كيف يمكن للنظام أن يصمد في وجه عدائية واشنطن
نايري وودز
إدارة ترمب الثانية تهدد بتفكيك النظام الدولي القائم منذ الحرب العالمية الثانية عبر الانسحاب من التحالفات والمؤسسات الدولية، مما يدفع دولاً أخرى إلى البحث عن ترتيبات بديلة لحماية التعاون العالمي. تاريخياً، أظهرت أمثلة كالاتحاد الأوروبي وأوبك وبريكس أن التعاون المتعدد الأطراف يمكن أن يستمر من دون هيمنة أميركية، بل ويزدهر كرد فعل على الانكفاء الأميركي.
خلال فترة زمنية قصيرة للغاية، قلبت إدارة ترمب الثانية عدداً من المبادئ التي قام عليها النظام الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية رأساً على عقب. فقد أعاد الرئيس دونالد ترمب، بسرعة، تعريف دور الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، مشككاً في الضمانات الدفاعية الأميركية لأوروبا واليابان، وحتى في تبادل المعلومات الاستخباراتية مع شركاء واشنطن في تحالف “العيون الخمس” أستراليا وكندا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة. وفي الأمم المتحدة، وقفت الولايات المتحدة إلى جانب روسيا ودول أخرى كانت تعد خصوماً في السابق، مثل بيلاروس وكوريا الشمالية، وضد معظم حلفائها الديمقراطيين التقليديين. وفي محاولة حثيثة للتعامل مع الموقف، بدأ المسؤولون الأوروبيون يتساءلون عما إذا كانوا في حاجة إلى تطوير أسلحة ردع نووية خاصة بهم، وما إذا كانت واشنطن ستواصل الاحتفاظ بقوات أميركية داخل القارة.
ومع ذلك، ما لا يقل أهمية عن هذه الاعتبارات الأمنية هو رفض الإدارة الأميركية للمعاهدات والمنظمات والمؤسسات الاقتصادية التي أسهمت الولايات المتحدة بصورة كبيرة في إنشائها. ففي اليوم الأول من ولايته الثانية، أصدر ترمب أوامر تنفيذية بالانسحاب من اتفاق باريس للمناخ التابعة للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وفرض توقفاً لمدة 90 يوماً على جميع عمليات تقديم المساعدات الخارجية الأميركية. وأوائل فبراير (شباط) الماضي، أمر بإجراء مراجعة شاملة لمدة 180 يوماً لجميع المنظمات الدولية التي تنتمي إليها الولايات المتحدة و”جميع الاتفاقات والمعاهدات التي هي طرف فيها”. وقد تكون هناك خطوات أكثر عدوانية في الطريق، فـ”مشروع 2025″ وهو المخطط الذي أعدته مؤسسة “هيريتيج” لإدارة ترمب الثانية وتوقع عدد من سياساتها، يدعو إلى انسحاب الولايات المتحدة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهما من الركائز الأساس للتنمية العالمية والاستقرار الاقتصادي اللذين قادتهما الولايات المتحدة بيد قوية لعقود من الزمن.
وقد يبدو من السهل، إزاء كل هذا، الاستنتاج بأن النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية في طريقه إلى الانهيار. فبتخلي إدارة ترمب عن القيادة الأميركية، يبدو أنها تعلن نهاية الهيمنة الأميركية والدور القيادي الخير للولايات المتحدة. وكما يرى المؤرخ روبرت كاغان وآخرون، ففي غياب القوة العظمى الأميركية، قد يتحول العالم إلى غابة تسودها الفوضى. وبالطبع، من الممكن أن تستخدم إدارة ترمب القوة الصارمة لتقويض الاستقرار العالمي وتمكين الولايات المتحدة والصين وروسيا ودول أخرى من تشكيل مجالات نفوذها الخاصة. في مثل هذا العالم، قد تزداد وتيرة الحروب، وقد يكون حلفاء الولايات المتحدة السابقون المقربون، سواء داخل أوروبا أو آسيا، عرضة للإكراه الصريح. ومع ذلك، ليس من المحتم حدوث هذا النوع من الانهيار. قد يكون النظام القديم في طريقه إلى الزوال، لكن احتمال أن يؤدي ذلك إلى الفوضى والصراع يعتمد أيضاً على عدد من الدول الأخرى التي حافظت حتى الآن على المؤسسات التي استند إليها هذا النظام.
