توفيق الناصري – الرباط –
خرجت التجارة الالكترونية في المغرب مرفوعة الرأس من جائحة كورونا، بل عززت من انتشارها وأصبحت جزءا لا يتجزأ من المشهد الاقتصادي للمملكة، مستفيدة من بقاء الملايين في المنازل خلال الموجة الأولى من الوباء، وتطبيق الإجراءات الاحترازية.
واستغل عدد من الشباب فترة الحجر الصحي، لإنشاء متاجر الكترونية وبيع كل ما قد يحتاجه الزبائن في منازلهم، دون أن تطأ أقدامهم محلا للملابس أو متجرا للبقالة. وبكبسة زر أضحى العديد من المغاربة يقبلون على الشراء عبر الإنترنت، ويثقون في الأداء على مواقع التجارة الإلكترونية.
واستفاد المهدي، وهو شاب في ربيعه السادس والعشرين، من الحجر الصحي لتحقيق أرباح كبيرة من متجره الإلكتروني. فبدءًا من البقالة وحتى لوازم المطبخ، يبيع هذا الشاب، الذي يقطن بمدينة الرباط، كل ما يخطر على البال، بما في ذلك أدوات صغيرة، قد لا تلاحظ وجودها في البيت، لكنه يجني ربحا مهما منها.
بدأ التجارة على الإنترنت منذ أربع سنوات، لكنه لاحظ أن الطلبيات ارتفعت كثيرا خلال الحجر الصحي، إذ تضاعف عدد الزيارات لمتجره، وصار يبيع حوالى ثلاثة أضعاف المنتجات. وهذا النمو دفع المهدي إلى توسيع نشاطه والتعاقد مع شريكين، واحد في التوزيع وآخر في التعامل مع الزبائن.
وقال الشاب في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، “لقد بلغت ثروتي الآن حوالى مليوني درهم (200 ألف دولار)، جنيتها من التجارة الإلكترونية. لم أشتر سيارة أو منزلا كما يفعل الكثيرون. سأستثمر هذه الأموال للانتقال إلى إسبانيا حيث سأواصل دراستي العليا. لقد أديت واجبات التسجيل لإحدى الجامعات، وسأستمر في نفس الوقت في ممارسة عملي الذي أحبه، التجارة الالكترونية”.
مثال ناجح آخر يقودنا إلى أكادير جنوبي المغرب.. حنان، شابة في بداية الثلاثينيات من عمرها، تشتغل مهندسة للمعلومات بإحدى الشركات. وجدت ضالتها في التجارة الالكترونية، تبيع الملابس النسائية والأكسسوارات، وأصبحت تحقق دخلا محترما إلى جانب راتبها الشهري.
وقالت في حديث لسكاي نيوز عربية: “في البداية كان الأمر صعبا بعض الشيء، لأنني كنت لا أعرف من أين أشتري السلع بالجملة. أما الآن فقد أصبحت لدي قائمة من الباعة الذين أتعامل معهم وأصبحوا يثقون بي. بعضهم أصبح يعطيني السلعة بلا مقابل، ولا أؤدي ثمنها إلا بعد بيعها”.
وبشأن تسويق منتجاتها على الإنترنت، أكدت حنان، أنها اشتركت في دروس “أونلاين” لتعلم إطلاق الحملات الإعلانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وهو ما أصبحت تتقنه بعد شهور من الممارسة.
واسترسلت قائلة: “مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام تتيح لي استهداف شريحة واسعة من الزبائن والحصول على مبيعات جديدة. وقد تمكنت الآن بفضل الإعلانات، من الوصول إلى عدد مهم من الفتيات والنساء المهتمات بالمنتجات التي أعرضها، وأصبح البيع أسهل بالنسبة لي، بفضل قاعدة الزبائن التي أتوفر عليها. فالهدف الأول بالنسبة لي، هو اكتساب زبائن وفيّات لمتجري الرقمي”.
وتؤكد حنان أن هدفها تحقيق الحرية المالية، والاعتماد كليا على مداخيلها من التجارة الالكترونية للعيش، دون الحاجة للاشتغال في شركة، وتحمل ضغط الوظيفة.
ولاحظ عدد من الخبراء أن تفشي الوباء كان عاملا مسرّعا لتطور مواقع التجارة الإلكترونية في المغرب، إذ أدى الحجر الصحي إلى زيادة إقبال المغاربة عليها، بعدما وجدوا أنفسهم مضطرين إلى التسوق عبر الإنترنت، لا سيما أن المتاجر أغلقت أبوابها في إطار حالة الطوارئ الصحية التي فرضت على البلاد.
