تباين أداء الاقتصاد في منطقة اليورو واستمرار أزمة كورونا يزيد مخاطر الائتمان
أحمد مصطفى صحافي متخصص في الشؤون الدولية
لا يتوقع أن تظهر تأثيرات خطط الدعم الاقتصادي وتحفيز النمو التي أقرتها المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي نهاية العام الماضي قبل النصف الثاني من عام 2021. ومع استمرار أزمة كورونا، وعدم السيطرة عليها حتى الآن، يظل التأثير السلبي للوباء بين العوامل الأساسية التي يستند إليها التصنيف الائتماني لدول منطقة اليورو ما بين الـ12 إلى الـ18 شهراً المقبلة، حسب تقرير حديث من مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني.
ويخلص التقرير إلى أن النظرة المستقبلية للاقتصاد الأوروبي في المتوسط سلبية طوال 2021، مع توقع استمرار عدم اليقين بالنسبة إلى السيطرة على الوباء، وتوفير التمويل للدول الأكثر عرضة للآثار السلبية منه، بالتالي ضعف ثقة المستثمرين. إلا أن التقرير يشير إلى تأكيد البنك المركزي الأوروبي أنه مستعد لاتخاذ أي إجراءات يتطلبها الوضع لتخفيف أضرار أزمة كورونا باعتباره عاملاً إيجابياً يخفف من التأثير السلبي للعوامل الأخرى. وبينها، إلى جانب مؤشرات الاقتصاد الرئيسة، أكثر من انتخابات في أوروبا هذا العام قد تحمل بعض المخاطر وتزيد الضغوط الاجتماعية في مختلف أنحاء أوروبا.
التعافي الأوروبي
تتوقع مؤسسة موديز في تقريرها أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو في المتوسط خلال 2021 عند 4.6 في المئة، وهي نسبة متواضعة إلى حد ما مقارنة مع توقعات نمو الاقتصاد العالمي عند 5.2 في المئة.
وشهدت اقتصادات دول منطقة اليورو في المتوسط انكماشاً خلال 2020، عام الوباء بنسبة 7.7 في المئة، بينما ستستفيد في 2021 من سهولة الاقتراض وقلة كلفته بالنسبة إلى الأسر والشركات على السواء، مع إبقاء البنك المركزي الأوروبي على سياسة التيسير الكمي، وسعر فائدة في منطقة اليورو منخفض جداً. الأمر الذي سيضيف إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي بدء الأسر في الإنفاق مما ادخروه خلال فترة الوباء العام الماضي، إذ يمثل الإنفاق الاستهلاكي النسبة الأكبر من معدل النمو في الاقتصاد.
لكن ذلك النمو سيشهد تبايناً كبيراً بين دول منطقة اليورو ويجعل التعافي الأوروبي غير متساو، وتعتبر موديز ذلك من بين العوامل السلبية التي تؤثر في النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني للمنطقة كلها.
على الرغم من أن التقرير يشير في جداول المقارنة مع مناطق العالم المختلفة إلى أن منطقة اليورو كانت الوحيدة التي شهدت العام الماضي رفع التصنيف الائتماني لبعض قطاعاتها، مقارنة مع خفض التصنيف الائتماني من قبل موديز في بقية مناطق العالم.
تباين كبير
وفي تفصيل التباين بين الاقتصادات الأوروبية، نجد في جدول مقارنة توقعات النمو لعام 2021 مع العام الماضي، أن الدول التي شهدت انكماشاً أكبر ستشهد أكبر معدلات نمو خلال العام الحالي. على سبيل المثال، شهد الاقتصاد الإسباني انكماشاً بنسبة 11.4- في المئة، ويتوقع أن يشهد نمواً إيجابياً 6 في المئة. كذلك الحال مع دول مثل فرنسا وإيطاليا والبرتغال. إذ شهدت فرنسا انكماشاً في 2020 بنسبة 10.2- في المئة، ويتوقع أن ينمو اقتصادها 5.3 في المئة. وانكمش اقتصاد البرتغال 9.5- في المئة العام الماضي، ويتوقع أن ينمو 5.2 في المئة. أما إيطاليا فقد انكمش اقتصادها 9- في المئة العام الماضي، ويتوقع أن ينمو 5.6 في المئة.
هناك بعض الدول التي شهدت انكماشاً أقل مما كان متوقعاً، لكن لا ينتظر أن تنمو اقتصاداتها بقدر كبير خلال 2021. وأهم مثال على ذلك ألمانيا، التي تملك أكبر اقتصاد في منطقة اليورو ويعد قاطرة أداء المنطقة ككل. فقد شهد اقتصادها انكماشاً العام الماضي بنسبة 5- في المئة، لكن مؤسسة موديز لا تتوقع أن ينمو بأكثر من 3.8 في المئة هذا العام. كذلك الحال مع هولندا التي انكمش اقتصادها بنسبة مماثلة لنظيره الألماني العام الماضي، ويتوقع أن ينمو 3.5 في المئة.
تبقى هناك اقتصادات في منطقة اليورو لم تنكمش كثيراً في عام الوباء، لكنها قد لا تشهد نمواً كبيراً أيضاً خلال 2021. مثال ذلك إيرلندا، التي انكمش اقتصادها 3- في المئة في 2020، ويتوقع تقرير موديز أن ينمو 2 في المئة.
عوامل أخرى
وكما اعتبر تقرير مؤسسة موديز التباين بين أداء اقتصادات دول منطقة اليورو أحد العوامل السلبية في تقدير النظرة المستقبلية للوضع الائتماني ككل، أشار أيضاً إلى عوامل أخرى. بينها انقسام آخر بين شمال أوروبا وجنوبها في مدى الضرر من استمرار أزمة كورونا.
ومع استمرار ضعف الطلب على السياحة وقطاعات الضيافة عامة، سيكون تضرر دول مثل اليونان وقبرص وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا من عدم السيطرة على الوباء بسرعة أكبر من ذلك الذي سيقع على اقتصادات دول شمال أوروبا.
أما الدول التي يشكل قطاع التجزئة والتصنيع القدر الأكبر من اقتصادها فستشهد أداء أفضل هذا العام. على سبيل المثال، دول مثل سلوفينيا، إذ يشكل قطاع التصنيع فيها نسبة 38 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي (مقارنة مع متوسط 23 في المئة في دول اليورو عامة) ستستفيد من انتعاش قطاع التصنيع ما يجعل أداء اقتصادها أفضل.
يضاف إلى ذلك عوامل سابقة على أزمة كورونا، منها الاختلالات الهيكلية في بعض القطاعات الاقتصادية في دول منطقة اليورو. كما أن إستراتيجيات الخروج منها ليست قوية وواضحة بالقدر الذي يحول دون تلافي أضرار طويلة الأمد.
وعلى الرغم من أن حزم الدعم والتحفيز من المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي تعد عوامل إيجابية عند تقدير التصنيف الائتماني، فإن تقرير موديز يشير إلى مشكلة حكومات دول منطقة اليورو في ضبط الدين الحكومي، التي ستمثل تحدياً كبيراً، خصوصاً مع هشاشة التعافي الاقتصادي من أزمة كورونا.