الدروس المستفادة من الأزمة المناخية توفر فرصاً كبيرة للدول العربية كي تتلافاها إن واجهت مثلها مستقبلاً
أنس بن فيصل الحجي اقتصادي متخصص في مجال الطاقة
ما حدث في تكساس الأسبوع الماضي جرس إنذار، ليس لمستقبل تكساس أو الولايات الأميركية فقط، وإنما لدول الخليج أيضاً.
ويمكن اختصار ما حصل بأن موجة ثلج وصقيع نادرة اجتاحت الولاية كلها، وهو أمر لم يحصل منذ 126 سنة، ونتج من ذلك انهيار الأنظمة كلها في مختلف القطاعات والصناعات، مما جعل الحكومة عاجزة عن فعل أي شيء.
الموجة كانت متوقعة، وكانت هناك استعدادات، ولكنها كانت أكبر من التوقعات والاستعدادات، ومع انقطاع الكهرباء والماء والإنترنت والهواتف والطرق، أصبحت مظاهر العصر الحديث من تكنولوجيا وسيارات لا معنى لها، والكلام هنا عن أميركا وعن تكساس، فهل دول الخليج مستعدة لحادثة مماثلة؟
إذا كنا نعتقد بأن التغير المناخي حقيقة واقعة، وأن من نتائجه التقلبات الشديدة في الطقس من برودة شديدة إلى حر شديد إلى موجات ثلج وصقيع وأمطار تاريخية وعواصف رملية، فإن احتمال أن يتكرر ماحدث في تكساس في دول الخليج كبير، فمتوسط درجة الحرارة في تكساس خلال الأسبوع الثاني من فبراير (شباط) يكون عادة بين خمس وتسع درجات مئوية، وفي الأسبوع الفائت انخفضت درجة الحرارة إلى 14 درجة مئوية تحت الصفر، مع رياح وصلت إلى 21 درجة مئوية تحت الصفر في بعض المناطق.
ولتقريب الأمر، بحسب بعض المراجع على الشبكة العنكبوتية، فإن أقل درجة حرارة في تاريخ مدينة جدة الحديث كانت في حدود 10 درجات مئوية، وتصوروا ماذا سيحصل إذا وصلت يوما ما إلى 10 تحت الصفر، وهو ما حصل في تكساس!
وإذا كنا لا نؤمن بالتغير المناخي، فإن ما حصل الأسبوع الماضي حصل قريب منه إلى حد ما خلال أعوام 2004 و2008 و2011، ولكن الحادثة الكبيرة كانت في شتاء 1894 – 1895، إذ ضربت عاصفة ثلجية الجنوب الأميركي كله وليس تكساس فقط، وانخفضت درجات الحرارة إلى مستويات أدنى من التي عانتها تكساس الأسبوع الماضي واستمرت فترة طويلة، ونتج من ذلك موت عدد كبير من الناس جراء الجوع، وهذا يعني أن هناك أحداثاً مناخية تحصل كل عدة عقود مع آثار ضخمة، فهل دول الخليج مستعدة لذلك؟
وإذا كانت بعض دول الخليج مهتمة بالطاقة المتجددة بسبب التغير المناخي، فهذا يعني أنها تؤمن بالخيار الأول، فإذا كانت تؤمن بالتغير المناخي، فهل هي مستعدة لتلافي ما حدث في تكساس، بحيث تتناسق سياسات الطاقة المتجددة مع سياسات البنية التحتية المبنية على وجود قدرات احتياطية وعلى الموثوقية والاستدامة؟ وبما أن الطاقة المتجددة توقفت تقريباً عن إنتاج الكهرباء خلال الأسبوع الماضي لأسباب معروفة، فهل ستقوم دول الخليج بتجهيز ما لديها من طاقة متجددة لتحمل الصقيع ومنع تكرار ما حدث في تكساس؟ وبما أن نظام المواصلات توقف بشكل شبه كامل في الولاية بسبب عدم وجود إمكانات لتنظيف الطرق من الثلوج أو إذابة الجليد، فهل تستعد دول الخليج لمنع تكرار التجربة فيها؟
بعض الدروس
ما حدث في تكساس انهيار للأنظمة والصناعات ونظم الإمدادات كلها، وكشفت الأزمة عن ضعف البنية التحتية في قطاع الكهرباء نتيجة سياسات خاطئة وإهمال شديد في مجالي التوليد والشبكات.
تكساس تدّعي أن لديها سوقاً حرة للكهرباء بعد أن تم تحرير الأسواق في نهاية التسعينيات، إلا أن الواقع عكس ذلك، فهي سوق تحكمها قوانين تفضل بعض مصادر الطاقة على مصادر أخرى لأسباب مالية وليس لأسباب بيئية، ولهذا فإن أحد الدروس المستفادة بالنسبة لدول الخليج هو أن أي تصميم لأسواق الطاقة في دول الخليج عليه أن يتلافى هذه الأمور، ويجب التركيز على قدرة الطاقة المتجددة العمل في ظل عواصف ثلجية أو موجات صقيع، وقدرة معامل الغاز على الإنتاج في ظل هذه الأجواء، وقدرة الأنابيب على توصيل الغاز لهذه المحطات.