وفي هذا السياق الجديد، أصبحت اقتناء سلة الخضار أمرا لا يتطلب سوى بضع نقرات على الهاتف، ليتوصل الزبون بطلبياته، دون تكبد عناء الخروج من المنزل والمخاطرة بدخول المتاجر، وزيادة احتمال الاصابة بالفيروس.
الخوف من المرض
ويفسر الخبير في علم النفس عثمان زيمو، هذا الإقبال على الشراء من الإنترنت، بخوف الناس وقلقهم من المرض. وقال في تصريح لسكاي نيوز عربية: “الخوف دفع الناس إلى الشراء بطريقة اندفاعية، وجعلهم يفضلون القيام بمشترياتهم عن بعد، تجنبا للمرض. وقاموا بإسقاط خوفهم من الفيروس على عاداتهم الشرائية، كما جعلهم يراكمون الطعام والأشياء في بيوتهم قبل الحجر، واستمر الهلع أثناء الحجر، فاستمرت لهفة الناس وتهافتهم للشراء عبر الإنترنت”.
وأعطى الأستاذ زيمو مثال “ماكينات” قص الشعر التي لقيت إقبالا لافتا خلال فترة الحجر الصحي، فقد فضل عدد كبير من المغاربة قص شعرهم في المنازل، عوض الذهاب إلى الحلاق، “وهذا ما يعني أن هناك تحولا في العادات، جعل الناس أكثر ارتباطا بمنازلهم، وبالتالي أدخلوا عالمهم الخارجي إلى بيوتهم، بما في ذلك العمل والرياضة واقتناء المشتريات”.
كما انتعشت خلال الفترة نفسها تجارة الحواسيب والهواتف الذكية وباقي الوسائل التكنولوجية وكذلك أدوات الرياضة المنزلية، بعد فرض الاشتغال والدراسة عن بعد، وازداد تصفح مواقع التواصل الاجتماعي التي تتضمن العديد من المواقع والصفحات التجارية، مما ساهم في ارتفاع عمليات البيع والشراء عن بعد.
واحتل المغرب المرتبة 95 عالمياً سنة 2020، في مؤشر يصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) سنوياً حول التجارة الإلكترونية، مرتقياً بذلك مرتبتين فقط مقارنة مع سنة 2019.
وقامت المنظمة ذاتها خلال السنة الجارية بتصنيف 152 دولة عبر العالم في هذا المؤشر بناءً على سعي الدول إلى توفير التجارة الإلكترونية بين المقاولات والمستهلكين.
وبهذا الخصوص، قال التهامي القباج، الخبير الاقتصادي والمالي، في تصريح لسكاي نيوز عربية : “أتوقع ازدهارا كبيرا للتجارة الإلكترونية في المغرب، لكن نظام الصرف لا يزال يفتقد للمرونة المطلوبة، حتى تتيسر العمليات التجارية”.
وأضاف في السياق ذاته: “يجب أيضا تحديث البنيات التحتية الرقمية ونظم الاتصال. لأنه من دونها سيكون طريق تطور التجارة الالكترونية طويلا”.
وكشفت آخر الإحصاءات أن النصف الأول من 2020 شهد إجراء 6 ملايين عملية عبر بطاقات بنكية مغربية وأجنبية على مواقع تجارية تابعة لمركز النقديات (CMI).
وبلغ إجمالي قيمة هذه المعاملات 2.9 مليار درهم، القيمة الإجمالية لهذه العمليات 2.9 مليار درهم (319 مليون دولار).
ووفق دراسة لمجموعة سونيرجيا “Sunergia” فإن البطاقات المصرفية المحلية هيمنت على 95.7 في المئة من المعاملات، وتمت 62 في المئة من المعاملات بالدرهم المغربي.
كما انتعش الأداء بواسطة البطاقات المصرفية عبر الإنترنت، ليبلغ خلال الربع الأول من 2020 بنسبة 26 في المئة على أساس سنوي، لتصل إلى 130 مليون دولار، بحسب بيانات المركز المغربي للنقديات.
ويقول تقرير لشركة “جوميا” المختص في التجارة الإلكترونية، إن مبيعات منتجات البقالة والسلع الأساسية ارتفعت أربعة أضعاف في الربع الأول من 2020 في دول شمال إفريقيا، مثل تونس والمغرب.
وحسب إحصاءات بيزنس إنسايدر، تستعد سوق التجارة الإلكترونية لتحقيق قفزة قوية في حجم التعاملات على الصعيد العالمي حتى تصل إلى 5.8 تريليون دولار بحلول عام 2024، مقابل 3.1 تريليون دولار في 2018.