سقوط السنة في العراق.. الحلبوسي نموذجاً
“نحن من نؤدّب ابننا الضال، ونحن من نعيده إلى حجمه الطبيعي”.. هكذا تحدّث السياسي السني البارز في العراق وزعيم حزب الحل جمال الكربولي، عن محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب العراقي وزعيم جبهة تقدم.
لكن ما الذي حصل، بعدما كان أقوى رجلين في النخب السنية في العراق صديقين مقربين؟ فالكربولي لعب دوراً بارزاً في صعود الحلبوسي لكن انقلبت الأحوال، ودوام الحال من المحال..
وزادت الخلافات بين الرجلين السنيين، فدعى الكربولي، بالإضافة إلى عدد من القادة السياسيين السنة لإقالة الحلبوسي من منصبه كرئيس للبرلمان، بسبب ما وصفوه بـ”التمرد، وعدم الوفاء بالعهد”.
هذا هو وضع النخب السياسية في العراق، والذي يعتبر الحلبوسي، المهندس الشاب الذي ترأس البرلمان، أكبر نموذج لانهيار وشيك، ليس فقط من المؤسسة التشريعية في العراق، ولكن من الحياة السياسية التي يُسيطر عليها الإطار التنسيقي الشيعي.
في هذا التقرير، وبالاستعانة بالعديد من المصادر السياسية العراقية، سواء السنية أم الشيعية، سيرصد “عربي بوست” هبوط النخب السياسية السنية في العراق، من خلال نموذج محمد الحلبوسي.
كانت رحلة صعود الشاب السني الحاصل على شهادة الهندسة، محمد الحلبوسي، مثيرة، ليس فقط بسبب الخطوات السريعة التي اتخذها ليصبح من أهم القادة السياسيين السنة في العراق، ولكن استغلاله لمجموعة من الأزمات للصعود السريع أيضاً مثير للاهتمام. الآن يتعرض الحلبوسي للعديد من الضربات من قبل الحلفاء والخصوم، ما يهدد بهبوط نجمه في الحياة السياسية العراقية.
تاريخ صعود السنة في العراق.. الحلبوسي نموذجاً؟
لفهم الصعود السريع لمحمد الحلبوسي واحتمالات السقوط الوشيك لأقوى سياسي سني في العراق، يجب النظر إلى تاريخ صعود وهبوط النخب السياسية السنية الأخرى في العراق.
المشهد السياسي السني بعد عام 2003
بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والإطاحة بنظام صدام حسين، لم تكن هناك حركات سياسية سنية متماسكة تستطيع المشاركة في الحياة السياسية الجديدة بعد الغزو، باستثناء الحزب الإسلامي العراقي الذي كان موجوداً منذ عام 1960.
شارك الحزب الاسلامي العراقي في كتابة دستور 2005، كما شارك في مجلس الحكم الانتقالي الذي كان تحت سلطة التحالف حينها، فأصبح الحزب الإسلامي من أكثر الأحزاب السنية هيمنة على الحياة السياسية السنية منذ 2003 إلى 2014، ليخفت نوره بعد ذلك نتيجة تورط بعض أعضائه مع تنظيم الدولة الإسلامية، وتحجيم القوى الشيعية له.
وعام 2005 تشكلت جبهة التوافق العراقية وتعرف اختصاراً بجبهة التوافق، هي كتلة برلمانية عراقية سنية، أُسست يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول سنة 2005، وشاركت في الانتخابات العراقية في عام 2005 فحصلت على 44 مقعداً من مقاعد مجلس النواب العراقي، وكان يرأسها عدنان الدليمي حتى عام 2009 حيث اُنتخبَ حارث العبيدي رئيسا لها في أيار 2009م وبقي رئيسا لها حتى اغتياله في 12 حزيران 2009.
وضمت جبهة التوافق كلاً من الحزب الإسلامي العراقي ومؤتمر أهل العراق ومجلس الحوار الوطني العراقي ومن أبرز أعضائها طارق الهاشمي نائب رئيس جمهورية العراق، وإياد السامرائي رئيس البرلمان العراقي، وعدنان الدليمي رئيس مؤتمر أهل العراق، وحارث العبيدي حيث كان رئيس كتلة التوافق في البرلمان.