لعل الدرس الأهم هو أن يتم تبني الطاقة المتجددة ضمن خطة متكاملة وشاملة للنظام الكهربائي ككل، هدفه الأساس الموثوقية والاستدامة، ويضمن تغطية أي عجز في إنتاج الكهرباء من عنفات الرياح أو الألواح الشمسية، كما يضمن عائداً مجزياً لكل أطراف الصناعة، بخاصة أنه لابد من وجود محطات الكهرباء العاملة بالوقود الأحفوري لتغطية التذبذب في إنتاج عنفات الرياح والطاقة الشمسية، وباختصار فإن الوقود الأحفوري جزء لا يتجزأ من مشاريع الطاقة المتجددة، وقد يعترض البعض على هذه النتيجة بقولهم إن التقدم العلمي في مجال تخزين الطاقة في بطاريات ضخمة يجري على قدم وساق، ومن ثم فإنه لاحاجة للوقود الأحفوري وقتها بسبب التخزين، إذ يمكن تخزين الطاقة الشمسية خلال النهار لاستخدامها ليلاً، وهذا الاعتراض صحيح ولكن ضمن حدود، ولا ينطبق على حالة تكساس لسببين، الأول أن مخزون البطارية يتلاشى بسرعة بسبب درجات الحرارة السالبة، والثاني أن الأزمة استمرت أكثر من ثمانية أيام، ويمكن للبطارية في أحسن الظروف أن تستمر يومين.
الربط الكهربائي
لا شك في أن انعزال تكساس عن غيرها جعل من الصعب جلب مزيد من الكهرباء إليها، ولكن كان يمكن لهذه الولاية بسبب إمكاناتها وحجمها تلافي هذه المشكلات مستقبلاً، حتى لو لم يكن لديها ربط كهربائي مع الولايات الأخرى، فمشكلتها مع الربط الكهربائي هو القانون الذي يعني أن مجرد وجود ربط فإنه يخضعها للقوانين الفيدرالية، ودول الخليج ليست لديها هذه المشكلة، إذ إن الربط الكهربائي بينها وبين مصر وغيرها لا يُخضع دول الخليج لنظم الدول الأخرى، وبسبب فارق التوقيت وأوقات الذروة فيمكن لدول الخليج تفادي الأزمات بوجود الربط الكهربائي.
ومن الإشكالات التي لم تلق تركيزاً كافياً في أزمة تكساس انقطاع الطرق ووقف حركة السير في أجزاء كبيرة منها، الأمر الذي أوقف سلسلة الإمدادات تماماً، لدرجة أن توزيع البريد توقف، وهو أمر نادر الحدوث. توقّف سلسلة الإمدادات أفرغ المحال من الخبز والحليب والخضراوات والأطعمة والماء وغيرها، وأسهم في زيادة معاناة الناس، فالعائلات التي انقطعت عنها الكهرباء والتدفئة لم تستطع الذهاب إلى بيوت أقاربها أو أصدقائها بسبب انقطاع الطرق.
لماذا حصل كل هذا؟ لعدم وجود جرافات ثلج لدى الولاية ولدى البلديات المحلية، ولعدم وجود ملح لرشّه على الطرق، وهذه الأمور يمكن تلافيها مستقبلاً من طريق استثمارات بسيطة نسبياً، ويمكن لدول الخليج الاستثمار فيها احتياطاً.
أخيراً، أرى شخصياً أن من أكبر المشكلات الموجودة في تكساس هو تشرذم قطاع الطاقة ووجود هيئات مختلفة تحكمه من دون وجود تخطيط شامل، وهذا الأمر ينطبق على كثير من دول العالم بما في ذلك الدول العربية، ولهذا أعتقد جازماً أن دول الخليج وعدداً من الدول العربية، بخاصة مصر، ستستفيد كثيراً من إعادة هيكلة قطاع الطاقة ككل، ووضعه تحت مجال أو إدارة أو وزارة واحدة، فقد أصبحت مصادر الطاقة حالياً مترابطة مع بعضها بشكل أكبر من أي وقت مضى على الرغم من التنافس بينها، كما أن المتطلبات البيئة تنطبق على الجميع، الأمر الذي يعني وجود “محفظة طاقة” لكل بلد يمكن تعظيمها بحسب الموارد المتاحة وأهداف شعوب هذه البلاد، وهذا يتطلب وجود خطة شاملة للطاقة لكل بلد، وربما بالتنسيق مع الدول المجاورة، ولكنه يتطلب أيضاً قيادة واحدة بدلاً من تعدد الوزارات والهيئات.