عندما سيعتلي الرئيس المنتخب جو بايدن منصة التنصيب يوم الأربعاء، فإنه سيؤكد في خطابه المنتظر على “توحيد البلاد”، لكن هذه الكلمة لن تمر بسهولة، فالانقسام وصل إلى حد التمرد على نتائج الانتخابات، بينما شهد الكونغرس اقتحاما يمثل اعتداء على أقوى ديمقراطية في العالم.
وسيواجه بايدن، الذي سيتولى الحكم في الولايات المتحدة، الأربعاء، جملة من المشكلات المستعصية التي واجهها عدد قليل من أسلافه عند تنصيبه.
غير أن الأمر الأكثر خطورة هي الأجواء المشحونة منذ الفترة الانتقالية، وخاصة مع مزاعم ترامب وأنصاره بأن الانتخابات قد سرقت، الأمر الذي لم يحدث في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
ويخشى البعض من حدوث أزمة في البلاد، ذلك أن التشكيك في نتائج الانتخابات، يعني أن الرئيس الفائز مطعون في شرعيته، على الأقل لدى فئة من الشعب، وهذا ما قد يكون مقدمة لإثارة القلاقل.
ويعتقد كثيرون من أنصار ترامب بأن بايدن فاز في الانتخابات عن طريق التزوير، رغم أن القضاء الأميركي أسقط كل الدعاوى التي طعنت بصحة النتائج.
ويحفل التاريخ الانتخابات الأميركية بنزاعات عديدة على خلفية نتائج الانتخابات، لكن واحدة منها وصلت إلى حد الحرب الأهلية عام 1860.
وربما يحتاج توحيد الأمة الأميركية إلى اتخاذ تدابير عقابية أقل شدة، وهذا ما قد يذهب إليه بايدن، على ما يقول خبيرة الشؤون السياسة الأميركية، أليسون رينتل، التي توقعت أن يثير الأمر خيبة الذين يطالبون بإنزال أشد العقوبات على مقتحمي الكونغرس وداعيمهم.
ورغم أن بايدن اعتاد إلقاء الكلمات طوال العقود في مبنى الكونغرس، حيث كان عضوا في مجلس الشيوخ، لكن الكلمات التي سيلقيها في خطاب التنصيب، الأربعاء، ستكون أكثر أهمية بكثير.
خطاب صعب جدا
وتقول شبكة “سي أن أن” إن بايدن يحضر لخطاب التنصيب منذ مطلع نوفمبر الماضي، حيث ألقى خطاب النصر، في ولاية ديلاوير، لكن المهمة راحت تصعب شيئا فشيئا على بايدن، مع استمرار منافسه الجمهوري ترامب في ترديد مزاعم لا أساس لها عن سرقة الانتخابات، الأمر الذي يفاقم الانقسام في أميركا.
ويساعد بايدن في كتابة الخطاب ذي الأهمية القصوى، نخبة من الخبراء المخضرمين أمثال مستشاره القديم مايك دونيلون، والمؤرخ وكاتب سير الرؤساء الشهير، جون ميتشام، ومع ذلك المهمة ليست سهلة.
ويبدو خطاب بايدن الأكثر تحديا في تاريخ الرؤساء الأميركيين مثل عهد فرانكلين رزوفلت، الذي تولى السلطة في وقت كانت أميركا تغرق في أسوأ أزماتها الاقتصادية مطلع ثلاثينيات القرن الماضي.
ويخضع الخطاب لسرية شديدة، لأن بايدن يريده رسالة جيدة لكل الأميركيين ولأنه قد يدخل عليه تعديلات بين لحظة وأخرى، لكن البعض يتوقع أن يحمل شيئا من خطاب النصر عندما طالب بالتخلي عن الخطاب المتشنج في الانتخابات.
