على رغم امتلاك ترمب أصولاً ضخمة فهو يحتاج إلى المال أكثر من أي رئيس سابق آخر على الإطلاق – لكنه يواجه حواجز متعددة صنعها بنفسه
جيمس مور كاتب
ما الخطوة التالية لدونالد ترمب؟ لا يعاني زعماء العالم، عادة، الجوع عند خروجهم من مناصبهم. ثمة أخرى في مجالس إدارات الشركات يمكن أن يتولوها، وفرص خطابية مدرة لأموال وفيرة يمكن أن يستغلوها، وسلفات ضخمة في مقابل تأليف كتب – حتى ولو لم تحقق المبيعات الجيدة المتوقعة (مثلما حصل مع ديفيد كاميرون). وهناك مناصب استشارية لا نهاية لها، كما أثبت توني بلير. وليست سائغة دائماً (على غرار عمل بلير مع كازاخستان)، إلا أن ذلك لا يثير عادة سوى اهتمام عابر.
لكن ترمب في موقف صعب يتمثل في احتياجه إلى المال أكثر من أي من أسلافه، على الرغم من احتفاظه بأصول ضخمة. هو يواجه أيضاً حواجز من صنعه – يُعَد التمرد الذي أثاره أكبرها – تعوّق البعض على الأقل من المزايا التي يتمتع بها الرؤساء السابقون عادة (بعد مغادرتهم السلطة). والواقع أن العديد من الأشخاص الذين رحبوا بجورج دبليو بوش وكتبوا له شيكات عندما لم يكن يرسم لوحات لن يرغبوا في التواصل مع ترمب.
في الأثناء، بدأت مشاكله للتو، ويرى خبراء قانونيون أن فكرة عفو ترمب عن نفسه استباقياً ما كانت لتفيد. هذا فضلاً عن أن عفواً كهذا كان سيشمل الجرائم الفيدرالية وليس تلك المرتكبة في الولايات.
والمحامون ذوو أجور ضخمة، وفي حالة ترمب، قد يطلبون الدفع مقدماً. ومن المؤكد أنهم لا بد أن يفعلوا، نظراً إلى تاريخه. وقد يضطر إلى مدفوعات إضافية للحصول على محامين جيدين في ظل التردد اللافت الذي تبديه المؤسسات القانونية الكبرى إزاء التعامل معه.
ولن يشكل الاعتماد على أمثال رودي جولياني وسيدني باول، اللذين قادا بعض الدعاوى القضائية الفاشلة بهدف قلب نتائج الانتخابات في الولايات المتأرجحة، استراتيجية بارعة إلى حد كبير عندما يلاحقه مدعون عامون عدوانيون. ومن المؤكد أن ترمب يواجه ملاحقة في نيويورك (بسبب الضرائب) وربما في جورجيا (بسبب اتصالاته التي طالب بها الولاية بـ”العثور” على أصوات تقلب النتائج)، وربما في واشنطن العاصمة وعلى الصعيد الفيدرالي. والقائمة طويلة.
قبل الانتخابات زعم زميلي شون أوغرادي أن جو بايدن لا بد أن يمنح ترمب العفو الرئاسي الكامل للسماح لأميركا بالتعافي، على غرار العفو الذي منحه جيرالد فورد لريتشارد نيكسون عام 1974. وزعم فورد أن قبول رئيسه السابق العفو كان بمثابة اعتراف بالذنب وأن الوقت حان للتطلع إلى الأمام، أو التحرك إلى الأمام كما قد نقول اليوم.
لكن هذا، سبق تتويج محاولات ترمب قلب نتيجة الانتخابات بأعمال الشغب المميتة التي لا تزال أميركا تترنّح بسببها. ولم يعد من الممكن سياسياً أن يتخذ بايدن هذه الخطوة، حتى لو كان راغباً في ذلك (لم يساعد العفو عن نيكسون قط ترشيح فورد لولاية جديدة).
