الكل خائف على تجربة الحزبين من خلق ثالث
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
ثلاثة أمور صارت مكرسة في تقاليد السلوك السياسي الأميركي ضمن نظام الحزبين. أولها أنه ليس لأي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي زعيم أو رئيس ثابت كما هي الحال في الأحزاب الأوروبية والعالمثالثية. وثانيها أنه لا رئيس يبقى له دور مهم في حزبه بعد الخروج من البيت الأبيض. وثالثها أن الرئيس الذي تنتهي ولايته يصبح مواطناً عادياً يرفع قبعته للرئيس الجديد، ويصمت عن الكلام السياسي أو انتقاد سياسة الساكن الجديد في البيت الأبيض خلال شهور، منصرفاً إلى تحضير مذكراته وترتيب مكتبة باسمه وإلقاء محاضرات في مواضيع عامة، لقاء ما لا يقل عن 100 ألف دولار عن كل محاضرة. لكن دونالد ترمب خالف كل ذلك وأكثر. فهو يتصرف على أساس أنه لا يزال وسيبقى زعيماً للحزب الجمهوري الذي جاء من خارجه. لم يعترف بخسارته ولا بشرعية منافسه الرئيس جو بايدن. ولا حضر القسم الدستوري. حرّض “الغوغاء” على”غزوة الكونغرس”، واستمر في إطلاق المواقف السياسية معتبراً أن الأصوات التي حازها في الانتخابات باسم حزبه هي رصيد شخصي له في الحاضر والمستقبل. ولم يسبقه في إعلان العزم على الترشح ثانية بعد أربع سنوات سوى الرئيس غروفر كليفلاند في أواخر القرن الـ19، والذي قالت زوجته لفريق العمل في البيت الأبيض: “أريد أن أرى كل شيء كما هو حين أعود بعد أربع سنوات”، ثم عادت بالفعل بعد ثماني سنوات عام 1892. ولا شيء يوحي أن من السهل التخلص منه.
ذلك أن ترمب الرئيس كان مشكلة لأميركا التي جعلها وحيدة تحت شعار”أميركا أولاً”، بحيث غازل خصومها وهاجم حلفاءها. وأقل ما تركه من إرث، بحسب جورج باركر في”أتلانتيك”، هو نصف مليون ميت بكورونا، 2.3 مليون فقدوا بوليصة التأمين الصحي، الانسحاب من 13 منظمة واتفاقات دولية، إلغاء 80 إجراء تقيد السلوك في الاحتباس الحراري، و25 ألف كذبة. وهو خارج السلطة مشكلة أكبر لأميركا والحزب الجمهوري. لكن المشكلة الأكبر لأميركا والعالم هي التيار الذي ركب ترمب موجته ثم لعب دور القائد له. إذ قال بعدما رفض الجمهوريون في مجلس الشيوخ إدانته في محاكمة عزله الثانية، على الرغم من اعتراف زعيمهم ميتش ماكونيل بأن ترمب مسؤول “أخلاقياً وعملياً” عن التحريض على هجوم الكونغرس: “حركتنا التاريخية والوطنية بدأت للتو لنجعل أميركا عظيمة ثانية”. تيار يضم أنصار التمييز العنصري بحجة تفوق العرق الأبيض، وجماعة الإيمان بنظرية المؤامرة، والطبقة العاملة من البيض في الأرياف المهمشة الذين ضربتهم العولمة”. ويقول جون هيبينغ في كتاب “الشخصية الواثقة” إنهم يؤمنون بحماية عائلاتهم وثقافتهم من تعاظم أعداد “الخارجيين”: الأقليات الدينية، المهاجرون، غير الأميركيين، غير البيض، وهم لا يرون العالم على طريقة “نحن ضد هم” بل على طريقة “نحن ضد كل من ليسوا نحن”.