هل يستعيد ترمب نفوذه في واشنطن من باب “مصادرته” الحزب الجمهوري؟

استمرار نفوذ الرئيس السابق قد يشجع على تحدي سياسات بايدن وإفشال الوفاق

طارق الشامي صحافي متخصص في الشؤون الأميركية والعربية

في وقت سابق فكر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب تشكيل حزب ثالث يماثل قوة الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي، لكنه أصبح الآن متأكداً من عدم احتياجه لهذا الحزب بعد ما ظهر بجلاء أن قبضته على الحزب الجمهوري ما زالت قوية ومؤثرة، فقد كشف اللقاء الخاص الذي جمع بين ترمب وكيفن ماكارثي زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب في منتجع مارالاغو عن تحول ملحوظ في مكانة الرئيس السابق بين الجمهوريين في أعقاب اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس، حيث بدت فكرة اكتفاء ترمب بدور صانع الملوك في فترة ما بعد الرئاسة بعيدة الاحتمال، فكيف تمكن ترمب من السيطرة التامة على الحزب، وكيف سيؤثر ذلك على الحكم في واشنطن؟  

الولاء أولاً

بعد موجة أولية من إدانة ترمب في أعقاب اقتحام الكونغرس، أدرك الجمهوريون أن أنصاره على استعداد لمعاقبة أي شخص يظهر عدم الولاء له، ومن ثم أبقى قادة الحزب على ترمب طلباً لمساعدته في استعادة الجمهوريين السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ عام 2022.

وتتزامن عملية إعادة الاصطفاف مع ترمب، بينما يستمر أولئك الذين تجاوزوه في الشعور برد الفعل العنيف من أنصاره مثل مات غايتس العضو الجمهوري عن ولاية فلوريدا الذي توجه إلى ولاية وايومنغ في محاولة لإسقاط النائبة ليز تشيني، التي صوتت مع مساءلة ترمب رغم أنها تعد القيادية الجمهورية رقم 3 في مجلس النواب. وتحت ضغط رد الفعل العنيف من القواعد الحزبية الجمهورية المحلية وفي الولايات، أوضح غالبية الأعضاء الجمهوريين في مجلس الشيوخ أنهم لا يعتزمون إدانة ترمب حين صوت 45 من إجمالي 50 عضواً بأن محاكمة رئيس سابق غير دستورية.

توحيد الحزب

وعلى الرغم من أن كثيراً من الجمهوريين في مجلس الشيوخ بمن فيهم زعيمهم السيناتور ميتش ماكونيل كانوا ينظرون إلى المحاكمة على أنها فرصة للجمهوريين لتطهير الحزب من ترمب عبر منعه من الترشح للمنصب الرئاسي مرة أخرى، إلا أنهم تحولوا الآن إلى استخدام المحاكمة كصيحة مدوية من أجل إعادة توحيد الحزب ضد الديمقراطيين، وبدلاً من مناقشة ما إذا كان ترمب مذنباً بالتحريض عمداً على العنف ضد الكونغرس كأحد فروع الحكم الأساسية، هاجم الجمهوريون العملية، بحجة أنه من غير الدستوري محاكمة رئيس غادر البيت الأبيض بالفعل.

الدفاع عن ترمب

وبعد نحو أسبوع من انزواء ترمب في مقر إقامته في فلوريدا وحجبه عن التغريد عبر “تويتر” ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، بدأ تدريجياً في العودة إلى النقاش العام، وأطلق بيانات صحفية من اللجنة السياسية التي أنشأها قبل مغادرته البيت الأبيض، بينما سارعت لجان الحزب الجمهوري في الولايات والمقاطعات إلى الدفاع عن ترمب في مشهد سلط الضوء على سيطرة الرئيس السابق الحازمة على آليات عمل الحزب الجمهوري، حيث امتلأت مقار لجان الحزب المحلية وفي عدد من الولايات المتأرجحة بأنصار ترمب الذين حاولوا إقصاء وتهميش منتقدي الرئيس السابق من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين العشرة الذين أيدوا مساءلته في المجلس.

وتعود سيطرة ترمب على جهاز الحزب إلى قدرته على التحكم في هذه المؤسسة على مدى أربع سنوات، رغم أنه لم يكن يرتبط بها إلا بشكل طفيف قبل توليه منصبه، وشيد تأثيره الطاغي هذا جداراً يحميه ويحمي سياسته القومية اليمينية المتطرفة من الجمهوريين الذين يجادلون بأن الحزب بحاجة إلى تغيير الدفة نحو اتجاه جديد إذا كان راغباً بالفوز في الانتخابات، وعلى سبيل المثال استبعد الحزب مسؤولاً حزبياً في ولاية آيوا لأنه دعا إلى مساءلة ترمب بعد أحداث الكونغرس، كما يواجه النائب الجمهوري توم رايس التوبيخ واللوم من الحزب في ولاية ساوث كارولاينا بسبب تصويته لعزل ترمب في مجلس النواب الأمر الذي يعتبره الحزب بمثابة خيانة.

