عمان – «القدس العربي»: يبدو رقماً مرعباً ويوحي ضمنياً بما هو مرعب أكثر. قطاع المطاعم في الأردن خسر وحده نحو 300 مليون دينار على الأقل خلال مرحلة الفيروس كورونا بسبب سياسة الحظر الشامل والجزئي وهواجس المرض الذي أقلق الناس وأغلق أكثر فايروسمن أربعة آلاف محل ومنشأة في هذا القطاع الذي بدأ يخرج من المعادلة والأسواق.
ملاذات آمنة
يصر رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيفيروسق، وحتى في الاجتماعات المغلقة، على التحدث بواقعية عن مسار الأحداث، ولا يجد ما يمنعه بين الحين والآخر من استعمال مفردة «منكوب» عند التحدث عن خسائر بمئات الملايين من الدولارات في العديد من القطاعات، من بينها قطاع المطاعم والصالات وأماكن الترفيه، وسلسلة لا متناهية من المحلات تجارية الطابع. والخوف أكبر على ما تبقى من نشاطات توفر الحد الأدنى للقطاع التجاري.
ومؤخراً، طلب تجار وأعضاء جمعيات النشاط السياحي من وزيري الصحة والصناعة والتجارة في الحكومة التجول بين المرافق والأحياء غربي العاصمة لرصد عدد اللافتات التي تعلن..»المحل مغلق» أو تكتفي بكلمة «للبيع». والخوف أكبر أيضاً على الأمن الغذائي والزراعي والصناعي، لكن تلك ملفات ومسائل بدأت تناقش على المستوى السيادي العميق وليس على المستوى التنفيذي والحكومي فقط، حتى وإن كانت وزارة الصحة تتحدث عن ما تسميه بالاستقرار الوبائي، بمعنى ثبات عدد الإصابات الكبير وعدم تضاعفها أو زيادتها، بما في ذلك حالات الوفاة.
مجدداً، يصر خبراء ومستشارون بينهم الحاج توفيق والدكتور محمد الحلايقة ومحمد الرواشدة، على مقاربة واستراتيجية وطنية أكثر عمقاً في إطار محاصرة واحتواء وتحديد وترسيم القطاعات الخاسرة، وإيجاد وتوفير ملاذات آمنة للتفكير خارج المربع والعلبة، والبحث في تسييل بعض الأموال في الأسواق. والجميع حتى في الحكومة ومجلس الوزراء بدأ يعود في الأردن إلى ما اقترحه وحذر منه في بداية الأزمة رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، عندما قال بأن الدينار اليوم في يد المواطن والأسواق أفضل منه بكثير في جيب الحكومة أو البنوك. لكن الحكومة لديها محاذير في مسألة التدخل بتسهيلات وتدفقات القطاع البنكي، ورئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة يلمح إلى أن الخزينة لا يوجد لديها بند تعويضات لتحريك الأسواق.
وحتى وزير المالية الدكتور محمد العسعس، يقر بذلك ضمنيا، لكن يتحدث عن تقييم واقعي للإمكانيات المالية، فيما لا تجد الحكومة وخلفها السلطة آلية مضمونة لإقناع البنوك بضخ قدر من الأموال في الأسواق لأغراض التنشيط وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولذلك أسباب، برأي التقديرات المتشددة التي يغطيها البنك المركزي وكبار البنوك والمصارف. والمعنيون هنا يتحدثون عن حماية القطاع المصرفي وأموال البنوك ومنع أزمة الفيروس وتداعياتها من الإخلال بالمعادلة المالية لبنوك القطاع الخاص، وعلى أساس ما سمعته «القدس العربي» سابقاً من وزير المالية الأسبق عمر ملحس، القائل بأن قصة النجاح الواضحة والحاسمة في الاقتصاد الأردني هي تلك المعنية بالقطاع البنكي والمصرفي فقط.
المخاوف بالجملة في هذا المسار، والفرصة قد لا تكون متاحة للاسترسال في قراءات متأنية، والجميع يضغط من أجل اتخاذ إجراءات وخطوات على الأرض من الصعب إنكار أهميتها. لكن في الأفق الاقتصادي، في المقابل، سردية منسية؛ فبعض كبار السوق وفي عدة قطاعات خاصة يستطيعون المساعدة، لكن مؤسساتهم وشركاتهم ترنحت مع بدايات الأزمة كورونا، ليس بسبب تأثيرات الفيروس ولكن بسبب سياسات الحكومة السابقة برئاسة الدكتور عمر الرزاز، تحت شعار المداهمات المالية والضريبية وتحقيقات الفساد، وتحت شعار ما سمي باستعادة أموال الدولة.