وفي الواقع، هناك طرق عديدة يمكن من خلالها أن تستمر فعالية التعاون بين الدول حتى في غياب القيادة الأميركية، بل وقد يشكل ذلك قوة رادعة للتحركات الأميركية الأحادية الجانب. ولكن من أجل تحقيق ذلك، يجب على الأعضاء الأساسيين في نظام ما بعد الحرب، بما في ذلك الدول الأوروبية واليابان وشركاء آخرون في آسيا وغيرها، أن يتكاتفوا استباقاً لتعزيز التعاون في ما بينهم. لا يمكنهم الانتظار والترقب، مع المخاطرة بانسحاب بعضهم من المسار الجماعي. فإدارة ترمب تتحرك بسرعة لإعادة ضبط ما تريده الولايات المتحدة، متجاوزة الترتيبات المتعددة الأطراف الراسخة منذ زمن. ويجب على الدول الأخرى أن تتحرك بالسرعة نفسها لحماية تلك الهياكل وتعزيزها، إذ إنها ستحتاج إليها الآن أكثر من أي وقت مضى.
العرض والطلب
في الروايات التقليدية للعلاقات الدولية، يتطلب النظام وجود قوة مهيمنة مستعدة لاستخدام نفوذها العسكري والاقتصادي الواسع للحفاظ على القواعد والمعايير والمؤسسات التي تحكم التفاعلات بين الدول. وغالباً ما يستشهد بهذا المفهوم، المعروف بنظرية استقرار الهيمنة، لتفسير انهيار النظام في أوروبا خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الـ20، عندما لم تكن أية دولة راغبة وقادرة على ضمان التعاون، فالمملكة المتحدة كانت راغبة والولايات المتحدة كانت قادرة، ولكن لم يكن أي منهما راغباً وقادراً خلال الوقت نفسه. على النقيض من ذلك، بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت الولايات المتحدة تمتلك الرغبة والقدرة على فرض النظام، مدفوعة بالتهديد العالمي الذي تمثله الشيوعية. وتشير هذه النظرية عند تطبيقها على عالم اليوم، إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدات والمنظمات الدولية التي أسهمت في إنشائها سيؤدي إلى انهيار النظام.
لكن عالم السياسة روبرت كيوهان أشار خلال ثمانينيات القرن الماضي إلى أن نظرية استقرار الهيمنة لا تركز إلا على “العرض”، أي مدى استعداد الدولة القوية لتوفير شروط التعاون، إلا أن الطلب مهم أيضاً. وهناك دول متعددة، بما في ذلك الغالبية العظمى التي تفتقر إلى القوة المهيمنة، تدعم صوراً مختلفة من التعاون المتعدد الأطراف لضمان مصالحها الخاصة. هذا الطلب موجود لأنه في عالم مليء بالمنافسة وعدم اليقين والصراعات، تدرك معظم الدول أن الدبلوماسية القائمة على الصفقات الفردية من غير المرجح أن تنجح. ستميل مثل هذه الصفقات إلى تفضيل القوى الكبرى، من ثم تؤدي إلى نوع من السلوك القسري يشبه ما استخدمه ترمب بالفعل ضد الدول الأضعف مثل كندا والمكسيك. ونتيجة لذلك، حتى في غياب القوة المهيمنة، قد تسعى الدول إلى إنشاء مؤسسات جماعية لتوحيد قواها، وبناء حصن منيع ضد عدم الاستقرار، والاستفادة من المكاسب المشتركة التي تنشأ عند تحقيق قدر ضئيل من التعاون. وتفتح هذه الرؤية المجال أمام إمكانات جديدة لقيام نظام عالمي من دون القيادة الأميركية.
في الواقع، إن التعددية من دون هيمنة لها تاريخ طويل في أوروبا. ففي مؤتمر فيينا عامي 1814 و1815، اجتمعت القوى الأوروبية من أجل إنشاء نظام بدائي. وما نتج منه كان “وفاق أوروبا”، وهي مجموعة ضمت النمسا وفرنسا وبروسيا وروسيا والمملكة المتحدة. وعلى رغم امتلاك المملكة المتحدة قوة بحرية واقتصادية كبيرة آنذاك، فإنها لم تكن تبسط هيمنتها على القارة. بل إن مزيجاً من التعاون الدبلوماسي وتوازن القوى هو ما حافظ على النظام إلى أن قوضته حرب القرم وتوحيد ألمانيا وإيطاليا. ومن الأمثلة الأقدم على هذا التعاون “الرابطة الهانزية”، وهي اتحاد كونفيدرالي أنشأته مدن شمال أوروبا خلال القرن الـ13 لحماية وتعزيز مصالحها التجارية. وحققت نجاحاً باهراً، وازدهرت لمئات الأعوام.
التعددية من دون هيمنة لها تاريخ طويل في أوروبا
منذ الحرب العالمية الثانية، وعلى رغم الدور المهيمن الذي لعبته واشنطن في النظام العالمي، ظهرت عدة أمثلة بارزة على التعاون القائم على الطلب بين مجموعات من الدول لا تشمل الولايات المتحدة. لنأخذ الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال. فعلى رغم المخاوف الأميركية من الحمائية الاقتصادية، نجحت الدول الأوروبية في تنظيم اقتصاداتها ككتلة واحدة كبيرة وقوية. ونتيجة لذلك، تمتلك أوروبا مؤسسات قوية ومستقرة، بما في ذلك موارد مالية جماعية، مثل البنك المركزي الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي، اللذين يتمتعان الآن بنفوذ كبير في الشؤون الدولية. ومع تكثيف الدول الأوروبية استثماراتها العامة لمواجهة الأزمات العالمية المتداخلة في ظل التقلبات في السياسة الخارجية والتجارية الأميركية، يمكن أن يصبح اليورو بديلاً جذاباً للدولار الأميركي كعملة احتياطة عالمية.
