تهاني روحي
يأتي احتفال المرأة بيومها العالمي وسط قلق من تداعيات الجائحة عليها تحديدا مع قليل من الآمال والطموحات، حيث كانت مطالبها سابقا في وصولها إلى مختلف المجالات بالحياة العامة، والاصرار على تحدي جميع المعيقات التي تقف امام وجودها في كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أما الان فهي تتشبث بالأمل وتتمسك بالقوة لتستمد منها باقي اسرتها هذا الأمل وسط اليأس المستشري في العائلات لجميع تداعيات الجائحة نفسيا اولا واقتصاديا وتعليميا ووظيفيا ولا داعي لسرد آثارها هنا. وقد جاء شعار حملة الهاشتاغ ليوم المرأة العالمي لهذا العام ( اختاري التحدي).
ولا نريد تحميل المجتمع والمرأة أكثر ما حملته في العام المنصرم، الا انه خلال وقوفها واصرارها على كسب التحدي مع الجائحة على كافة الأصعدة التي ذكرت، فلا زالت المؤشرات الحالية تظهر تدني بل تراجعا حادا لمشاركة المرأة السياسية، بل أيضا زاد العنف عليها خلال فترة الجائحة الى أضعاف الأرقام مقارنة بالسنوات الماضية.
فالافتقار إلى القيم الرّوحانيّة في المجتمع يقود إلى انحطاط المواقف السلوكيّة التي يجب أن تحكم العلاقة بين الجنسين، فاذن العلاقة يجب ان تكون مبنية على الاحترام المتبادل والمساواة داخل الأسر، علاقة تحكمها مبادىء المشورة ومجرّدة من استعمال أيّ شكل من أشكال الإساءة، ليفرض فرد على آخر إطاعة مشيئته. والسؤال الأهم هو كيف يمكن تأهيل الرجال ليكونوا آباء يدركون مسؤولياتهم في العائلة وان يقدموا نموذج لعلاقات سليمة بين الأزواج. لأن تغيرات عميقة ستحدث فقط عندما تتحرك النساء لأخذ أماكنهن في هيئات اتخاذ القرار في مختلف الاختصاصات. وليس بالضرورة أن يُحدِث هذا انتزاعا. بل حين يكون هناك اشراك كامل للمرأة في كافة ميادين النشاطات الإنسانية.
واحيانا يكون القصور في بعض القوانين والتشريعات المتعلقة في حقوق المراة لعدم حمايتها من العنف الواقع عليها سواء داخل الأسر أو مواقع العمل او الاماكن العامة هو سبب لازدياد الحالات ولكن ان اتفقنا ام لم نتفق لا بد من وقفة جادة من حيث دراسة كل حالة على حدى بعيدا أن التعميم.
فجميع شرائح المجتمع غير مستثنون في المساهمة على القضاء على هذا العنف، على اختلافهم: معلمون، أطباء، سياسيون، قادة أديان، أفراد الشرطة، اعلاميون. إلا أنه في العديد من الحالات تبدو شبكة الحماية والأمان في حياة المجتمع مهترئة بشكل يتعذر إصلاحه.
لقد حققت المرأة الاردنية الكثير من الانجازات ولكن لا يزال امامها المزيد من الطموحات، وما نخشاه هو تراجعا في تحقيقها للمكتسبات التي تمت في الأعوام السابقة بحجة الجائحة، لان القوانين والتشريعات لا يمكن وحدها الاعتماد عليها اذا لم ترافقها توعية اجتماعية وقبول وتبني لهذه القوانين من قبل مؤسسات المجتمع المدني والاعلام . وبذات الوقت هناك شيطنة واضحة للمجتمع المدني واتّهامها حين يتم رفع سقف المطالب بتحقيق أجندات خارجيّة، واتهامها بتَلقّي تلك المؤسّسات تمويلَها مِن الخارج لاسكاتها وعدم تقديم حلولا محتمعية. فالتغيير لا بد ان يصاحبه تغيير الثقافة ونشر الوعي بين أفراد المجتمع فلا يمكن لنا ان نغير من المرأة وافكارها واسلوب حياتها لنضعها في مجتمع لا يتقبلها ولا يستطيع قبول التغيير الحاصل معها.
اما الاعلام، فلدينا اشكالية في البرامج التوعوية التثقيفية وتغيير الصور النمطية وتغيير الثقافة المجتمعية. وكم استطاعت البرامج الاذاعية والتلفزيونية ان تصل للنساء واللاجئات السوريات، وتتحدث معهن ضمن برامج خاصة عن اندماجهن في المجتمعات المضيفة وبناء قدراتهن للمضي قدما. وكم نسبة الوقت المخصص لهكذا برامج. وهل هي موجهه أيضا للمرأة الريفية او البدوية ؟ وكم نستطيع أن نخرج من قوالب البرامج الصباحية التي تتحدث عن الطبخ والأبراج والأزياء. والاهتمام بتغطية شؤون المرأة وقضاياها بالكم والنوع وبشكل عادل ومتوازن.
وعندما تثار بين الحين والآخر على ضوء امور جدلية ، نوعا من من الجدل الشعبوي على وسائل التواصل الغير اجتماعية، ما تلبث أن تتشعب في مساحات أكبر وأوسع تضيع خلالها القضية الجوهرية المطروحة، وهو ما يجعلها -في بعض الأحيان- سلاحًا موجهًا ضد الذات. خاصة تلك المَطالب الجدلية كرفع سنِّ الزواج لتقليل أعداد المُتزوّجات القاصرات، وبشمول أبناء المرأة المتوَفَّاة بالوصية الواجبة، التي تُعطي أبناءَها الحقَّ في ميراث جدّهم، كما حقُّ أبناء الابن المتوَفَّى.
يبدو ان شعار هذا العام جاء منسجما جدا لقراءة الواقع العالمي وهو نحن اقوياء: قيادة النساء للمعركة ضد كوفيد-19 بعيدا عن الورود واحتفالات فنادق الخمس نجوم.