وفي عام 2006 ظهرت أيضاً الصحوات السنية. وهي مجموعة من القبائل السنية التي شكلت مجموعات لقتال تنظيم القاعدة في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وساعدت وحدات الحشد الشعبي في قتال تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014، بالتعاون مع الولايات المتحدة ودعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيضاً.
ما بعد 2010.. لا وجود حقيقي للسنة
بعد عام 2010 وصولاً إلى عام 2014 وظهور تنظيم الدولة الإسلامية حتى نهايات عام 2017، انشغلت النخب السنية بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمجتمعهم، وإيجاد طرق للتعامل مع فقدان مركزهم المهيمن في السياسة العراقية، مقابل صعود القوى السياسية الشيعية.
تحول السنة في ذلك الوقت إلى خانة الدفاع، في محاولة للنأي بأنفسهم عن الارتباط بتنظيم الدولة الإسلامية الذي هيمن على مساحات واسعة من أراضي السنة نفسها في العراق.
لذلك، لم يكن أمام القوى السنية الوقت الكافي لتأسيس أحزاب سياسية ناضجة تستطيع المشاركة في النظام السياسي الجديد بشكل قوي، في مواجهة التمييز السياسي الذي فرضته عليهم القوى الشيعية التي تجمعت لقتال تنظيم الدولة من ناحية، ومحاولاتهم للنأي بأنفسهم عن الجماعات السنية المتطرفة التي تقاتلها الحكومة الشيعية، من ناحية أخرى.
ما بعد 2017.. ظهور الحلبوسي
ينحدر محمد الحلبوسي من مدينة الكرمة في الفلوجة بمحافظة الأنبار، وينتمي إلى قبيلة الحلبوسي، وهي ليست بقبيلة كبيرة، بل كانت من أقل القبائل تأثيراً في محافظة الأنبار قبل عام 2003.
ولم تكن قبيلة الحلبوسي ذات علاقات مع النظام البعثي، مثل قبيلة البوعيسى على سبيل المثال، والتي ينتمي إليها أغلب أعضاء الحزب الإسلامي العراقي بعد الغزو الأمريكي للعراق.
لم تتمتع قبيلة الحلبوسي أيضاً بأي نفوذ ولم تلعب دوراً بارزاً سواء في مقاتلة القوات الأمريكية، أو التحالف معها، وفي هذه البيئة، ظهر محمد الحلبوسي بعد حصوله على شهادة في الهندسة، للعمل مع الولايات المتحدة في محافظة الأنبار على عكس السائد، ومن خلال شركته التي تم تأسيسها في نهاية عام 2003، استطاع مشاركة القوات الأمريكية في عمليات إعادة الإعمار.
في عام 2004، استطاعت شركة محمد الحلبوسي العمل في مشروع أمريكي ضخم لمعالجة المياه في محافظة الأنبار، وصلت تكلفة المشروع إلى 51 مليون دولار أمريكي، ثم توسع المشروع في عام 2011، ومن هنا جاءت انطلاقة محمد الحلبوسي في الحياة السياسية.
في هذا الصدد، يقول سياسي سني مطلع على رحلة صعود الحلبوسي، لـ”عربي بوست”: “عمل الحلبوسي مع الأمريكان وتوسعت أعمال شركته وتضخم رأس مالها، ساعدته في بناء صورته كرجل أعمال وتوسيع شبكة علاقاته”.
وبحسب المصدر ذاته فإن الحلبوسي كان يسعى للعب دور سياسي أكبر، لكن كان الحزب الإسلامي العراقي هو الحزب المسيطر على محافظة الأنبار بشكل شبه كامل.
استطاع محمد الحلبوسي من خلال عمله مع القوات الأمريكية، توسيع دائرة علاقاته وتكوين قاعدة جماهيرية نجح من خلالها في تمثيل الفلوجة في البرلمان.
في الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار 2018، استطاع الحلبوسي إقناع الأحزاب الشيعية الكبرى بالدخول معهم في تحالف، حينها كانت الأحزاب الشيعية المقربة من إيران وأجنحتها المسلحة التي كانت لتوها خرجت من قتالها مع تنظيم الدولة الإسلامية منتصرة، تخوض الانتخابات ضمن تحالف فتح بقيادة هادي العامري المقرب من طهران.