وتواجه شركات ترمب أيضاً تحديات. لقد تعرض قطاعا العقارات والضيافة إلى ضربة شديدة بسبب الجائحة. والواقع أن عمليات ترمب تعاني ديوناً كبيرة، ضمِن بعضها هو شخصياً، وقد يتبين أن إعادة تمويلها أمر بالغ الصعوبة. فسلوك ترمب كان سبباً في ابتعاد المقرضين. حتى “دويتشه بنك”، الذي كان سابقاً مخلصاً له، قطع صلاته به. هل يلوح في الأفق إفلاس آخر؟ هذا تكتيك استخدمه في الماضي.
أما الأمر المزعج، فهو أن ترمب يمتلك ورقة قوية محتملة. فالأمور التي جعلته منبوذاً في نظر البعض جعلته مزيجاً من البطل والشهيد في أعين مؤيديه المخلصين. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الملايين منهم صدقوا ادعاءاته التي لا أساس لها من الصحة في شأن سرقة الانتخابات ولا يزالون يدعمونه.
وبينما أظهر آخر استطلاع للرأي أن نسبة الموافقة على عمله انخفضت إلى 29 في المئة، وهو أدنى مستوى على الإطلاق، لا يزال يعني أن 29 في المئة من الأميركيين كانوا مستعدين للقول إنه كان يؤدي عملاً طيباً على الرغم ممّا حدث في واشنطن العاصمة، ناهيك عن العدد المتصاعد لضحايا فيروس كورونا وفضلاً عن كل شيء آخر. وتوازي النسبة واحداً من كل ثلاثة أميركيين وهذا ليس بقليل في بلاد ذات كتلة سكانية كبيرة جداً.
وكانت العلامة التجارية لترمب تعني الترف، وإن كان ترفاً من نوع مبتذل، ذلك النوع الذي قد يتبرأ منه الأثرياء حقاً، لكنه يبدو كأنه يتمتع بجاذبية في نظر أولئك الذين يتمتّعون بقدر كاف من الدخل المتاح لهم، فيرغبون في التباهي به من خلال إظهار عضويتهم في نواديه للغولف أو إقامتهم في فنادقه.
والآن؟ الآن، ترمز العلامة التجارية إلى “جعل أميركا عظيمة مجدداً” MAG. إذاً فإن خطوة ترمب التالية واضحة: تسويق “جعل أميركا عظيمة مجدداً”. ومما سيعقد الأمر حظر ترمب من مواقعه المفضلة لوسائل التواصل الاجتماعي. لكن من الجدير بالملاحظة أنه جمع أكثر من 200 مليون دولار أميركي على خلفية هذه المزاعم الزائفة من جيوب أنصاره (حتى ولو عانى البعض منهم منذ ذلك الوقت من ظاهرة ندم [لتصديقهم ادعاءات ترمب].
إنه مجال تنافسي يدخل إليه ترمب، ومليء بالأشخاص الذين ساعدوا في تيسير صعوده. سيبدو إنشاء إمبراطورية إعلامية باسم “جعل أميركا عظيمة مجدداً” بعيد المنال نظراً إلى مدى رسوخ شبكة “فوكس نيوز” التلفزيونية، حتى بعدما تضرر تصنيفها من ترويج ترمب لمؤسسات منافسة مثل “نيوزماكس” التي فاقتها يمينية (ما لم يدخل في شراكة مع إحداها وعلينا مراقبة هذا المجال).
ثمة أيضاً، عجزه الواضح عن إدراك كيفية التراجع عن حافة الهاوية. لكن هذه العلامة التجارية، العدوانية، المخوّلة، المستندة إلى نظريات المؤامرة، الخالية من الخجل، لديها من الأنصار ما يكفي لتحقيق ثروة. والواقع أن ترمب يمتلك أيضاً قاعدة بيانات هائلة من هؤلاء الأتباع، في وقت تساوي ذهباً.
من غير المرجح أن يتراجع الرئيس “الكابوس” الأميركي إلى خلفية مربحة كما حدث مع الآخرين. فالكابوس لم ينته بعد، لكن هذه المسائل القانونية قد تؤدي إلى إسدال الستار عليه.
© The Independent