مثال بارز آخر على التعاون بين الدول من دون وجود قوة مهيمنة هو منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وهي مجموعة تضم كبار منتجي النفط في أفريقيا والشرق الأوسط، إضافة إلى فنزويلا. منذ تأسيسها عام 1960، عانت “أوبك” من الانشقاقات، وحروب الأسعار الداخلية، والانتهاكات المتكررة في حصص الإنتاج، لكنها مع ذلك مكنت مجموعة من الدول الغنية بالموارد، التي تفتقر إلى جيوش قوية أو اقتصادات متنوعة، من التأثير في الشؤون العالمية وتعزيز نفوذها في عواصم العالم. منذ غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، نجحت المجموعة في تنسيق حصص الإنتاج بين أعضائها وبين الدول الـ10 الأخرى التي تشكل “أوبك+” لتحقيق استقرار في أسعار النفط والحفاظ عليها مرتفعة، مما وفر لأعضائها أكثر من تريليون دولار من الإيرادات الإجمالية.
وتعد مجموعة “بريكس+” صورة أكثر مرونة من صور التعاون المتعدد الأطراف القائم على الطلب. وتأسست مجموعة “بريكس” (كما كانت تعرف آنذاك) عام 2009 على يد البرازيل وروسيا والهند والصين، ثم توسعت لاحقاً لتضم 10 أعضاء. وعلى رغم أن بعضاً رفضها باعتبارها محاولة غير فعالة لتوفير بديل للمؤسسات المالية الدولية التي يهيمن عليها الغرب، فإن ما يجمع أعضاءها هو مصلحة مشتركة في الحد من الأخطار. على سبيل المثال، يخشى عدد من أعضاء “بريكس+” من أن اعتمادهم على الدولار الأميركي والمؤسسات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة يجعلهم عرضة للإكراه والعقوبات. لقد أنشأوا مؤسسات يأملون في أن تجعلهم أكثر قدرة على الصمود، بما في ذلك “بنك التنمية الجديد”، الذي وافق بحلول نهاية عام 2022 على أكثر من 32.8 مليار دولار من القروض لـ96 مشروعاً في دول “بريكس+” وغيرها من الاقتصادات الناشئة.
توضح كل حالة من هذه الحالات أن الدول التي تجمعها مصالح مشتركة أو تحتاج إلى حماية نفسها من أخطار مشتركة يمكنها وضع ترتيبات فعالة بمفردها. إذا قررت إدارة ترمب الانسحاب من المؤسسات الدولية، والتنصل من التزامات الولايات المتحدة، وتجاهل معايير الدبلوماسية الراسخة، فإن هذا لا يعني أن الدول الأخرى لا تستطيع إنشاء أطر للتفاوض والتفاهم والحفاظ عليها. في الواقع، هناك مسارات عديدة يمكن للعالم من خلالها الانتقال من المؤسسات والمعاهدات والتحالفات التي تقودها الولايات المتحدة إلى مؤسسات ومعاهدات وتحالفات تشكلها دول أخرى.
نحو بنك أكثر فاعلية
من بين المجالات الواعدة التي يمكن فيها لبقية العالم الحفاظ على التعاون المتعدد الأطراف من دون الولايات المتحدة هو مجال التنمية الدولية. عندما بدأت الولايات المتحدة في تأسيس النظام الاقتصادي بعد الحرب، في مؤتمر بريتون وودز عام 1944، شملت ركائزه الأساس إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ثم اعتماد الدولار الأميركي عملة احتياطة عالمية. ومنذ ذلك الحين، هيمنت السياسة الأميركية على كلتا المؤسستين وعلى طريقة إدارتهما للأزمات الاقتصادية. لكن إدارة ترمب الثانية أبدت بالفعل عداءها لعدد من المؤسسات الدولية، ودعا بعض المحللين السياسيين المقربين من الرئيس إلى تقليص كبير أو حتى إنهاء للدعم الأميركي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
إذا اتخذت واشنطن مثل هذه الخطوات المتطرفة، فلن يؤدي ذلك بالضرورة إلى انهيار النظام الاقتصادي. بل على العكس، قد تحفز هذه الخطوات دولاً أخرى على إعادة النظر في الإطار المؤسسي، إما من خلال إعادة هيكلة المنظمات القائمة أو من خلال إيجاد بدائل لها. لنأخذ مثلاً البنك الدولي ووكالات الإقراض التابعة له، والمؤسسة الدولية للتنمية، التي تقدم تمويلاً للدول الأكثر فقراً، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، الذي يقدم القروض والمشورة في سياسات التنمية للدول المتوسطة الدخل. وتجدر الإشارة إلى أن فعالية المؤسسة الدولية للتنمية لا جدال فيها، فهي قادرة على دعم جهود المساعدة بكلفة أقل بكثير مما قد تتكبده الدول إذا عملت منفردة. فمقابل كل دولار تسهم به دولة ما، تستطيع المؤسسة الدولية للتنمية جمع وإقراض ما يقارب أربع دولارات للدول الأكثر احتياجاً. ويمكن للمؤسسة تحقيق هذا الأثر المضاعف لأنها تعزز مساهمات الدول المباشرة من خلال الاقتراض من أسواق رأس المال الدولية، وتحصيل المؤسسة الدولية للتنمية لقروضها السابقة، وتحويل الأرباح من البنك الدولي للإنشاء والتعمير.