بحسب سياسي شيعي مقرب من لإيران، تحدث لـ”عربي بوست”، فإن تحالف فتح رأى في الحلبوسي أنه من الممكن أن يكون منافساً للحزب الإسلامي العراقي الذي كان يريد السيطرة على المحافظات السنية، وليس على وفاق كامل مع السلطة الشيعية في بغداد.
فدعم تحالف فتح الحلبوسي، وتم التصويت له لتولي منصب رئاسة مجلس النواب، وهو المنصب المخصص للمكون السني حسب نظام المحاصصة المعمول به في العراق منذ عام 2003.
في هذا الصدد، يقول سياسي شيعي مقرب من هادي العامري لـ”عربي بوست”: “رأينا أن طموح الحلبوسي، وابتعاده عن الحركات السياسية السنية المتطرفة، سيكون مفيداً لنا، كان رجلاً يلتزم بوعوده”.
وأخبرت مصادر سياسية شيعية “عربي بوست”، بأن محمد الحلبوسي في ذلك الوقت، تعاون مع طهران وحلفائها في العراق بشكل كبير، خاصة في فترة توليه منصب محافظ محافظة الأنبار قبل توليه رئاسة البرلمان بفترة قصيرة.
وضمن الحلبوسي للفصائل المسلحة الشيعية المتحالفة مع إيران، استمرار تواجدهم في محافظة الأنبار السنية لأسباب أمنية كما زعموا في ذلك الوقت، كما ضمن لطهران أن تصبح الأنبار الممر الرئيسي بين العراق وسوريا.
وعلى الجانب الآخر تشكل في عام 2021 تحالف عزم هو ائتلاف سياسي عراقي سني، أُعلن عن تأسيسه في 9 كانون الأول سنة 2021م، وفيه 34 نائباً برلمانياً، وكان يرأسه أولاً خميس الخنجر، ورئيسه الحالي مثنى السامرائي.
خطيئة التحالف مع مقتدى الصدر
بدأ خطيئة التحالف مع مقتدى الصدر
بدأ محمد الحلبوسي حياته السياسية بالتحالف مع الأحزاب الشيعية الكبرى والموالية لإيران، كما عمل على تحسين علاقته بإيران، من خلال تقديم العديد من الوعود للإيرانيين وحلفائهم في إيران.
كان تحالف الحلبوسي مع السنة من أهم الخطوات التي ساعدته على الوصول إلى منصب رئيس مجلس النواب، في الانتخابات البرلمانية لعام 2018، وهو أعلى منصب يمكن أن يتقلده أي سياسي سني في العراق.
لكن بعد أن تحالف الحلبوسي مع السنة ومع الأحزاب الشيعية الكبرى، انقلب على هذا التحالف، في أعقاب الانتخابات البرلمانية المثيرة للجدل والتي تم إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، وانضم إلى مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري.
تحالُف الحلبوسي مع الصدر الذي فاز بأعلى عدد من المقاعد البرلمانية لتشكيل حكومة أغلبية وطنية، على عكس المتعارف عليه في عراق ما بعد عام 2003، الذي اعتاد تشكيل حكومات ائتلافية توافقية؛ أشعر حلفاء الحلبوسي من الإطار التنسيقي الشيعي، بأن تحالفه مع مقتدى الصدر، بمثابة طعنة لهم وإعلان نيته للانقلاب عليهم في أي وقت.
يقول مصدر سياسي مقرب من الحلبوسي، لـ”عربي بوست”، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: “كانت ردة فعل الإطار التنسيقي عنيفة للغاية تجاه الحلبوسي بعد أن أعلن تحالفه مع مقتدى الصدر، اعتقد أنها اللحظة التي قرروا فيها التخلص منه”.
وكشفت مصادر لـ”عربي بوست”، من داخل الإطار التنسيقي الشيعي، وهو التحالف الحاكم في العراق الآن، أنه أصبح لدى قادة الإطار التنسيقي قناعة تزداد يوماً بعد يوم بضرورة إقالة الحلبوسي من منصب رئاسة البرلمان، خشية عودة مقتدى الصدر مرة أخرى إلى الحياة السياسية، ورجوع الحلبوسي للتحالف معه.
قيادي في الإطار التنسيقي الشيعي قال لـ”عربي بوست”: “لم ولن يغفر قادة الإطار التنسيقي للحلبوسي خطيئة التحالف مع مقتدى الصدر في السابق، كما أنهم فقدوا الثقة به، وأفضل خيار لهم الآن هو الإطاحة به من منصبه”.