الديمقراطيون اتهموا ترامب بتحريض أنصاره لاقتحام الكونغرس
توحيد الأميركيين
ويقول تقرير لجامعة جنوب كاليفورنيا إن الديمقراطية الأميركية في خطر، خاصة مع محاولة بعض الجمهوريين من أنصار الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، الانقلاب على نتائج الانتخابات عبر اقتحام الكونغرس.
وطرح تقرير الجامعة الأميركية سؤالا مفاده أنه في ظل هذا الانقسام غير المسبوق: كيف يمكن لبايدن توحيد البلاد المنقسمة وإعادة الثقة بالديمقراطية؟
ويقول روبرت شروم، الخبير الاستراتيجي في الحزب الديمقراطي، إن من أكبر التحديات التي تواجه الرئيس المنتخب استعادة بعض من المواطنة المشتركة، والولاء للدستور للعلمية الديمقراطية”.
ويتابع شروم: “لا يمكن للديمقراطية أن تنجح، إذا كنت في كل مرة تخسر فيها (الانتخابات)، وتقول لقد سرقت مني، أو إذا كنت تظن أن منافسيك هم أعداء لدودين (…) هذا سيدمر الديمقراطية”.
ويرى شروم أن مهمة توحيد الشعب، وهي صعبة للغاية، تتزامن مع أزمتين لا تقل خطورة وحلها يتطلب عملا شاقا، وهما فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية، التي تتجلى أبرز ملامحها في البطالة المستشرية.
اقتحام الكابيتول هز صورة الولايات المتحدة كأكبر ديمقراطية
أما أستاذة العلوم السياسية في جامعة جنوب كاليفورنيا، أليسون رينتل، فتقول إن بايدن سيتولى السلطة في وقت تبدو أميركا ومعها العالم مقلوبين رأسا على عقب.
وتضيف:”يبدو الأمر وكأنه كابوس لا ينتهي، فنتيجة للوباء والتمرد والأزمة الاقتصادية، يظهر الإحباط بصورة غير مسبوقة”.
واعتبرت أن الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى قيادة قادة على التخفيف من القلق الهائل والمعاناة والخوف.
وقال أستاذ السياسة العامة، ويليام ريش، إن أميركا لم تشهد في تاريخها الحديث فترة انتقالية كانت فيها الإدارة المنتهية ولايتها مجردة من حسن النية، كما مع إدارة ترامب.
وأضاف أن الرؤساء وأعضاء الكونغرس عملوا على مدى عقود لتأمين انتقال سلمي للسلطة بصورة منتظمة وبعيدا عن التحزب.
ورأى الأستاذ الجامعي أن ما حدث في أميركا “كارثة” تضر باستعدادات الدولة وقدرتها على مواجهة الأزمات السياسية ومكانة الولايات المتحدة في العالم.
واشنطن.. “ما قبل التنصيب”
4+
التنصيب ليس النهاية
ومن ناحيته، يرى أستاذ الأمن القومي في جامعة جنوب كاليفورنيا، إيرول ساثرز أن يوم التنصيب لا يجب أن يرى بأنه خط النهاية وأن خطر المتطرفين قد تراجع.
وأضاف أن التحول من التطرف إلى العنف لا يحدث بين عشية وضحاها، كما أن إقناع شخص ما بالعودة عن التطرف ليس أيضا بالأمر اليسير، ولا ينجح دائما.
وتابع: “حتى لو تم التعرف على كل الذين شاركوا في اقتحام الكابيتول وتم اعتقالهم ومحاكمتهم، فإن المتطرفين سيبقون”.
وتقول مديرة مركز الديمقراطية الشاملة، ميندي روميرو: “الهجوم (على الكونغرس) انتهى، لكن التهديد لم ينته”.
وترى روميرو أن على الشعب الأميركي الكثير مما ينبغي القيام به لضمان انتقال السلطة إلى الإدارة المقبلة، وهذا يحتاج مكافحة العنصرية التي تغذي الإرهاب المحلي”.