الفريق الذي اختاره جو بايدن لمعاونته يضم “نجوم” التفاوض على الاتفاق النووي
رفيق خوري كاتب مقالات رأي
يبدأ اليوم الرئيس جو بايدن ولايته في مناخ داخلي محموم وخارجي مأزوم. والشرق الأوسط في طليعة المناطق التي تتجاور فيها حرارة الرهان عليه وبرودة الموقف منه.
فالبارز في “تركة” الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، إلى جانب “إتفاق إبراهيم”، هو “الضغط الأقصى” على ايران بعد خروج أميركا من الإتفاق النووي.
والصورة تبدو في الشكل، ملائمة لسهولة القراءة فيها لدى المراهنين على عودة سريعة الى الإتفاق النووي، وعند المتخوفين من أن تكون رئاسة بايدن “ولاية ثالثة” للرئيس باراك أوباما. لماذا؟ لأن ملامح الصورة خادعة لجهة التصور أنها عودة بالزمن الى ما قبل أربع سنوات: بايدن كان نائب أوباما.
والفريق الذي اختاره لمعاونته يضم “نجوم” التفاوض على الاتفاق النووي : جون كيري، وليم بيرنز، جايك سوليفان، وانتوني بلينكن، وهم عملوا في إدارة أوباما.
والفريق الايراني في المفاوضات والإتفاق باقٍ في السلطة حتى يونيو (حزيران) المقبل: حسن روحاني، محمد جواد ظريف، وعلي أكبر صالحي وسواهم، حيث عملوا بإشراف المرشد الأعلى علي خامنئي.
لكن المشهد ليس بسيطاً. واللعبة بين واشنطن وطهران أشد تعقيداً مما في الخطاب والعمق. أوباما، كما قال أيام ادارته توم دونيلون المقرب من بايدن، “يدير ماكينة مركزية من دون خبرة في السياسة الخارجية، ومن دون استراتيجي في البيت الأبيض مثل كيسينجر وبريجنسكي”. وهو اختار تبسيط اللعبة مع ايران، ضمن تصور “إرتجالي” لشرق أوسط منقسم بين “محور شيعي” بقيادة ايران و “محور سني” بقيادة الإخوان المسلمين.
بايدن المخضرم والخبير في السياسة الداخلية والخارجية لم يكن صاحب القرار. ومن الصعب رؤية بايدن الرئيس يتجاهل خبرته وتعقيدات المشهد الشرق أوسطي، ويعود إلى تبسيط الصورة مع ايران، فلا هو مستعجل، حيث أولوياته متعددة.
ولا خامنئي مستعجل، ولا العودة ممكنة حتى تقنياً إلى ما كان عليه الوضع، كما قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لأن ايران أحدثت وضعاً جديداً بخروجها المتدرج من قيود الاتفاق.
ذلك أن إدارة بايدن تريد العودة أولاً إلى حلفائها الأوروبيين وإشراكهم الى جانب أصدقائها العرب في المفاوضات. وما تطلبه كما قال بلينكن المعين وزيراً للخارجية ، ليس فقط سد الثغرات في الاتفاق النووي بل أيضاً التفاوض على الأمور التي تركها أوباما حين رفضت طهران البحث فيها. وهي الصواريخ الباليستية، والسلوك الايراني “المزعزع للاستقرار” في الشرق الأوسط. وهذا ما تطالب به فرنسا وألمانيا وبريطانيا. وأحدث ما قاله جايك سوليفان مستشار الأمن القومي هو أنه “يجب التفاوض على برنامج إيران للصواريخ الباليستية من أجل العودة الى الإتفاق النووي”.
وهناك بالطبع مسألة التدخل الايراني في الشؤون الداخلية للمنطقة وإقامة ميليشيات في العراق وسوريا ولبنان ودعم الحوثيين في اليمن و “الجهاد الإسلامي” و “حماس” في غزة.
في المقابل، فإن ايران التي طبقت أمر خامنئي: “لا تفاوض خارج الملف النووي”، ترفض اليوم إعادة التفاوض على الاتفاق، وتعتبر أن الصواريخ والنفوذ في المنطقة “خط أحمر” .
الأدميرال علي شمخاني “أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي” يطالب أميركا، “لا فقط بإلغاء شامل ونهائي للعقوبات كخيار وحيد لعودتها إلى الإتفاق، بل أيضاً بتعويضات مالية عن العقوبات والإعتذار عن مغادرة إدارة ترمب للاتفاق وإدانة اغتيال سليماني”.
ويعتبر خامنئي أن الصواريخ هي جزء من الدفاع عن “الأمن القومي”، والنفوذ في المنطقة من أسس “الثورة الإسلامية”. وهو “ليس مصراً على عودة أميركا الى الاتفاق بل على رفع العقوبات”.
أما التدخل الايراني في المنطقة، فإنه في رأيه، “يحقق الاستقرار ويهدف إلى منع الإضطرابات، وهو تدخل حتمي ومستمر”. والسؤال هو: هل هذه المواقف سقوف عالية قبل التفاوض أم أنها خيارات استراتيجية ثابتة؟ وهل التفاوض محتمل قبل الانتخابات الرئاسية الايرانية في يونيو (حزيران) المقبل أم بعدها؟
المفارقة أن طهران التي راهنت على سقوط ترمب وفوز بايدن تضع كل الحواجز الممكنة أمام الرئيس الجديد. وليس من المفاجآت قول روحاني أن “نهاية ترمب إحدى علامات انتصار ايران”. فمن “أصول” الخطاب في جمهورية الملالي إعتبار ان كل ما يحدث في المنطقة والعالم “انتصار لايران”. ومن الوسائل التقليدية في توجيه “الرسائل” عرض العضلات العسكرية براً وبحراً وجواً في مناورات متكررة.
مهما يكن الجواب، فان المؤكد هو صعوبة التفاوض. واللافت أن جمهورية الملالي هي “النظام الثوري” الوحيد الذي يفتقر إلى “القوة الناعمة” فيبالغ في عرض “القوة الخشنة ” التي لا تخيف أميركا.