وبحسب مصادر “عربي بوست” في الإطار التنسيقي الشيعي، فإن قادة الإطار يتوقعون عودة مقتدى الصدر إلى الحياة السياسية مرة أخرى، لذلك فهم يرون أن سرعة إزاحة محمد الحلبوسي من منصبه ضرورية، لضمان عدم تحالفه مع مقتدى الصدر مرة أخرى.
جدير بالذكر هنا، أن زعيم التيار الصدري، رجل الدين الشيعي والسياسي مقتدى الصدر، قد أعلن في أواخر شهر أغسطس/آب 2022 انسحابه من الحياة السياسية بعد معركة سياسية مع خصومه في الإطار التنسيقي الشيعي لمدة عام كامل، حالت دون تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
ومؤكداً على مخاوف قادة الإطار التنسيقي الشيعي وشكوكهم في الحلبوسي، يقول سياسي شيعي مقرب من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لـ”عربي بوست”: “هناك شكوك كبيرة تزداد منذ أشهر حول الحلبوسي”.
وأضاف المتحدث: “الحلبوسي يقف عائقاً أمام تمرير بعض مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة أو نواب الإطار التنسيقي، تنفيذاً لتعليمات مقتدى الصدر، لذلك انتظرنا حتى يتم تمرير مشروع قانون الموازنة الذي لم يوافق عليه الحلبوسي في البداية، لنرى ما الحل الأمثل للتصرف مع هذه الشكوك”.
على الجانب الآخر ورداً على ما سبق ذكره، يقول نائب برلماني من تحالف تقدُّم الذي يتزعمه الحلبوسي، لـ”عربي بوست”: “الحلبوسي لا يعمل وفقاً لتعليمات مقتدى الصدر أو غيره، إنه يعمل وفقاً لمصلحة العراق والعراقيين، هذه الشائعات مجرد ذريعة للإطاحة بالحلبوسي”.
السنة والسنة.. غضب الحلفاء
خلافات رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي لم تتوقف عند حلفائه من الشيعة في الإطار التنسيقي، أو حتى خلافاته مع رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني.
ولكن وصلت الخلافات إلى داخل معسكر الذين كانوا حلفاءه؛ إذ تعيش كتل السنة في العراق في دائرة متسعة من الخلافات في الأشهر القليلة الماضية، هذه الخلافات تهدد بشكل مباشر منصب الحلبوسي كرئيس للبرلمان، ومن جانب آخر تهدد ما توصلت إليه النخب السياسية السنية في العراق من مكاسب في السنوات القليلة الماضية.
خميس الخنجر، رجل الأعمال السني الثري، والسياسي والذي كان له دور كبير في صعود وهبوط نخب السنة في العراق، كان في البداية خصيماً للحلبوسي، ووصلت الأمور بينهما إلى حد الإهانة.
ويترأس خميس الخنجر تحالف “عزم”، الذي كان ينافس تحالف “تقدم” بزعامة الحلبوسي، قبل دخولهما في تحالف باسم “السيادة”، بعد محاولات ناجحة للمصالحة بين الرجلين، من قبل أطراف إقليمية.
لكن في الآونة الاخيرة، بدأت التوترات والصراعات تتسع بين تحالفي عزم وتقدم، بسبب الصراع على المصالح الشخصية والامتيازات السياسية، حسب ما أكده مصدر سياسي سني مقرب من خميس الخنجر لـ”عربي بوست”.
وقال المصدر نفسه: “رئيس البرلمان الحلبوسي أنكر كل وعوده التي وعد بها تحالف عزم، كان من المفترض أن يقوم بتنفيذ الصفقات التي أبرمها بعد الانتخابات، لكنه لم ينفذها إلى الآن”.
وبحسب المصدر ذاته، فإن الحلبوسي عقد صفقة مع نواب تحالف عزم برئاسة خميس الخنجر من أجل التصويت له لتولي منصب رئيس البرلمان للمرة الثانية، مقابل منحهم بعض الحقائب الوزارية والمناصب الإدارية المهمة في الحكومة المركزية في بغداد، وفي محافظة الأنبار مسقط رأس الرجلين، ومعقل النخب السياسية السنية في العراق.
