أفاد موقع “أكسيوس” بأن أتمتة العمل لا تدمّر الوظائف بشكل مباشر، بل تغيّر التوظيف بطرق تمسّ العمال.
ويشير مصطلح “الأتمتة” إلى عمليّة دمج الآلات في نظام التحكّم الآلي، وتطبيق الآلات على المهام التي تمّ إنجازها من قِبل الإنسان مرّة أو أكثر، ويسمى أيضاً “التشغيل الآلي” وفي بعض الأحيان “المكننة”.
واعتبر الموقع، في تقرير، الأحد، أنه على المرء أن يكون الآن أقلّ قلقاً بشأن إنجاز الروبوتات وظائف بشرية، وأكثر بشأن إرغام أشخاص يشغلون مناصب تتطلّب مهارات محدودة، على العمل مثل الروبوتات.
وأصدرت شركة “ماكينزي” الأميركية للاستشارات تقريراً، الأسبوع الماضي، بشأن القوى العاملة في مرحلة ما بعد فيروس كورونا، توقعت فيه أن تحلّ الأتمتة مكان 45 مليون عامل أميركي، بحلول نهاية العقد، مقارنة بترجيح 37 مليوناً قبل الجائحة.
وتعكس هذه الزيادة التغييرات الدائمة في الاقتصاد، نتيجة الفيروس، وتتمثل في سفر أقلّ للعمل ومزيد من العمل عن بُعد، إضافة إلى تسريع الاستثمار في الأتمتة والذكاء الاصطناعي.
لكن “ماكينزي” تشير إلى إمكان زيادة العدد الإجمالي للوظائف، رغم عملية الأتمتة، وقال إريك برينيولفسون، وهو باحث في “معهد ستانفورد للذكاء الاصطناعي الذي يركّز على الإنسان”: “غالباً ما نفكّر أولاً في حجة الاستبدال، ولكن عبر التاريخ، كان التكامل أو الزيادة (عبر الأتمتة) أكثر أهمية بكثير، وأعتقد بأن الأمر سيكون كذلك في العقد المقبل”.
الأتمتة والمهارات المتدنية
وفي حين أن العدد الإجمالي للوظائف سيزداد، رجّحت “ماكينزي” أن “يكون كل نموّ الوظائف الصافي تقريباً خلال العقد المقبل، في وظائف عالية الأجر”، في تطوّر قد يمسّ العمال ذوي المهارات الوظيفية المتدنية.
وكان تقرير أعدّته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في عام 2016، أظهر أن لدى 14% من سكان الولايات المتحدة في سنّ العمل، مهارات منخفضة في القراءة والكتابة، كما أن لدى 23% مهارات حسابية متدنية، و62% لديهم مهارات منخفضة في حلّ المشكلات الرقمية.
ولفهم تأثير “الأتمتة” بشكل أفضل على العمال في الوظائف التي تتطلّب مهارات محدودة، أجرى برينيولفسون، ومات بين، من جامعة “كاليفورنيا – سانتا باربرا”، دراسات مفصّلة عن قطاع شهد أخيراً نموّاً هائلاً في التوظيف، وهو مستودعات التجارة الإلكترونية.
ويعمل برينيولفسون وبين، مع 8 شركات تسوّق روبوتات تعمل بالذكاء الاصطناعي، في مرافق للتجميع والتوضيب، لتحديد كيفية قيام مستودعات التجارة الإلكترونية بمأسسة الأتمتة، وكيفية تكيّف عمال الخطوط الأمامية معها، وفق “أكسيوس”.
وتفيد نتائج أولية توصّل إليها الرجلان، أن مجرد استخدام الروبوتات لا يؤدي فوراً إلى تدمير وظائف كثيرة، لا سيّما في تلك التي تتضمّن أعمالاً يدوية دقيقة كثيرة، لا يمكن التكهّن بها.
ويقول بين في هذا الصدد: “أظهر بحثنا أن الأمر يستغرق وقتاً أطول بكثير ممّا يتوقعه المرء، بعد اعتماد الأتمتة في الشركات، لمعرفة كيفية الاستفادة منها”.
بشر يعملون بطرق آلية
وتنحو الإنتاجية الاقتصادية، بعد اعتماد الأتمتة والذكاء الاصطناعي، إلى اتباع الشركات أسلوب الثبات في أعمالها، أو حتى تقلّصها، فيما تنفق مالاً ويستغرقها الأمر وقتاً للتكيّف مع التكنولوجيا، قبل أن تزيد حجم أعمالها بسرعة، بمجرد اكتمال مرحلة التنفيذ.
لكن ما اكتشفه بين وبرينيولفسون، خلال مقابلات مفصّلة مع موظفين في التجارة الإلكترونية، وزيارات لمستودعات هذا القطاع، هو أن البشر يعملون أساساً بطرق أكثر آلية.
ويقول بين، إن تلك المستودعات، التي لديها هوامش ربح ضيّقة جداً، “صمّمت بيئة (العمل) لجعل القدرة البشرية على التعامل مع عدم اليقين، أقرب ما يمكن إلى الأتمتة”. وأضاف: “تريد كسب المال، من خلال لمسات ماهرة أقلّ”.
وإذ أن ذلك ليس جديداً في حد ذاته، فهو يعني، بالنسبة إلى عمال مستودعات التجارة الإلكترونية، الذين ينشطون غالباً في مواقع معزولة جغرافياً، ويعملون لفترات طويلة، وليسوا قادرين على تشكيل نقابات بشكل فعال، أنهم لا يحظون بـ “طاقة أو وقت لتعلّم مهارات جديدة” تساعدهم في التقدّم على الأتمتة.
ويقول بين: “أنت روبوت في الأساس، أثناء قيامك بهذه المهمة”. ولكن ما قد يكون أسوأ من ذلك، هو “إضفاء طابع مؤسّسي على هذه الوظيفة الروبوتية” التي يؤديها عمال، من خلال “قيود بيئة” العمل.
أتمتة ملايين الوظائف
وتجدر هنا متابعة مدى سرعة تطوير الروبوتات الصناعية التي يمكنها التعامل مع عدم اليقين، والعمل اليدوي الدقيق لمستودعات التجارة الإلكترونية، وكذلك العمال من البشر. ويقول بين: “في اللحظة التي يمكنك فيها تسوية مشكلة عدم اليقين، ستتم أتمتة ملايين الوظائف، إذا أتاح المناخ السياسي ذلك”.
وخلص “أكسيوس” إلى أن الموظفين الأميركيين ذوي المهارات الوظيفية المتدنية يواجهون بشكل متزايد، إن لم يحصلوا على دعم حكومي أفضل، مستقبلاً من العمل مثل الروبوت، إذا أمكن ذلك في نهاية المطاف.