هجوم مضاد

وفي بعض الحالات، كشف دفاع الحزب الجمهوري في الولايات عن ترمب مدى انتشار المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة التي كانت تعتبر هامشية في الحزب الجمهوري، ففي ولاية أوريغون، أصدر الحزب قراراً يزعم أن الهجوم على مبنى الكابيتول كان بترتيب ومشاركة جهات أخرى تهدف إلى إحراج مؤيدي ترمب، كما نشر في ولايتي هاواي وتكساس تغريدات تشير إلى نظرية المؤامرة التي تروج لها حركة كيو آنون، التي تزعم أن ترمب يخوض معركة سرية ضد الدولة العميقة وطائفة من عبدة الشيطان التي تشمل عدداً من القيادات في الحزب الديمقراطي.

وفي ولايات أخرى، لوحظ دفاع الجمهوريين السريع عن ترمب بالتوازي مع رغبتهم القوية في استخدام أسلوب ومبادئ الترمبية حتى بعد خسارة ترمب الانتخابات، فقد أعاد الحزب الجمهوري في ولاية أريزونا انتخاب كيلي وارد رئيسة الحزب الموالية لترمب، بينما وجه التوبيخ واللوم إلى منتقدي ترمب مثل سيندي ماكين زوجة السيناتور الراحل جون ماكين، والسيناتور السابق جيف فليك، بل وأيضاً لحاكم الولاية دوغ دوسي، وهو من الجمهوريين المؤيدين لترمب الذي أقر بخسارة ترمب الانتخابات في الولاية، وهو ما اعتبره الحزب إساءة للحزب ولترمب.

وفي ولاية واشنطن بأقصى الغرب الأميركي، دعت عدة لجان حزبية في المقاطعات إلى إقصاء نائبي مجلس النواب اللذين صوتا لعزل ترمب من الحزب، فيما بدأ المتنافسون الأساسيون في الاصطفاف بهدف إسقاط جميع الأعضاء الجمهوريين العشرة في مجلس النواب الجمهوري الذين صوتوا لعزل ترمب.

كيف أحكم سيطرته؟

ولا تعكس سيطرة ترمب على الحزب الجمهوري في الولايات استمرار شعبية الرئيس السابق مع قاعدته فحسب، بل تؤكد أن العمل الذي قام به على مدى أربع سنوات عبر زرع الموالين له في أجهزة الإدارات المحلية للحزب الجمهوري أثمرت الآن، بعد ما أسفر تركيز حملة إعادة انتخابه بشكل كبير على تعبئة لجان الولايات والمقاطعات بالمخلصين لتجنب مشهد عام 2016، عندما خاض كثيرون في أجهزة الحزب معارضة قاسية ضد ترشيح ترمب.

ومن غير المرجح أن تخف قبضة ترمب الحديدية على هيكل الحزب خلال وقت قريب، ذلك أن من يجري انتخابهم من المؤيدين لشغل مناصب في الحزب تستمر عدة سنوات، بل ويصبحون مع الوقت في وضع يسمح لهم بمواصلة الصعود في سلم المناصب داخل الحزب الجمهوري.

استمرار الترمبية

وما يشكل ملمحاً على استمرار الترمبية راسخة لعدة سنوات مظهر العداء ضد المخالفين في الحزب الجمهوري وضد الديمقراطيين بشكل عام في أذهان ما يقرب من 70 في المائة من الجمهوريين الذين يقولون إنهم لا يعتقدون أن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 كانت حرة ونزيهة، كما أن العديد من مؤيدي دونالد ترمب يعتبرون أن مجلس النواب ومجلس الشيوخ بقيادة الديمقراطيين يشكلان تهديداً لأسلوب حياتهم، وهو ما يعود بقدر واسع إلى خطاب ترمب الذي رسخ مفاهيم العداء وحذر من تغيير حياة الجمهوريين.

ويشعر أتباع ترمب بأنهم ضحية لما يرون أنه نظام انتخابي فاسد أسقط الفائز الحقيقي، ولهذا لن يقبلوا بشرعية إدارة بايدن حيث الخلافات لا يمكن التوفيق بينها، وبالنسبة لهؤلاء وهم بعشرات الملايين، فإن استعادة حقبة ترمب فقط هي التي ستحقق ما يريدون.

وعلى الرغم من أعمال الشغب في الكابيتول، تظهر استطلاعات الرأي أن ترمب لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة بين الناخبين الجمهوريين الذين يعتبرون أنفسهم أكثر ارتباطاً به من الحزب.

ويعتبر خبراء في الاستراتيجية الحزبية أن القادة الجمهوريين لا يحاولون في الواقع الارتباط بترمب، وإنما بقاعدته الشعبية بعد ما ترك رحيل ترمب عن السلطة فراغاً كبيراً، فقد اتضح أنه كان الشيء الوحيد الذي وحد الجمهوريين أكثر من أي شيء آخر، وأصبح الحزب الجمهوري حزب ترمب لمدة أربع سنوات، ومن ثم تبين في غياب قيادته فراغاً واضحاً في السلطة، يراه الجميع الآن عبر ما يحدث في الكونغرس.