قالت مصادر سياسية سنية عراقية لـ”عربي بوست”، إن الحلبوسي، لم يعطِ أياً من حلفائه السنة المناصب التي اتفقوا عليها قبل التصويت له على منصب رئيس البرلمان، بل قام بمنح هذه المناصب إلى حلفائه المقربين من تحالف “تقدم” الذي يترأسه.
كان عدم تنفيذ الحلبوسي لوعوده التي قدمها لتحالف “عزم” بقيادة خميس الخنجر، من أهم الأسباب الرئيسية التي دفعت النخب السياسية السنية إلى التفكير في الاطاحة بالحلبوسي من منصبه.
يقول مصدر مقرب من الحلبوسي لـ”عربي بوست”: “على الرغم من طمع تحالف “عزم”، وتحريض الكربولي زعيم حزب الحل ضد الحلبوسي، إلا أنني أرى أنه كان من الخطأ ألا ينفذ الحلبوسي وعوده لهم، هذه الصفقات معروفة في تاريخنا السياسي في العراق، والجميع يلتزم بها”.
لكن هناك من يرى أن الحلبوسي لم ينفّذ هذه الوعود، ليس تنصلاً أو غدراً، بل إنه تعرض للخيانة من الحلفاء الشيعة في الإطار التنسيقي، حسب ما قال نائب من تحالف تقدم مقرب من الحلبوسي لـ”عربي بوست”.
وقال المتحدث: “المناصب التي يتحدث عنها تحالف عزم والكربولي وباقي القادة السنة، لم يتم منحها للحلبوسي من قبل السوداني من الأساس، الحلبوسي ليس خائناً لأهله من السنة أو حلفائه وشركائه السياسين، بل إنه هو من تعرّض للخيانة”.
وكان الصراع الأخير بين رئيس مجلس النواب الحلبوسي، ورئيس الوزراء الشياع يدور حول اتهام الأول للأخير بأنه لم ينفّذ وعوده والصفقة التي أبرمت قبل منحه الثقة لتشكيل الحكومة.
وبحسب مصادر “عربي بوست”، فإن الصفقة بين الحلبوسي والسوداني، كانت تتضمن منح الحلبوسي العديد من المناصب الإدارية المهمة، وترك الحرية له لاختيار المسؤولين المهمين في محافظة الأنبار، مقابل دعم الحلبوسي لحكومة السوداني.
يرى النائب المقرب من رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، أن السوداني لم يقم بتنفيذ وعوده للحلبوسي، ضمن خطة من قادة الإطار التنسيقي الشيعي للضغط على الحلبوسي، ومحاصرته، وإيقاعه في خلافات مع القادة السنة تمهيداً للإطاحة به، وإنهاء مستقبله السياسي.
التخلص من النخب السنية القديمة
بعد عام واحد من توليه رئاسة البرلمان، أصبح الهدف الرئيسي للحلبوسي هو التخلص من النخب السياسية القديمة في محافظة الأنبار، وبالتحديد عناصر الحزب الإسلامي العراقي.
ففي يونيو/حزيران 2019، اعتقلت الشرطة الفيدرالية رئيس بلدية الفلوجة بمحافظة الأنبار، عيسى الساير، المنتمي لقبيلة البوعيسى السابق ذكرها، وأحد أهم عناصر الحزب الإسلامي العراقي في الأنبار.
سياسي سني من الحزب الإسلامي العراقي، قال لـ”عربي بوست”: “استطاع الحلبوسي من خلال تحالفه مع الشيعة في بغداد، التخلص شيئاً فشيئاً من عناصر الحزب الإسلامي العراقي في محافظة الأنبار، ليحل محلهم المؤيدون له”.
في غضون ذلك، ساعد جمال الكربولي السياسي السني البارز، ورجل الأعمال، الحلبوسي في ضخ الكثير من الأموال لإعادة إعمار محافظة الأنبار وتزايد شعبية الحلبوسي في المحافظة التي دمرتها الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
يقول سياسي سني مقرب من الحلبوسي لـ”عربي بوست”: “استطاع الحلبوسي في وقت قصير ومن خلال المساعدات المالية الدولية وسخاء الكربولي، أن ينفذ مئات من المشاريع في الأنبار”.