إذا أوقفت الولايات المتحدة تمويل المؤسسة الدولية للتنمية، فسيتعين على الدول المانحة الأخرى التدخل بسرعة. في الواقع، هناك حافز استراتيجي قوي يدفع هذه الدول إلى القيام بذلك. ولأعوام، تمكنت الولايات المتحدة، بصفتها أكبر مانح منفرد، من تكييف قروض المؤسسة الدولية للتنمية بما يتماشى مع مصالحها الخاصة، بدعم من هيكل القوة الذي تقوده في البنك الدولي نفسه. لكن هيمنة واشنطن على المؤسسة الدولية للتنمية كانت لفترة طويلة غير متناسبة مع مساهماتها. في آخر جولة لتجديد موارد المؤسسة [لإعادة تمويل المؤسسة]، المتفق عليها خلال ديسمبر (كانون الأول) 2021، أسهمت الولايات المتحدة بنسبة 14.89 في المئة فقط من إجمال التمويل، أي أكثر بقليل من اليابان، التي أسهمت بنسبة 14.63 في المئة. وفي المقابل، أسهمت دول أوروبا مجتمعة بأكثر من 50 في المئة. وتشمل الدول المانحة المهمة الأخرى الصين بنسبة 5.62 في المئة، وكندا بنسبة 5.04 في المئة، والسعودية بنسبة 2.98 في المئة. وإذا توقفت الولايات المتحدة عن المساهمة، فستتاح الفرصة للمانحين الآخرين لتصحيح هذا الخلل والمطالبة بدور أكبر في كيفية إنفاق المؤسسة لأموالها.

وزراء خارجية مجموعة السبع في اجتماع داخل مدينة شارلفوا، كندا، مارس (آذار) 2025 (رويترز)
بالطبع، ستقاوم الولايات المتحدة أي فقدان لنفوذها. وقد تحاول إدارة ترمب تعزيز سيطرتها على كل من المؤسسة الدولية للتنمية والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، حتى مع تقليصها الحاد لمساهماتها. وهناك سابقة لهذا السلوك، فخلال ثمانينيات القرن الماضي، خفضت إدارة ريغان تمويل الولايات المتحدة للأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي سعياً منها إلى تعزيز سيطرتها على هذه المؤسسات. وفشلت دول أخرى في إيجاد طريقة فعالة للرد، وكانت النتيجة تعزيز النفوذ الأميركي. وعلى نحو مماثل، من المرجح أن تمارس إدارة ترمب ضغوطاً هائلة على رؤساء كل مؤسسة، وربما حتى على الموظفين، لتنفيذ أوامر واشنطن. واضطر البنك الدولي بالفعل إلى تحذير بعض موظفيه من السفر عبر الولايات المتحدة بعد إلغاء تأشيرات دبلوماسية لاثنين من موظفيه الكولومبيين ومنعهما من دخول البلاد من سلطات الهجرة الأميركية، في ظل ضغوط من إدارة ترمب على الحكومة الكولومبية لقبول هبوط رحلات جوية عسكرية أميركية تقل المرحلين.
ومع ذلك، من خلال العمل معاً، تتمتع الدول المانحة الأخرى بنفوذ كبير خاص بها. يجب ألا تقبل تلقائياً أية شروط جديدة تفرضها الولايات المتحدة أو أن تترك رؤساء هذه الوكالات ليتدبروا أمرهم بأنفسهم. كما يجب ألا تتخلى ببساطة عن البنك أو تتركه ينهار تدريجاً. بدلاً من ذلك، يجب على هذه الدول أن توضح لإدارة ترمب أن بإمكان الولايات المتحدة أن تحافظ على نفوذها من خلال المساهمة أو تخسره. ولديها الأدوات اللازمة للقيام بذلك: وفقاً لقواعد البنك الدولي، إذا فشل أحد الأعضاء في الوفاء بأي من التزاماته تجاه البنك، حتى لو كان العضو الأقوى، فيمكن لغالبية بسيطة من الدول الأخرى، التي تمثل غالبية القوة التصويتية الإجمالية، تعليق عضوية ذلك العضو. ولكن لم تستخدم هذه القاعدة حتى الآن.
