د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
20 ديسمبر 2024
المصدر:
الامارات اليوم
يقسم ربُّنا سبحانه وتعالى بالعصر – أي عصر كل يوم، أو الدهر كله، أو بصلاة العصر- كل ذلك محتمل؛ لصدقه على الكل؛ أقسم به على أن جنس الإنسان خاسر؛ لما جُبِل عليه من النقص والقصور عن أداء ما يجب عليه لربه سبحانه وتعالى من الحق، ربه الذي خلقه فسواه فعدَله، وفي أي صورة ما شاء ركبَّه، وأنعم عليه بنعم لا تحصى، وأقدره على ما يريد من خير أو شر، وهداه النجدين ليختار ما يشاء، فإن هو لم يجعل نفسَه عبداً لهذا الخالق العظيم، والمنعم الكريم طائعا؛ يكون قد خاسر خسرانا مبينا لا محالة؛ لأنه يقدر أن يكون طائعا لربه، عابدا له سبحانه، لما هيأ له من أسباب الهداية، وهي الرسل الدالة عليه، والكتب التي فيها شرعه ومراده من خلقه، ولما منحه من عقل يميز به بين الخير والشر، والصحيح والباطل، والحسن والقبيح، فإن هو اهتدى بذلك فهو المستثنى من الخسران، كما قال سبحانه :{ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}هذه الأربعة الأمور هي التي تخرج الإنسان من الخسران؛ فما الذي يمنعه من أن يسعى لتحصيلها وهي سبيل النجاة المحقق؟! إنه لا يتوانى عن ذلك إلا من سبقت عليه الشِّقوة، فظلم نفسه، ولم يرد لها الخير.
إن تحصيل هذه الأمور يسيرٌ على من يسرها الله تعالى له، فالإيمان تصديق بالجنان بأن الله تعالى هو المستحق للعبادة وحده، وأن ما أخبرنا به عن نفسه حقٌّ، وما أخبرنا به عن المُغَيَّبات حق، وأن أنبياءه ورسله حقٌّ، وأن ما شرعه لنا على ألسنتهم حقٌّ.
والأعمال الصالحة من صلاة وصيام وصدقة وبر وذكر وغيرها لا يضيع جزاؤها أحسن الجزاء، وما أيسر هذه الأعمال لمن هيأ نفسه لأدائها بما يستطيع فعله ولو قليلا مع الدوام.
والتواصي بالحق لمن يعرفه ويجد سبيلا إليه أيسر من كل شيء، وذلك بالأمر بالمعروف والدلالة والعون عليه، وبذلك يكون مجتمعا صالحا فيسهل عليه كل ما تقدم من الإيمان والعمل الصالح.
والتواصي بالصبر على الطاعات بأن لا تُمَل ولا تهمل، وعلى المكروهات فلا يتسخط المرءُ على من قدَّرها عليه سبحانه لئلا يعود إلى الخسران، وعن المعاصي فلا يقع فيها، فإن الصبر عن فعل المعاصي مع كثرة المغريات والشهوات من أشق الأمور على النفس، فتحتاج تثبيتاً ممن عرف خطرها وضررها، فقد حُفَّت النار بالشهوات، كما حُفَّت الجنة بالمكاره.
هذه الأمور الأربعة هي التي تُنجي الإنسان من الخسران.
كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي