“لو أرادت الإدارة الفلسطينية القبول بشيء مماثل لقبلت بخطة ترمب للسلام بقيمة 50 مليار دولار”
و حركة “حماس” غاضبة جداً من إعادة السلطة الفلسطينية علاقاتها كاملة مع إسرائيل وعودتها إلى التنسيق الأمني واتخاذها قراراً بإرجاع سفيرَيها إلى الإمارات والبحرين، كما من سعي الرئيس محمود عباس الجادّ لإحياء مفاوضات السلام ونيّته تدشين علاقة جيدة مع الإدارة الأميركية المقبلة.
جملة هذه القرارات، جعلت الحركة تتهم السلطة الفلسطينية بأنها لم تتّخذ تلك الخطوات مجاناً، وقبلت بصفقة كبيرة، خصوصاً بعد كشف رئيس الوزراء محمد أشتية “عن استلام أموال المقاصة، إلى جانب ورقة التزامات من إسرائيل تعهدت خلالها الوفاء بالاتفاقيات المبرمة سابقاً مع الفلسطينيين، وأن السلام هو ما سيريح الجانبين بغض النظر عمن سيقوم بذلك”.
صفقة مقابل إعادة العلاقات
وقال وزير الأسرى السابق في الحكومة التي ترأسها إسماعيل هنية، والقيادي البارز في حركة “حماس” وصفي قبها إن قرار السلطة الفلسطينية استئناف العلاقات مع إسرائيل، إلى جانب قرار إعادة سفيرَيها إلى أبو ظبي والمنامة وراءهما صفقة مشبوهة، وهذا ما علمناه، لتخدم مصالح القيادة في رام الله وتمكّنها من البقاء في الحكم.
وبحسب قبها، فإنه على إثر فوز الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، جرت اتصالات مكثفة بين رام الله وتل أبيب وجهات عربية وغربية، حصل خلالها محمود عباس على وعود سياسية ومالية، مقابل إعادة العلاقة إلى طبيعتها السابقة وعدم اعتراضه على تدشين دول عربية علاقات كاملة مع إسرائيل.
ورأى قبها إلى أن إدارة عباس لم تحقق أي إنجازات سياسية، وبالعادة تتراجع عن جميع قراراتها من دون أي ثمن لصالح القضية أو الشعب، واصفاً قراراتها الأخيرة بأنها “غير وطنية” مضيفا أنها فضّلت العلاقة مع إسرائيل على المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، مقابل كلام معسول تنوي الإدارة الأميركية الجديدة تقديمه إلى الفلسطينيين طبقا لتعبيره.
أموال المقاصة ليست صفقة
في المقابل، نفت حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية ذلك، إذ يقول نائب مفوض العلاقات الدولية في السلطة عبد الله عبد الله، “لا أدري من أين أتت قيادة حماس بهذه الأكاذيب، لا يوجد شيء حقيقي منها، لو أرادت الإدارة الفلسطينية القبول بصفقات، لقبلت بخطة ترمب للسلام بقيمة 50 مليار دولار، لكن أصرّت على الثوابت الوطنية التي أقرّها القانون والشرعية الدولية، على الرغم من الضغوطات والتهديدات التي تعرّضنا لها”.
وأوضح أن الاتفاقيات مع إسرائيل هي اتفاقيات إدارية، وليست لها صلة باستحقاقات الشعب الفلسطيني، وعودة العمل بموجبها وإعادة العلاقات بين الطرفين إلى جانب التنسيق بشقّيه المدني والأمني، جاء خدمة لمصالح المواطنين الحياتية.
وفي ملف العلاقات مع الإدارة الأميركية، كشف عبد الله عن وجود اتصالات حقيقية مع واشنطن، وهذا الأمر لا يعدّ جريمة، لافتاً إلى أنه في حال اتّبع بايدن نهج سلفه، سنعمد إلى قطع هذه الاتصالات من دون تردد.
