العرب العاربة .
وتعززت محاولات الصهاينة في الآونة الأخيرة لاقتحام العمق العربي بعد حرب الخليج الثانية ودخول العراق الى دولة الكويت ، ومن ثم ضرب القوات العراقية، وما تبعها من حصار اقتصادي خانق ، والنفط مقابل الغذاء ، لاضعاف قوة عربية كانت تعتبر عمقاً استراتيجياً للأردن وسوريا ، وسنداً حقيقياً للقضية الفلسطينية ، وحتى للشقيقة الكبرى مصر العروبة .
وتوالت الأحداث وتم احتلال العراق عام 2003 ، ومضى على ذلك 18 سنة ، فتتت الدولة وأضعفت مكوناتها وجعلتها دولة محاصصة طائفية ، عدا عن أنها أصبحت ميداناً خصباً للعب الدول الكبرى بهدف خدمة مصالحها .
ومن ثم أتى الحريق العربي ” أو ما اصطلح على تسميته زوراً وبهتاناً الربيع العربي ” ، الذي قسم وجزأ وشظى ودمر وهجر وقتل وشرد ، وبالأخص التآمر على دولة سوريا ، آخر معاقل المقاومة ، التي حققت من الاكتفاء الذاتي ما يحول دون الاستدانة من البنك الدولي والخضوع لاملاءاته الاستبدادية .
وفي خضم هذه التحولات كانت جمهورية ايران في مرحلة بناء دولتها القومية الموحدة والمتماسكة ، ذات القوة العسكرية التي لا يستهان بها ، بالتوازي مع بناء اقتصاد حر لا يعتمد على النفض كسلعة وحيدة لاستدرار العملة الصعبة وتحقيق النمو الاقتصادي ، فأصبحت لاعباً اقليمياً سياسياً في المنطقة وقوة صاعدة لا يستهان بها .
كما قامت تركيا ببناء دولتها المستندة الى اقتصادها القوي ، وعززت من فرص الاستثمار وأتاحت من الحوافز القوية والمشجعة لكل رجال الأعمال للبناء والاستثمار والعمل والاستقرار في تركيا ، من شتى أصقاع الأرض ، نظراً لما تتمتع به من موقع استراتيجي مهم ، وسياسية اقتصادية رزينة منضبطة ، وقادرة على تحقيق أهدافها .
في ضوء ذلك ، ومع ظهور بوادر لانسحاب أمريكا من العالم العربي ، للتفرغ مع حربها الاقتصادية مع الصين وروسيا ، بدأ طرف ثالث بالدخول الى العالم العربي كلاعب اقليمي لمقارعة اللاعبين التاريخيين ” ايران وتركيا ” ، وهي دولة الكيان الصهيوني المصطنعة ، التي لاقت ، وللأسف الشديد ، دعماً كبيراً من بعض الأنظمة العربية ، وذلك على حساب تصفية القضية الفلسطينية وتحقيق ما يسمى “الوطن البديل ” والخلاص من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ” وتحقيق ما يسمى ” صفقة القرن ” ، وأيضاً بدأت دولة الكيان المحتل بالتضييق على العالم العربي ، فلعبت دوراً كبيراً في انفصال الجنوب السوداني ، ولعبت دوراً كبيراً في دعم بناء سد الهضة الأثيوبي ، الذي سيضر حتماً بمصالح جمهورية مصر العربية المائية وكذلك السودان .
وكانت ثالثة الأثافي اعلان دولة الكيان الصهيوني عن بدء شق قناة موازية للقناة السويس ” قناة بن غوريون ” ، واستجلاب 300 ألف عامل للعمل بها ، للربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ، والتي تتميز بأنها ستكون باتجاهين ” ذهاباً واياباً في ذات التوقيت “، وتختصر زمن المرور بالقناة ، وبالتالي التأثير على مصالح مصر الاقتصادية ، وتراجع عائداتها من قناة السويس .
وستكون القناة بعمق 50 متراً وعرض لا يقل عن 200متر لكل قناة ، أي زيادة عن قناة السويس 10 أمتار بالعمق ، وستستطيع سفينة بطول 300 متر وعرض 110 أمتار، وهي أكبر قياس السفن في العالم من العبور في القناة.
أما الفترة الزمنية لشق القناة فستكون 5 سنوات ، وسيعمل في المشروع 300 ألف مستخدم من مهندسين وفنيين في جميع المجالات ، فيما ستكلف القناة نحو 16 مليار قابلة للزيادة حسب ظروف المشروع ، ويعتقد الصهاينة أن مدخولها سيكون أزيد من 6 مليارات في السنة..
كل ذلك يجري ، والعالم العربي ، من المحيط الى الخليج لا يحرك ساكناً ، ويمارس أدواراً أشبه بأدوار ” الكومبارس ” السلبي في اللعبة العالمية ومحاولات رسم خارطة جديدة للمنطقة ، فهل ستنجح محاولات الكيان الصهيوني وأدواتها في ادخالها ” اسرائيل ” كلاعب اقليمي ثالث موازي لايران وتركيا ، أم ستبوء بالفشل ، بفعل عوامل اللغة والدين والجغرافيا والتاريخ ومشاعر العروبة التي ستتحرك لتقلب الموازين ولن ترضى بتصفية القضية الفلسطينية التي كانت البداية لتحطيم وتدميرالعالم العربي والسيطرة على مقدراته ؟ .