وفي إجراءات أكثر شدة، من الممكن أن تنسحب الولايات المتحدة من البنك الدولي كلياً، وهو ما يدعو إليه مشروع 2025. على الدول الأوروبية واليابان ودول أخرى الاستعداد لمثل هذا الاحتمال الآن. ووفقاً للميثاق التأسيسي للبنك، إذا قرر المساهم الرئيس الانسحاب، فيجب نقل مقر المصرف إلى “أراضي العضو الذي يمتلك أكبر عدد من الأسهم”. وعلى الأرجح، يعني هذا نقل البنك إلى اليابان، وهي خطوة قد تمهد الطريق لبناء تحالف من الأعضاء الذين يشاركون بصورة أوثق في صنع القرار. على سبيل المثال، تحت قيادة اليابان، يمكن للبنك إنشاء فرع رئيس للبنك الدولي للإنشاء والتعمير في أراضي أحد أكبر عملائه من الدول ذات الدخل المتوسط الذين يدفعون الرسوم، مثل البرازيل أو الهند، ويمكن أن ينشئ فرعاً رئيساً للمؤسسة الدولية للتنمية في أوروبا، إذ يوجد عدد من أكبر المساهمين داخل المؤسسة، أو في أفريقيا، قرب كبار مقترضي المؤسسة. وبالمثل، يمكن للصين أن تستضيف فرعاً رئيساً مخصصاً، ربما، لتمويل الطاقة المستدامة. ويمكن أن يعمل هذا الفرع إلى جانب “البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية” التابع لبكين، الذي يتعاون بالفعل على نطاق واسع مع البنك الدولي في تمويل المشاريع.
باختصار، فإن التغيير الحتمي في البنك الدولي، الذي سيعقب انسحاب الولايات المتحدة، قد يتيح فرصة لتعزيز هذه المؤسسة. ومن خلال التخطيط الجيد لهذا السيناريو، يمكن لأعضاء البنك الدولي ضمان استمرارية عمله والحفاظ على طابعه المتعدد الأطراف. كما يمكن أن يصبح هذا التحول نموذجاً يحتذى لكيفية تكيف المؤسسات الدولية الأخرى مع نظام لم تعد الولايات المتحدة تقوده.
صندوق متعثر؟
قد يكون صندوق النقد الدولي ضحية رئيسة أخرى لرفض إدارة ترمب للتعددية، لكن التحديات التي يواجهها تختلف عن تلك التي يواجهها البنك الدولي. فعلى مدى عقود، هيمنت السياسة الأميركية على صندوق النقد الدولي، الذي وفر منصة لتجميع الاحتياطات وإدارة الأزمات الاقتصادية بطريقة منسقة. وكان هذا النظام مهيمناً إلى درجة أنه مع نهاية الحرب الباردة، بدا من غير الممكن تخيل نظام نقدي ومالي دولي من دون الولايات المتحدة. لكن العالم يبدو مختلفاً تماماً اليوم، وليست الولايات المتحدة وحدها التي تغيرت.
خلال الوقت الحالي، لا يبدو أن إدارة ترمب ستنسحب من صندوق النقد الدولي، إذ إن الصندوق يبذل جهوداً كبيرة لحماية مصالح الولايات المتحدة باستخدام رسوم ومساهمات الدول الأخرى. ففي عام 2023 وحده، أعلنت الولايات المتحدة عن مكاسب غير محققة [أو كما هو شائع “مكاسب ورقية”] من صندوق النقد الدولي، وهي زيادة في قيمة الأسهم الأميركية في الصندوق، بلغت 407 ملايين دولار. لكن الصندوق لم يعد يحظى بنفس الأهمية بالنسبة إلى الدول الأخرى كما كان في السابق. إذا قررت إدارة ترمب تقليص مساهمات الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي مع فرض مزيد من السيطرة، فلن يضطر الأعضاء الآخرون إلى البقاء مدينين لها [وتحت رحمتها]. وبدلاً من ذلك، يمكنهم الاعتماد على عدد من الهياكل البديلة الناشئة التي تؤدي عدداً من الوظائف نفسها التي يقوم بها صندوق النقد الدولي، وتوسيع نطاق هذه الهياكل.
