إضفاء الطابع العالمي على اليوان الرقمي يعتمد على مدى ترحيب الدول الأخرى بعملة يتحكم بها البنك المركزي الصيني، والقيود التي قد تُفرض على استخدامها
يتزامن الانتهاء من تجارب إصدار عملة البنك المركزي الصيني الرقمية مع إطلاق لقاح فيروس كورونا وتخفيف القيود المفروضة على السفر في العديد من الدول وظهور بوادر انتعاش قطاع السياحة المتضرر بشدة.
وفي تقرير نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” (National interest) الأميركية، يقول الكاتب فرانسيس شين إنه إذا انقشعت سحابة الوباء وازدهرت السياحة العالمية، فإن ذلك سيدفع باليوان الرقمي إلى صدارة المشهد المالي عالميا.
وحسب رأيه، يمكن أن تشكل السياحة الصينية الخارجية وسيلة فعالة لتدويل اليوان الرقمي وتعزيز قيمته بما يكفي لتحدي الدولار الأميركي كعملة مهيمنة عالميا.
منافسة الدولار
عملت الصين منذ الأزمة المالية العالمية التي اندلعت عام 2008 على دعم استخدام عملتها في الخارج بهدف مزاحمة الدولار الأميركي، لكنها واجهت عقبات كبيرة -كما يقول الكاتب- ولا سيما بسبب الضوابط الصارمة التي تفرضها الحكومة الصينية على العملة.
واستمرت هيمنة الدولار على سلاسل التوريد الآسيوية خلال السنوات الماضية، حيث شكل ما يقرب من 80% من المعاملات الدولية للبنوك الآسيوية في الربع الثالث من عام 2019.
وفي الوقت الحالي، تراهن الصين على العملة الرقمية التي أصدرها البنك المركزي ويشرف عليها بشكل كامل، ويبدو اليوان الرقمي أكثر ملاءمة للاستخدام العالمي وأكثر قدرة على منافسة الدولار، في حال سمح بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) باستخدامه خارجيا.
لكن إضفاء الطابع العالمي على اليوان الرقمي يعتمد على مدى ترحيب الدول الأخرى بعملة يتحكم بها البنك المركزي الصيني، والقيود التي قد تُفرض على استخدامها.
السياحة في خدمة اليوان الرقمي
من المنتظر أن يصبح السياح الصينيون في الخارج سفراء العملة الرقمية الجديدة، وقد أعلنت الحكومة الصينية أنها تعتزم إصدار اليوان الرقمي رسميا خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين عام 2022، وتبدو السياحة الصينية في الخارج الوسيلة الأقوى لتشجيع استخدامها عالميا قبل الإصدار الرسمي.
وفي الواقع، تشكل السياحة الصينية أكبر قطاع سياحة بين كل دول العالم، وتدرك الحكومة الصينية هذه الميزة، وقد استفادت منها سابقا كأداة ضغط اقتصادي ضد تايوان.اعلان
وقد تلجأ الصين لاستخدام هذا السلاح ضد دول أخرى تستقبل أعدادا كبيرة من السياح الصينيين، وذلك للضغط عليها من أجل أن تقبل التعامل باليوان الرقمي، ولا سيما في ظل الانتعاش المنتظر في قطاع السياحة خلال الفترة المقبلة.
ويستخدم بعض البائعين الذين يتعاملون مع السياح الصينيين في عدد من الدول منصة “أليباي” للدفع الإلكتروني، ومن المنتظر أن يلعب تطبيقا “أليباي” (Alipay) و”وي تشات” (WeChat) دورا مهما في ترويج اليوان الرقمي، وبوسع بنك الشعب الصيني توسيع نطاق استخدام عملته في الخارج من خلال الاعتماد على هذين التطبيقين المنتشرين بالفعل.
وفي حال وافق هذا البنك المركزي على الاستخدام الخارجي للعملة الرقمية، فمن المحتمل أن تكون دول جنوب شرق آسيا أول من يتعامل بها نظرا لاعتمادها الكبير على السياح الصينيين.
ونظرا لاعتماد أوروبا المتزايد على السياحة الصينية، فقد تقبل الدول الأوروبية بدورها التعامل باليوان الرقمي، وهو ما من شأنه أن يعزز النفوذ المالي للصين على صعيد عالمي ويسهم في تقويض هيمنة الدولار.
في عام 2019، بلغ عدد السياح الصينيين في الخارج معدلات قياسية، حيث وصل إلى حوالي 170 مليون سائح، وكانت أكثر الوجهات السياحية شعبية هي تايلند واليابان وكوريا، وفي العام نفسه، زاد عدد السياح الصينيين في أوروبا بشكل ملحوظ.
الصراع الصيني الأميركي
وفي حال تمكن اليوان الرقمي من تحدي هيمنة الدولار الأميركي في المعاملات العالمية على المدى المتوسط، فإن ذلك سيؤدي إلى المزيد من التوتر والتصعيد في سياق الصراع الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، حيث سيؤدي التراجع النسبي للدولار إلى تقويض النفوذ المالي العالمي للولايات المتحدة.
وحسب رأيه، قد يحتد التوتر إذا وافقت دول حليفة للولايات المتحدة على استخدام العملة الرقمية الجديدة عبر السياح الصينيين، لذلك قد تلجأ الولايات المتحدة للتنسيق مع الحلفاء لاتخاذ موقف موحد من اليوان الرقمي والتصدي للنفوذ الذي تحاول الصين ممارسته عبر هذه العملة الجديدة.
ويمكن أن تشمل الجهود الأميركية تسليط الضوء على إمكانية قيام الصين بانتهاك الخصوصية وسرقة البيانات من خلال العملة الرقمية، وبالتالي الإضرار بمصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
ويمكن للولايات المتحدة -وفقا للكاتب- أن تقود عملية صياغة مجموعة من المعايير الدولية بشأن العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية، وحماية الخصوصية الشخصية، لتقليل المخاطر المترتبة على التعامل باليوان الرقمي.المصدر : ناشونال إنترست