شراسة… وانفعال
تلك بقيت في الواقع العملي مجرد هتافات وشعارات، فقد تمكنت حلقة المتابعة القانونية والمداهمة ولا تزال في بعض القضايا والملفات من إضعاف قطاع المقاولات مثلاً، حيث أغلقت أو أفلست عدة شركات ومؤسسات، كما تقلص الاستثمار في هذا الاتجاه، وتجمدت مؤسسات وشركات كبيرة في السوق تحت عنوان قرارات التحفظ المالي لأغراض التحقق والتحقيق. صحيح هنا أن المكاسب قد تكون في المسار الوطني كبيرة، لكن صحيح أيضاً أن تلك المكاسب لم تتحقق بعد، وأن ما حصل هو توجيه ضربات أدت إلى إضعاف وترنح قطاعات كان يمكن أن تساعد الحكومة والدولة، أو تساهم في ضخ المال، أو على الأقل لا تساهم في زيادة عدد العاطلين عن العمل.
وصحيح أن بداية أزمة كورونا كانت تتطلب إظهار الشراسة في الحرص على المال العام، لكن الصحيح المقابل أن هذه الشراسة ليس بالضرورة أن تكون حققت أهدافها العميقة، وأن النتائج كانت على شكل تداعي العديد من الشركات وإخافة قاعدة أوسع من المستثمرين والاستثمارات، خصوصاً بعد مغامرة المداهمات والتحقيقات الموسعة التي تأخرت في إحالتها للقضاء وإخضاعها لحكم القانون الحاسم العادل.
ثمة من يحاجج اليوم في إطار هذه السردية بأن المصلحة كانت تتطلب -عندما يتعلق الأمر بفتح ملفات تحت عنوان فساد أو مداهمات أو قرارات الحجز على الأموال – الاستدراك والتمحيص والحرص على سمعة العديد من الشركات التي تشوهت في القطاع الخاص، وتفعيل المبادئ في المرونة القانونية التي تسمح بتسويات مالية سريعة تنهي الأزمات والخلافات، كما تسمح بتحويل ملفات التحقيق المعنية بصورة أسرع للقضاء للفصل فيها.
باختصار شديد، ثبت اليوم بالوجه القاطع أن إحالة عدد كبير من رجال الأعمال إلى النيابة أو توقيفهم أو الحجز على أموال مؤسساتهم وعلى تأثيره في البعد القانوني العميق، لم يكن مفيداً في وقت الأزمة الفيروسية على مستوى الاقتصاد الوطني؛ فقد تقلصت قيمة شركات، وتجمدت أرصدة كان يمكن أن تتحرك بين أيدي الناس، وفقد المئات من الأردنيين وظائفهم، وتشوهت سمعة قطاعات ورموز كبيرة في الأسواق لأن العملية كانت سريعة وفي بعض الأحيان انفعالية.
مجدداً، الذي اتضح اليوم وبإقرار حتى مسؤولين في الحكومة، هو أن الدينار فعلاً بيد المواطن والسوق أفضل منه بحضن الحكومة.
واتضح أيضاً بأن الضغط على رجال أعمال أو حتى توقيفهم أو التلويح بسجنهم وبصرف النظر عن مستواهم الأخلاقي الحقيقي قد يكون مفيداً في وقت رخاء وليس في وقت أزمة، وهو مؤشر على أن مثل هذه الضغوط قد لا تعني شيئاً في النتيجة، لا للدولة ولا للمواطن ولا للاقتصاد نفسه. وعلى أساس أن لوح الزجاج عندما ينكسر يتبعثر أو يفقد قيمته.. يبدو تماماً أن ذلك حصل فعلاً.
كما يبدو أن الحكومة الحالية عليها أن تبدأ من هنا إذا ما أرادت التقدم للأمام، لكن السؤال هو: من يعلق الجرس وبجرأة؟
بسام البدارين