المتصفح للسيرة الذاتية والخبرات والكفايات الوظيفية للفريق الإقتصادي الحالي لهذه الحكومة وما سبقها من حكومات، يجد فرقاً شاسعاً وخلطاً بين ما يُسمّون قادة المال وقادة الأعمال، إلا أنهم يُمارسون دورهم كقادة أعمال وهم في الواقع -على الغالب- قادة أموال؛ بدليل واحد أن ما أضعناه من فرص لنمو وتحفيز الإقتصاد كان السبب الرئيسي فيه هو وجود قادة مال لا قادة أعمال أو اقتصاد، وتراكم هذا المفهوم لسنوات قد خلت وحتى تاريخه، فليس كل من يمتلك أموالاً هو رجل أعمال، ولكن -وبسبب الفوضى الفكرية- درجنا على إطلاق صفة رجل الأعمال على كل من امتلك أموالاً في ظل زوبعة (الوفرة الإقتصادية) ضمن ظروف اقتصادية استثنائية، أو تركة ورثة أو طرق ووسائل مختلفة، فمثل هؤلاء هم قادة المال لا قادة الأعمال أو الإقتصاد. لأنهم وبكل بساطة يتعاملون مع الظروف باعتبارها ثابتة وواقعا مستمرا ودائمة لن تزول. أما الآخرون الذين يعملون على توظيف معطيات هذا الظرف واستثمار هذه المعطيات وإدارة مردودها بالشكل الأمثل، لتصبح واقعاً مستقبلياً قابلاً للنمو والتطور والارتقاء للأفضل؛ فهؤلاء هم قادة الأعمال وبالتالي هم قادة الإقتصاد.
وكوصف عام فإن رجال الأموال أولئك الذين تكدست بين أيديهم الأموال عن طريقين وهما: الوراثة، وطرق أخرى عديدة. وهذه الأخيرة قد يدخل فيها أسلوب استغلال السلطة وما إلى ذلك من الوسائل غير المحبذة، وهذا ما يقودنا إلى السؤال التالي:-
ما الفرق بين هاتين الفئتين طالما هما معاً تملكان الأموال، وتعملان تحت نفس المظلة، أي أنهما يملكان و/أو يديران شركات ومؤسسات أو إدارات حكومية وغير حكومية؟
وللإجابة على ذلك، فهي أنك تستطيع التفرقة بينهما من عدة أمور منها:-
1 – رجل الأعمال يُمؤسس إمكانياته وقدراته الذاتية سواءً كانت أموالاً أو علاقات في سبيل المؤسسة/ الإدارة، وبالتالي فإنه يُخضع نفسه أولاً لسياسة المؤسسة أو الإدارة وعلى العكس من ذلك؛ فإن رجل الأموال يوظف كل ذلك في سبيل نفسه ورغباته الشخصية. وبالتالي فإنه وإن كان يدير أو يرأس مؤسسة فإنه يديرها وفق أهوائه ورغباته الشخصية. وباختصار فإن المؤسسة وأعني (الإدارة) في هذه الحالة تفتقر إلى التشريعات المطلوبة وإن كانت موجودة، لأن رغباته وأهواءه تصبح هي المعيار السائد في العمل.
2 – من ناحية السلوك الشخصي؛ فإن سلوك رجل الأعمال أكثر انضباطاً لأنه أولاً يعمل وفق خطط عمل علمية وعملية واضحة، يُلزم نفسه بها قبل الآخرين ممن يعملون تحت إدارته، ولأنه ثانياً عمل جُلّ وقته في سبيل تحقيق نتائج المؤسسة ورفع شأنها لأنها تعمل في إطار مشروع مؤسسي، وبالمقارنة بين النمطين السلوكيين للفئتين مدار بحث هذا المقال؛ فإننا نلاحظ -إجمالاً- وكعرف (سائد) بأن فئة رجال الأموال هي من تُحكم –سلباً وللأسف- أدواتها (الضيقة) في كل مكان.
3 – ولأن أصحاب الأموال يجعلون من أنفسهم معياراً لما يجب أن يتمأسس، فإنهم يتجهون إلى تحويل كل ما هو عام إلى خاص. لذا تجد الواحد منهم يقوم بعملية شخصنة لما هو مؤسسي، وبالتالي تجده يمتلك وفي كثير من الحالات ضغائن شخصية يُصوّبها دوماً بإتجاه من اختلف معه بالرأي، مما يدعوه لإستخدام سلطته التعسفية في إقصاء من هم أكثر علماً و درايةً منه، وخصوصا إن كان وليد (الصدفة) أو محدود الخبرة!!.
وبعد كل هذا برأيكم؛ هل تحوي حكومتنا الرشيدة قادة مال أم قادة أعمال؟ أترك لكم الإجابة من خلال الإطلاع وتقييم واقعنا الإقتصادي وما آل إليه، من خلال (فقط) مراجعة أرقام المديونية وتطوراتها، وزيادة نسبة البطالة والتضخم والترهل الوظيفي، والإفتقار الى القادة المخططين وأصحاب الخبرة والشورى عبر السنين القليلة الماضية.
عمون
م. محمد الدباس