في عالم يعتمد بصورة أقل على الدولار، سيكون للولايات المتحدة نفوذ أقل
أولاً، تمتلك عدد من الدول الآن احتياطات كبيرة من العملات الأجنبية، مما يوفر تأميناً ضد الصدمات الخارجية ويمكنه توفير عملات أجنبية للبنوك الخاصة في هذه الدول في حال تعرضها لضغوط. وبحلول نهاية عام 2018، زاد إجمال احتياطات العملات الأجنبية المحتفظ بها عالمياً 10 أضعاف مقارنة بما كانت عليه قبل 30 عاماً، وكانت الدول الناشئة والنامية هي التي تحتفظ بنسبة ثلثي هذه الاحتياطات. علاوة على ذلك، فإن عدداً من الدول باتت تعتمد على عملات غير الدولار الأميركي في بناء هذه الاحتياطات. وانخفضت نسبة احتياطات العملات الأجنبية المحتفظ بها بالدولار من نحو 71 في المئة عام 1999 إلى 57 في المئة عام 2024، إذ تسعى الدول إلى تحقيق عوائد بعملات سهلة التداول مثل الدولار الأسترالي والدولار الكندي والرنمينبي الصيني والوون الكوري الجنوبي والدولار السنغافوري والعملات الإسكندنافية. وقد يتسارع هذا الابتعاد من الدولار إذا أقدمت إدارة ترمب على تنفيذ وثيقة سياسة تجارية كتبها الاقتصادي ستيفن ميران قبل فترة وجيزة من توليه منصب أحد كبار مستشاري الرئيس، ويبدو أن هذه الوثيقة تؤيد فكرة إجبار الأجانب على تحويل سندات الخزانة الأميركية التي تبلغ مدتها خمسة و10 أعوام إلى أوراق مالية مدتها 100 عام تحمل معدلات فائدة منخفضة، أو إذا نفذ اقتراح مستشار البيت الأبيض روبرت لايتهايزر بفرض ضرائب على مشتريات الأجانب من السندات الأميركية. إن العالم الذي يعتمد أقل على الدولار وأقل على صندوق النقد الدولي هو عالم سيكون للولايات المتحدة الأحادية نفوذ أقل فيه.
خط الدفاع الثاني أمام صندوق نقد دولي ضعيف هو الاستخدام المتزايد لاتفاقات مبادلة العملات (CSA). تتيح هذه الاتفاقات الحصول مباشرة على دعم من بنك مركزي آخر في حال وقوع أزمة. وبحلول عام 2024، وقع البنك المركزي الصيني 40 اتفاق مبادلة ثنائية كان 31 منها ساري المفعول بقيمة إجمالية تبلغ نحو 586 مليار دولار. ووقعت البرازيل اتفاقات لتبادل العملات مع الأرجنتين عام 2008 بقيمة 1.8 مليار دولار، ومع الصين عام 2013 بقيمة 30 مليار دولار. وأبرمت الهند اتفاقات مماثلة مع أكثر من 25 دولة، غالباً ما تعطي الأولوية للدول التي تعاني عجزاً في الحساب الجاري. وكثيراً ما كانت اتفاقات مبادلة العملات بمثابة تمهيد لاتفاقات أوسع بين الدول. ومنذ إطلاقها عام 2009، سهلت خطوط التبادل الصينية مع الأرجنتين الاستثمار الصيني في البنية التحتية الاستراتيجية للأرجنتين.
بالقدر نفسه من الأهمية يأتي ظهور مؤسسات إقليمية تؤدي عدداً من أدوار صندوق النقد الدولي في تقديم المساعدة خلال أوقات الأزمات. فقد تطور صندوق احتياط أميركا اللاتينية (FLAR) في ثمانينيات القرن الـ20، ليقدم الدعم المالي للدول في المنطقة التي تواجه أزمات في ميزان المدفوعات. وبالمثل، خلال عام 2000، في أعقاب الأزمة المالية داخل شرق آسيا [الأزمة المالية الآسيوية]، اجتمع أعضاء رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) مع الصين واليابان وكوريا الجنوبية بهدف إنشاء ترتيبات متعددة الأطراف لتبادل العملات تعرف باسم مبادرة “شيانغ ماي”، وعُززت لاحقاً. وبعد عقد من الزمان، خلال أزمة منطقة اليورو، أنشأت الدول الأوروبية ترتيبها الإقليمي الخاص، ما يسمى الآن بـآلية الاستقرار الأوروبية. وعام 2014، أنشأت دول “بريكس”، “ترتيب احتياط الطوارئ”، الذي يقدم الدعم المالي في حالة الأزمات، أو قروضاً استباقية لتجنب الأزمة. وعام 2025، أعلن بنك التنمية الأفريقي عن إنشاء آلية الاستقرار المالي الأفريقية لتوفير إعادة التمويل الميسر، مما يوفر الوصول إلى رأس المال بشروط مواتية، للدول التي تمر بأزمات. ومعظم هذه الترتيبات لها بعض الصلة بصندوق النقد الدولي، لكن كلاً منها يضطلع أيضاً بصور كبيرة من الحوكمة الإقليمية المستقلة.
