إبراهيم درويش
نشر موقع مجلة “ناشونال إنترست” مقالا مشتركا لعمر تسبينار من جامعة الدفاع الوطني ومايكل أوهانلون من معهد بروكينغز حول ضرورة رأب
الصدع في العلاقات الأمريكية- التركية. وناقشا فيه أن من حق الولايات المتحدة انتقاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبشكل مفتوح ولكن عليها في الوقت نفسه مواجهة الواقع، فرغم ما لديه من عيوب يظل أردوغان قائدا لبلد مهم والشخص الوحيد الذي يمكن التعاون معه حتى في ظل خلافات كبيرة بين البلدين.
وتساءل الكاتبان إن كانت إدارة جوزيف بايدن المقبلة قادرة على إصلاح العلاقات مع تركيا، البلد المهم من الناحية الإستراتيجية والحليف في الناتو حيث شهدت علاقتها مع واشنطن تدهورا في السنوات الماضية؟
وفي غياب السياسة بشأن التهديدات الكبرى- روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران- فمن الصعب التفكير بموضوع أمني مهم يواجه فريق بايدن القادم. ولكن تركيا قد تكون لاعبا حيويا وتساعد الولايات المتحدة في التعامل مع هذه التهديدات أو حالة لم نعالج الموضوع الأول والأخير من هذه التهديدات بشكل جيد.
فهذه الدولة المسلمة الكبيرة الواقعة بين أوروبا والشرق الأوسط هي عظيمة أكبر مما ينظر إليها عادة. ومن هنا فسيكون هناك إغراء لدى الإدارة المقبلة لمعاقبة تركيا على عدد من التجاوزات مثل طريقة الحكم المستبدة لأردوغان وتعامله المتشدد مع أكراد سوريا، الذين لعبوا دورا في مساعدة أمريكا وحلفائها على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وكذا شراؤه منظومة الصواريخ الروسية أس-400 حيث لم يعد لدى أنقرة إلا قلة من الأصدقاء في واشنطن. وبناء على هذا فهناك من يفكر بركن تركيا أردوغان جانبا قدر الإمكان، ولكن لا.
وهناك من سيحاول في حلف الناتو الذي يضم 29 دولة طرد تركيا منه رغم عدم وجود آلية للطرد أو تعليق العضوية. وكل تحرك من هذا سيكون خطأ، فعلى الولايات المتحدة التحدث بصراحة عن استبداد أردوغان، ولكن عليها اكتشاف الواقع نظرا لأهمية أردوغان باعتباره الرجل الذي يمكن التعامل معه. وأكثر من هذا فأخطاء الرئيس التركي في النزاع السوري خلال السنوات الماضية ليست أسوأ من خطوات وفشل أمريكا في الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين. وتحملت تركيا عبء النزاع السوري مثل غيرها من جارات سوريا، فقد استقبلت حوالي أربعة ملايين لاجئ الذين كانوا سيهربون إلى أوروبا.
صحيح أن صداقة أردوغان مع بوتين تظل مصدرا للقلق. والبديل عن هذا حرب روسية- تركية قد تجر الولايات المتحدة للدفاع عن حليف في الناتو والدخول في نزاع مع موسكو سيكون أسوأ.
وبعد كل هذا فالعلاقة الروسية والتركية ليست تعبيرا عن شراكة طبيعية، فهما تقفان عن الجانبين المتعارضين للحرب في سوريا وليبيا وفي القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان. وفي عام 2015 أسقطت تركيا مقاتلة روسية على حدودها مع سوريا، وهي أول مرة تقوم بها دولة عضو في الناتو بإسقاط مقاتلة روسية منذ نصف قرن.
والأمور وإن بدت مثيرة للقلق إلا أنها قد تكون أسوأ وقد تتدهور أكثر لو لم نتلزم الحذر. وحتى ننظر للأمور بطريقة أقل خطورة علينا النظر إليها من منظور مختلف، فالتقدم في العلاقات مهم ويقتضي معالجة مشكلتين كبيرتين مع تركيا. وهما ليستا عقبتان لتحسين العلاقات الثنائية بل وخطرا أمنيا على الأمريكيين والدول الحليفة لها. ولهذا السبب تحتاج إدارة بايدن تقديم ترتيبا مشروطا للعلاقة بدلا من استخدام دبلوماسية الإكراه. فالمشكلة الملحة هي نظام الصواريخ أس-400 الذي اشترته تركيا من روسيا أما المشكلة الأقل خطورة والملحة أيضا هي سوريا.
ومشكلة أس-400 نابعة من مشاركة روسيا في تشغيله مما يعني حصولها على معلومات أمنية عن الطائرات التي تحلق فوق تركيا، خاصة أف-35 التي ستحصل عليها تركيا وساعدت في بنائها كشريك. وبدون حل المسألة تظل مسألة امتلاك تركيا لهذه الطائرات معلقة. وفي الوقت نفسه يخطط الكونغرس لفرض عقوبات مالية وعسكرية على تركيا لشرائها نظام أس-400. واختبرت تركيا قبل فترة المنظومة الصاروخية هذه لكنها لم تفعلها بشكل كامل. ولو كان أردوغان مستعدا لترتيب العلاقة من جديد فعليه التعهد بعدم تفعيل الرادارات والإلتزام بشراء منظومة متطابقة من حلف الناتو. ومقابل هذا قد تعلن إدارة بايدن عن إعادة دمج تركيا في مشروع أف-35. والتفكير بمنحها حوافز مالية وفنية لشراء منظومة باتريوت.
ويجب أن تشمل الطبيعة التعاقدية لترتيب العلاقة مع أنقرة سوريا، فالحرب هناك تخفت. ورغم دعم واشنطن المشروط للأكراد كان في مجال مكافحة تنظيم الدولة إلا أن تركيا اعتقدت أن الدعم الأمريكي هو من أجل منح الأكراد منطقة حكم ذاتي ودولة مستقلة في شمال- شرق سوريا.
وما يعقد الأمور هي أن الأكراد السوريين الذين تدعمهم أمريكا هم جزء من حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) ومن هنا فعملية ترتيب العلاقة في سوريا تحتاج إلى رقصة سياسية مختلفة. ويجب على الولايات المتحدة عدم مغادرة شمال- شرق سوريا كما يدعو دونالد ترامب، بل وعلى إدارة بايدن إثبات أن تعاونها مع أكراد سوريا هو موجه لمحاربة تنظيم الدولة.
ومقابل هذا على تركيا الإلتزام بالحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية بعد تحقيق تقدم على سلام بين تركيا والأكراد ونظام الأسد. وعندها تبدأ أمريكا بتخفيف تعاونها الأمني مع أكراد سوريا. وعلى إدارة بايدن العمل من خلف الستار للمساعدة في حل مشكلة تركيا مع الأكراد والضغط على بي كي كي لنزع أسلحته.
وبتحركات كهذه على هذه الموضوع فإننا سندخل مرحلة من الدبلوماسية التعاقدية وصناعة الأمن القومي مع تركيا. ولن تكون هناك علاقات وثيقة طالما ظل أردوغان في السلطة. ولكن يجب ألا تكون العلاقة ولا حاجة لأن تكون علاقات بين أعداء.