وفي حال كانت قيادة “حماس” تقصد بالصفقة الكبيرة قبول السلطة الفلسطينية استلام أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل بالنيابة عن الفلسطينيين، بعد رفض تسلّمها لأكثر من ثمانية أشهر، ردّ نائب مفوض العلاقات الدولية في السلطة أن هناك اتصالات مكثّفة جرت من وسطاء بغية قبول الأموال، وهي للفلسطينيين، في حين تريد “حماس” التغطية على تعطيل التقارب السياسي الفلسطيني والذهاب إلى مصالحة وطنية.
عمق عربي لقضيتنا
وعن إعادة السفيرين إلى أبو ظبي والمنامة، أكد أن الإمارات ومصر والأردن والبحرين، هي العمق العربي لفلسطين وسط تغيرات في المنطقة، مشيراً إلى أنه لا يوجد فيتو على أي اتصالات مع كل دول العالم من أجل المصلحة الوطنية.
وفي الحقيقة، يبدو أن هناك تحوّلاً دولياً وعربياً باتجاه دعم القضية الفلسطينية، إذ أكدت المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة لانا نسيبة موقف بلادها من حلّ القضية على أساس يلبّي التطلعات المشروعة للفلسطينيين، وكذلك طرح ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة استضافة المنامة لقمة فلسطينية إسرائيلية لاستئناف المفاوضات المتوقفة بين الجانبين.
واقعياً، يُجمع قادة الفصائل والمراقبون السياسيون أن ثمة تحوّلاً مفاجئاً في قرارات السلطة الفلسطينية، ويصفونه بـ”المشبوه ويحتاج إلى تفسير”، خصوصاً أن “أبو مازن” كان قد جزم بفشل مسار المفاوضات أثناء اجتماع ضمّ القادة الفلسطينيين، أكد خلاله أنه متّجه إلى قطيعة دائمة مع إسرائيل.
تدخل النرويج
وتشير مصادر مطلعة إلى أن قرارات السلطة الفلسطينية الأخيرة جاءت نتيجة وساطات أوروبية، نرويجية تحديداً، إضافة إلى تدخلات من الأردن ومصر، من منطلق قناعة أنه ما لم يحصل اختراق في مسار العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين في عهد بايدن، فعلى العالم أن يودّع فكرة حل الدولتين ومرجعيات السلام والاتفاقيات المسبقة.
ولا ينفي عبد الله ذلك، قائلاً، “هناك اتصالات من النرويج لأنها هي بالأساس ترأس لجنة الدول المانحة للسلطة الوطنية الفلسطينية، وتدخلت إلى جانب الأمم المتحدة في قبول أموال المقاصة، وليس لطرح صفقة مالية، واتصالات العرب لعقد مؤتمر للسلام”.
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الفلسطينية مخيمر أبو سعدة أن ما دفع عباس إلى القبول بإعادة السفراء إلى الدول التي بنت علاقات مع إسرائيل، حصوله على وعود دولية كبيرة، في إحراز تقدّم على صعيد الملف الفلسطيني، وأن موقف الإدارة الأميركية الجديدة مغاير عن عهد ترمب.
موقف محرج
في الحقيقة، جاء إعلان السلطة لعلاقاتها مع إسرائيل، في الـ 17 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قبل إعادة بعثتها الدبلوماسية وسفيرَيها إلى أبو ظبي والمنامة، في الـ 20 من نوفمبر.
ويشير أبو سعدة إلى أن عودة التنسيق والالتزام بالاتفاقيات الموقعة، وضع القيادة الفلسطينية في موقف محرج أمام العرب، في حين كان عباس يطالب بعدم عقد اتفاقيات مع تل أبيب، وهو الآن يفعل ذلك، لذا قرر إرجاع السفراء إلى مراكزهم في ظل وجود علاقات فلسطينية إسرائيلية.
وعن القبول بصفقة كبيرة، أو خضوع السلطة الفلسطينية لأيّ ضغوطات عربية ودولية، يستبعد أبو سعدة ذلك، قائلاً، “لا يوجد ما تقدّمه أو تضغط فيه أي جهات على عباس الذي خسر كل شيء، كل ما في الأمر وعود بتغيير مواقف دولية وأميركية بالتحديد”.
عز الدين أبو عيشة