قوة الجماعة
إضافة إلى دعم المؤسسات التي تحافظ على النظام الاقتصادي، يمكن للدول الرد على قوة مهيمنة تتصرف بصورة أحادية من خلال إعادة تشكيل المنتديات السياسية المتعددة الأطراف. فعلى مدى عقود، استخدمت الولايات المتحدة مجموعة متنوعة من التكتلات، بما في ذلك مجموعة السبع، وفي القرن الـ21، مجموعة الـ20، لجمع القادة معاً من أجل صياغة استجابات جماعية للمشكلات العالمية. ونشأت مجموعة السبع خلال سبعينيات القرن الـ20 عندما اجتمع قادة فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا الغربية، ولاحقاً كندا واليابان وممثلو مؤسسات الاتحاد الأوروبي، لإدارة الصدمات الاقتصادية الجديدة. أما مجموعة الـ20 الأوسع، فقد نشأت عام 1999، ولعبت دوراً محورياً في احتواء الأزمة المالية لعام 2008، من خلال تنسيق استجابة عالمية، وتوجيه عمل المنظمات المتعددة الأطراف لمعالجة التداعيات الاقتصادية. وبصورة عامة، أسهمت كل من المجموعتين في تعزيز التفاهم المتبادل وإيجاد حلول تعاونية.
لكن إدارة ترمب أعربت عن شكوك عميقة تجاه المجموعتين. ففي ولايته السابقة، اتخذ ترمب خطوة غير مسبوقة برفضه الانضمام إلى القادة الآخرين في البيان المشترك التقليدي الذي يصدر عن مجموعة السبع في ختام القمة. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، ناقض بصورة مباشرة باقي أعضاء مجموعة السبع الآخرين بإعلانه عن رغبته في إعادة روسيا إلى المجموعة، على رغم أنها تخضع لعقوبات غربية واسعة بسبب عدوانها على أوكرانيا (كانت روسيا تشارك في اجتماعات مجموعة السبع من عام 1998 إلى عام 2014، عندما استبعدت بسبب ضمها لشبه جزيرة القرم). وانتقد ترمب مجموعة الـ20 بنفس الحدة، ورفض إرسال ممثلين أميركيين إلى اجتماعات وزراء الخارجية والمالية الخاصة بالمجموعة في جوهانسبورغ خلال فبراير الماضي. وفي معرض تبريره لذلك، أشار وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى عداء إدارة ترمب تجاه جنوب أفريقيا ورغبتها في عدم “مهادنة العداء لأميركا”.
ومع غياب الولايات المتحدة المتزايد، بات على الدول الأخرى أن تتحمل مسؤولية إعادة تشكيل هذه المجموعات، بما في ذلك التخطيط لاجتماعات محتملة قد تعقد من دون الولايات المتحدة. وفي الواقع، غالباً ما اتسمت مجموعة الدول السبع بعضوية مرنة نوعاً ما، إذ كانت تجتمع أحياناً في مجموعات أصغر، مثلما حدث عندما اجتمع خمسة من الأعضاء الأساسيين عام 1985 من أجل توقيع اتفاق بلازا لخفض قيمة الدولار الأميركي مقابل العملات الرئيسة الأخرى، أو تدعو دولاً ضيفة مختارة للمشاركة. وبالمثل، دعمت مجموعة الـ20 بانتظام فكرة دعوة مشاركين إضافيين. وتشير هذه المرونة إلى سبيل للمضي قدماً إذا انسحبت الولايات المتحدة أو سعت إلى إضعاف هذه المنتديات.
ولكي تكون أية مجموعة جديدة فعالة، يجب أن تضم دولاً ذات قوة اقتصادية و/أو عسكرية كبيرة، مثل البرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند وإيطاليا واليابان، والسعودية وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية وتركيا والمملكة المتحدة. ويجب أن يتمتع الأعضاء بالتزام قوي تجاه المؤسسات المتعددة الأطراف القائمة، مما يعني استبعاد روسيا والإدارة الأميركية الحالية. وبالطبع، يتطلب تحديد العضوية النهائية دراسة دقيقة. وقد يمثل إشراك الصين، على وجه الخصوص، تحدياً للدول التي تعدها خصماً.
