“يتجاهل ما نادى به أنصار فكر التغيّر المناخي أسس أمن الطاقة تماماً”
أنس بن فيصل الحجي اقتصادي متخصص في مجال الطاقة
كّن فيروس كورونا الحكومات، بخاصة الأوروبية وبعض الدول الآسيوية، من السيطرة على مفاصل الاقتصاد بشكل لم تكن تحلم به من قبل. كما مكّنها من إعادة هيكلة تجارتها الخارجية وعلاقتها الدولية بشكل لم يكن ممكناً قبل انتشاره. باختصار، كورونا غيّر العالم بشكل ستذكره كتب التاريخ على أنه حدث تاريخي كبير.
ثم جاء الإنفاق الحكومي الهائل لشراء اللقاح وإنعاش الاقتصاد، والذي يعني المزيد من سيطرة الحكومات، كما أنه يعني المزيد من الديون. بين الإنفاق الضخم والديون الكبيرة، سيولد التضخم وسترتفع الضرائب، ما يعني طبقة إضافية من التدخل الحكومي.
باختصار، كورونا حطّم جزءًا كبيراً من العولمة التي انتشرت في الـسنوات الـ30 الأخيرة، كما حطّم ما تبقّى من أي فكر لتحجيم دور الحكومات ومنح القطاع الخاص دوراً أكبر.
والآن يتم تحجيم حرية التعبير قانونياً في البلاد التي تُعتبر رمزاً لحرية التعبير: الولايات المتحدة وأوروبا، بحجة منع الأخبار الكاذبة من التأثير في الانتخابات، وبحجة نشر الأخبار الكاذبة عن كورونا واللقاح. وهناك مشاريع قوانين في الكونغرس الأميركي للسيطرة على “غوغل” و”فيسبوك”، وغيرها من وسائل الاتصال الاجتماعي، حتى تتوسع دائرة السيطرة الحكومية على المجتمع.
وهنا لا بد من التنويه بأن ما سبق لا يعني وجود مؤامرة، وإن كان البعض يؤمن بذلك. كل ما في الأمر، أن كل فئة تحاول أن تستفيد من الكارثة، بغض النظر عما إذا كانت هناك مؤامرة أو لا.
دور سياسات التغير المناخي
اقتنع السياسيون، تحديداً في الدول الغربية، بأن القطاع الخاص لن يفعل شيئاً لوقف التغير المناخي، ومن ثم يجب على الحكومات تبنّي السياسات التي تسهم في وقفه. وبناءً على ذلك، تم عقد مؤتمرات المناخ العالمية والاتفاقيات الخاصة بذلك. وأنفقت الحكومات مئات مليارات الدولارات كإعانات لتطوير قطاعَي الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية. ومن هنا، يمكن القول إن الحكومات استخدمت التغير المناخي لإعادة بسط سيطرتها على المجتمع وعلى علاقاتها الخارجية، وذلك عن طريق المساعدات، والتي تعني في النهاية شراء ولاء قطاعات محددة من الاقتصاد.
وأدرك السياسيون اليساريون وحماة البيئة والمنتفعون من الإنفاق على التغير المناخي في أوروبا والولايات المتحدة أنهم أمام فرصة تاريخية لن تتكرر: إذا كانت الحكومات تعيد سيطرتها على المجتمع، لنركب الموجة، ونقوم بتغيير نظم الطاقة كما نشاء، تحت غطاء كورونا.
لهذا، وجدنا كثيرين ينادون بضرورة استغلال الفرصة وقيام الحكومات بفرض الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية على المجتمع عن طريق إصدار قوانين وتقديم مزيد من الإعانات، في الوقت الذي يتم تجريم صناعة الوقود الأحفوري وفرض ضرائب ضخمة عليها.
هذا الفرض للسياسات قانونياً، وتجريم صناعة حرة في سوق حرة، وفرض ضرائب ضخمة عليها، يتنافى مع كل ما نادى به الغرب تاريخياً من حرية الأسواق، وحرية التعبير، وضرورة تخفيض الضرائب والرسوم الجمركية.
وسيكون من نتائج هذه التطورات قَسْم العالم إلى نصفين، الغربي منه يسيطر على الآخر. إلا أن هذه السيطرة لن تدوم، لأن الاقتصادات الغربية ستنهار تحت وطأة التدخل الحكومي الشديد وارتفاع معدلات الضرائب والتضخم والبطالة. وسيشهد العالم الغربي مرحلة جديدة كردّ فعل على مرحلة كورونا، وتبدأ الدورة من جديد. المشكلة أنه خلال هذه الدورات تتحطم أجيال في الدول النامية نتيجة الفقر والإهمال. إلا أنه في خضم هذه التغيرات المؤلمة والمكلفة، هناك فرصة كبيرة لبعض الاقتصادات الناشئة لتنمو بسرعة عن طريق تجاهلها لهذه التطورات في الغرب، بخاصة دول مثل السعودية ومصر وتركيا والبرازيل. الشرط الأساس لهذا النجاح هو تجاهل غالبية التطورات الحالية في الغرب.
قد أثبت أنصار فكر التغير المناخي أنهم أكثر عنصرية وديكتاتورية من غيرهم بمطالبة الحكومات حالياً بالمزيد من التدخل لقلب نظم الطاقة بما يتناسب مع رؤيتهم. ومن المتوقع أن ينجحوا جزئياً، إلا أن كلفة ذلك على المدى الطويل كبيرة جداً. الحقيقة هي أنه لا يمكن التخلص من الوقود الأحفوري، ولا يمكن للحكومات أن تستمر بتوفير الدعم المالي لمشاريع الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية إلى الأبد.
كما أن ما نادى به أنصار فكر التغير المناخي يتجاهل أسس أمن الطاقة تماماً، التي تقوم على تنويع مصادرها وتنويع مصادر الواردات. وتؤدي السياسات التي نادى بها هؤلاء إلى تركيز مصادر الطاقة في الكهرباء، التي تأتي من مصادر متقطعة هي الرياح والطاقة الشمسية.
ولا يستطيع أي منهم حتى الآن، الإجابة عن السؤال التالي: لماذا أعلى أسعار كهرباء في العالم هي في البلاد التي تبنّت الطاقة المتجددة على أوسع نطاق؟ إضافة إلى ذلك، لماذا رفعت فرنسا أخيراً أسعار الكهرباء؟ ولماذا ارتفعت أسعار الكهرباء في تكساس مع زيادة حصة طاقة الرياح؟
ولماذا لم ينخفض استهلاك البنزين والديزل في النرويج بنفس نسبة زيادة عدد السيارات الكهربائية؟ ولماذا كانت النرويج، التي تروّج للطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، أكثر الدول نشاطاً في العالم خلال العامين الأخيرين في التنقيب عن النفط؟
خلاصة القول، إن العالم يحتاج إلى كل مصادر الطاقة، ولكن لتحدد قوى السوق هذه المصادر. وفي هذا الإطار العام، يمكن للحكومات المحلية المنتخبة أن تصدر القوانين المناسبة للتخفيف من الانبعاثات في تلك المدن والمحليات، والتي قد تتضمن منع دخول السيارات إلى مركز المدينة، مثلاً. إن المطالبة الحالية بمزيد من التدخل الحكومي بحجة التغير المناخي تعني أن هؤلاء يدركون أن قوى السوق لا تدعم مشاريعهم، وأن ما يقولونه عن انخفاض التكاليف المستمر ليس صحيحاً. وإلا، لماذا يطالبون الحكومات بمزيد من القوانين ومزيد من الإعانات، ومزيد من الضرائب على الصناعات التي لا يرغبون فيها؟