كيف حدث هذا؟

وبينما يتساءل كثيرون عن السبب وراء تحول الحزب الجمهوري بهذا الشكل، يجادل علماء السياسة بأن قوى الاعتدال التقليدية في الحزب أضعفتها عوامل مثل تأميم السياسة وظهور وسائل الإعلام الحزبية، والقنوات التي وجدت في تغذية خطاب ترمب فرصة لاستقطاب المزيد من المتشددين فكرياً.

وهكذا، فتح ذلك الباب أمام عملية تطرف ذاتية، فعندما يكتسب المتشددون القوة داخل مجموعة اجتماعية ما، فإنهم يطردون المعتدلين ولا يتبقى من المجموعة إلا الأكثر تشدداً وتطرفاً.

ولم يكن ترمب هو الذي خلق التطرف في الحزب الجمهوري بل بدأت هذه العملية قبل وقت طويل عندما سيطر نيوت غينغريتش زعيم الجمهوريين في مجلس النواب على الكونغرس عام 1994، لكن عهد ترمب وخطابه الملتهب والذي أعقبه الحديث عن تزوير الانتخابات وتشجيع مؤيديه على اقتحام الكونغرس، دفع التطرف إلى ذروته في وقت لم تتصدَ المؤسسة الجمهورية لمحاولات ترمب المستمرة انتهاك الديمقراطية والاعتراف بالحقيقة.

صعوبة التوافق

وفي مثل هذه الأجواء المسيطرة على قاعدة الحزب الجمهوري، قد يصعب على الجمهوريين التوافق مع الديمقراطيين لتوحيد البلاد وفقاً لخطاب الرئيس جو بايدن، بخاصة وأن الجمهوريين حققوا مكاسب أفضل من توقعاتهم في مجلس النواب، حيث تقلص الفارق مع الديمقراطيين إلى هامش ضئيل للغاية، وهم متفائلون باستعادة سيطرتهم على المجلس في انتخابات التجديد النصفي بعد أقل من عامين، كما يستهدف الجمهوريون استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ في انتخابات نوفمبر 2022 مع ظهور مؤشرات إيجابية تنبئ بأن الخريطة الانتخابية ستعمل لصالحهم.

ولعل تمسك الجمهوريين بموقفهم من خطة التحفيز الاقتصادي التي طرحها بايدن بقيمة 1.9 تريليون دولار من أجل مواجهة وباء كورونا والدفع بعجلة النمو الاقتصادي، تنبئ بأنهم لن يقدموا تنازلات ولن يسيروا في ركب بايدن، ما يؤشر على أن الخلافات قد تتفاقم مع مرور الوقت بين الطرفين الأمر الذي سيبقي حالة الاستقطاب الحزبي مستمرة وشعلة الغضب مشتعلة، ما يفيد الجمهوريين في الانتخابات المقبلة ويرضي القاعدة الشعبية لهم.

وخلال الأيام العشرة الماضية، انتقد العديد من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ في الحزب الجمهوري الأوامر التنفيذية التي أصدرها بايدن من أجل قلب السياسات التي اتخذها الرئيس السابق دونالد ترمب على مدى الأعوام الأربعة الماضية وهو ما كان له صدى واسع في أوساط الجمهوريين العاديين.   

قلق المعتدلين

وعلى الرغم من أن ترمب تمكن من استقطاب ملايين الناخبين الجدد إلى الحزب بأسلوبه الشعبوي، ما دفع الجمهوريين إلى الاستمرار في الترحيب بإبقاء هؤلاء الناخبين منخرطين داخل الحزب، حتى عندما لا يكون ترمب على ورقة الاقتراع، فإن بعض الجمهوريين قلقين من أن القادمين الجدد يبعدون ناخبين جمهوريين آخرين من التيار المعتدل في الحزب، بخاصة وأن البيانات الأخيرة أشارت إلى خروج نحو 30 ألفاً من الحزب الجمهوري بعد أحداث الكابيتول وبسبب استمرار الخطاب المتشدد في السيطرة على الحزب.

ويبقى السؤال هو ما إذا كان تأثير ترمب سوف يستمر، فقد تؤدي الانقسامات الداخلية التي يثيرها فريقه في النهاية إلى تقويض مسعى الحزب لاستعادة السيطرة على الكونغرس، ومن غير الواضح ما إذا كان بإمكانه نقل شعبيته الشخصية إلى مرشحين آخرين عندما لا يكون اسمه على رأس ورقة الاقتراع، فقد حدث ذلك حينما فقد الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب في 2018 ولم يكن ترمب على ورقة الاقتراع، كما خسروا انتخابات مجلس الشيوخ هذا الشهر في ولاية جورجيا على الرغم من مناشدات ترمب التصويت لهم في اللحظة الأخيرة.