عززت الصين بهدوء دورها في الوكالات المتعددة الأطراف
وكما ترى دول عديدة، فإن التنافس المتنامي بين الصين والولايات المتحدة لا يدور فحسب حول السيطرة على الأسواق والتكنولوجيا، بل أيضاً حول من يتحكم في قواعد اللعبة. فقد تمتعت الولايات المتحدة بنفوذ هائل على القواعد والمعايير الدولية من خلال موقعها في المؤسسات متعددة الأطراف. ففي نهاية المطاف، هي من أنشأت هذه الوكالات بعد الحرب العالمية الثانية مع شركاء موالين أصغر حجماً مثل اليابان والمملكة المتحدة وأوروبا. أما الصين، فقد اضطرت إلى بناء نفوذها بطرق أخرى، من خلال الدبلوماسية الثنائية، ومن خلال إنشاء مؤسسات متعددة الأطراف خاصة بها، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
لكن إدارة ترمب تتخلى الآن عن نفوذها على النظام المتعدد الأطراف، مفضلة بدلاً من ذلك التعامل مع الدول بصورة فردية واحدة تلو الأخرى، وعلى أساس كل صفقة على حدة. وبذلك، تدفع الصين إلى الواجهة، وفي الواقع، يبدو أن بكين مستعدة تماماً لذلك. فقد عززت دورها بهدوء في الوكالات المتعددة الأطراف، لتصبح ثالث أكبر مساهم في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. واغتنمت الفرص للدفاع علناً عن منظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية خلال وقت أظهرت فيه الولايات المتحدة عداءً تجاه كلتيهما. ومثل جميع الدول القوية، تسعى الصين من دون كلل إلى تحقيق مصالحها الوطنية، وتشارك في المؤسسات المتعددة الأطراف باعتبارها الوسيلة الأفضل لضمان هذه المصالح على المدى الطويل. وبالنسبة إلى الدول الأخرى، فإن هذا التوافق بين المصلحة الذاتية والتعددية، الذي كان في السابق سمة مميزة للهيمنة الأميركية، هو أمر حيوي للحفاظ على التعاون الدولي. بالطبع، يثير هذا أيضاً تساؤلات عما إذا كانت الصين ستتحول بدورها إلى قوة مهيمنة. والإجابة عن ذلك ستعتمد على مدى فعالية الدول الأخرى في فرض وتنفيذ مطالبها في شأن التعاون.
وبغض النظر عن هوية أعضائها، ستحتاج المجموعة الجديدة إلى الاجتماع بسرعة. ومن المقرر أن تتولى الولايات المتحدة رئاسة مجموعة الـ20 خلال ديسمبر 2025، ولا يمكن لبقية الأعضاء أن يفترضوا أن المجموعة ستواصل عملها كما في السابق. ربما يمكن لأقدم أعضاء المجموعة الأصلية، أي حكومات فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، التفكير في عقد اجتماعات مع مجموعة مختارة من أعضاء الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وبعض أعضاء مجموعة “بريكس+” خلال الأشهر الواقعة بين الآن وديسمبر 2025، كوسيلة لوضع الأساس لمزيد من التحولات المحتملة في المستقبل.
نظام جديد جريء
مع الرفض القاطع الذي تبديه إدارة ترمب للقواعد والمعايير والمؤسسات المتعددة الأطراف، فإن النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية بقيادة الولايات المتحدة آخذ في التلاشي. لكن ينبغي على الدول الأخرى ألا تقف مكتوفة الأيدي. يمكن للدول الأوروبية واليابان وحلفاء الولايات المتحدة الرئيسين الآخرين، إلى جانب شركاء محتملين في تحالفات مستقبلية جديدة، أن يتخذوا عدة خطوات. يمكنهم أن يتسلموا زمام الأمور بدلاً من الولايات المتحدة في المؤسسات القائمة، كما هي الحال مع المؤسسة الدولية للتنمية والبنك الدولي. ويمكنهم إيجاد سبل بديلة لأداء بعض الوظائف نفسها عندما تضعف المؤسسات بصورة جذرية. ويمكنهم بناء تحالفات جديدة مستعدة للحفاظ على التعاون ودعم إدارة الأزمات الجماعية، وإنشاء ما قد يصبح الآن “مجموعة التسعة” أو “مجموعة الـ12”.
النظام المؤسسي الذي سينشأ عن هذا الاضطراب سيكون مختلفاً عن النظام الذي قادته الولايات المتحدة على مدى أكثر من ثمانية عقود. وستكون هناك أخطار جديدة جسيمة، إضافة إلى أن وجود قوة عظمى انسحبت إلى حد كبير من الترتيبات الدولية سيشكل تحديات بعيدة المدى. لكن إذا نظرنا إلى الأمر بصورة شاملة، فإن المجموعة الواسعة من الدول التي ما زالت تدعم المؤسسات العالمية والتعددية، وهي مجموعة يمكن أن تمتد من أوروبا إلى أجزاء واسعة من آسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، ستمثل جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وستكون مدعومة بقوة عسكرية كبيرة. ومن خلال إعادة بناء أو إعادة تشكيل المؤسسات الأكثر أهمية، يمكن لتلك الدول أن تسهم بصورة كبيرة في الحفاظ على الاستقرار، ومعالجة المشكلات العالمية، وحماية أعضائها من الأزمات. أما إذا لم تفعل ذلك، فقد تجد دول كثيرة نفسها أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى، تتخبط في محاولة لحماية مصالح ضيقة وقصيرة الأجل من دون نفوذ أو تأثير في عالم أكثر خطورة.
مترجم عن “فورين أفيرز” الـ22 من أبريل (نيسان) 2025
نايري وودز أستاذة الحوكمة الاقتصادية العالمية وعميدة كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية بجامعة أكسفورد.