وقال المصدر نفسه: “استطاع الحلبوسي بناء الآلاف الوحدات السكنية، واستعادة الأمن في المحافظة، مبتعداً عن استخدام السياسات الطائفية، فجذب الناس الطامحين في الأمن والاستقرار إليه بعيداً عن الحروب والصراعات الطائفية التي كان الحزب الإسلامي العراقي منخرطاً فيها”.
ومنذ تولي الحلبوسي لرئاسة البرلمان عام 2018 ومحافظة الأنبار تشهد طفرة إعادة إعمار هائلة، فتم إنشاء الكثير من الطرق والجسور، والوحدات السكنية، التي ساهمت في عودة المواطنين النازحين أثناء الحرب مع تنظيم الدولة الإسلامية.
فجلب إعادة إعمار الأنبار فوائد سياسية جمة للحلبوسي مع الحفاظ على تحالفه مع النخب الشيعية في بغداد، التي وثقت به وتركته يعمل بحرية أكبر.
الحلبوسي.. ومحاولات تقويض النفوذ
أخبرت مصادر سياسية سنية وشيعية متعددة “عربي بوست”، بأن الإطار التنسيقي والقادة السياسيين السنة يقومون بتنفيذ خطتهم للإطاحة بالحلبوسي من خلال اللجوء إلى خصومه.
خصوصاً قبل موعد إجراء انتخابات مجالس المحافظات المقرر إجراؤها في نهاية العام الجاري، من أجل ضرب القاعدة الجماهيرية للحلبوسي في مسقط رأسه، محافظة الأنبار غربي العراق.
على سبيل المثال، قالت مصادر مقربة من رجل الأعمال والسياسي السني، خميس الخنجر، إن الأخير يسعى إلى إعادة “الصحوات” السنية من أجل منافسة الحلبوسي في الانتخابات المحلية المقبلة.
كان الشيخ عبد الستار أبو ريشة، هو من أسس جماعات الصحوات السنية، لكن قام تنظيم القاعدة باغتياله عام 2007، حالياً يقوم خميس الخنجر بتعزيز مكانة ابن عبد الستار أبو ريشة، الشاب سطام أبو ريشة.
ويسعى خنجر من خلال ذلك لإحياء الصحوات مرة أخرى لتقويض نفوذ الحلبوسي في الأنبار، خاصة أن سطام أبو ريشة والحلبوسي بينهما علاقة متوترة، بسبب دعم الأخير لعم سطام، الشيخ أحمد أبو ريشة الذي يتنازع على قيادة الصحوات مع ابن أخيه.
في هذا السياق، يقول مصدر مقرب من الشاب سطام أبو ريشة، لـ”عربي بوست”: “يتوهم الحلبوسي أنه يستطيع الإيقاع بين سطام وعمه أحمد، على ما يبدو أن السيد الحلبوسي نسي كيف تدار الأمور داخل القبيلة”.
جدير بالذكر هنا، أن الحلبوسي قام بزيارة أحمد أبو ريشة، في زيارته الأخيرة إلى الأنبار في بداية العام الحالي، ما دفع البعض إلى التكهن بأنه سيقوم بدعم أحمد أبو ريشة مقابل ابن أخيه سطام أبو ريشة.
ليس خميس الخنجر من لجأ إلى سطام أبو ريشة فقط للسيطرة على نفوذ الحلبوسي في الأنبار، بل لجأ قادة الإطار التنسيقي إلى الحيلة نفسها، حسب ما كشفه قيادي في الإطار التنسيقي لـ”عربي بوست”.
وقال المتحدث: “بعد محادثات مع الإخوة الإيرانيين فيما يخص محاولة السيطرة على الحلبوسي، تم التواصل مع سطام أبو ريشة، ومنحه العديد من الوعود والضمانات من أجل منافسة الحلبوسي في محافظة الأنبار السنية”.
بجانب سطام أبو ريشة سينافس الحلبوسي في الانتخابات الزعيم السني المنبوذ حالياً، والذي كان يتمتع بمكانة كبيرة في الأوساط السياسية السنية منذ سنوات، الشيخ علي حاتم سليمان الدليمي.
حاتم سليمان الدليمي، من قبيلة الدليم الكبيرة والممتدة في محافظة الأنبار، وكان من أهم قادة الصحوات السنية بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، لكنه الآن يعيش في إقليم كردستان العراق نظراً لدعمه الاحتجاجات السنية المسلحة في عام 2014 قبل وقت قليل من ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق.
كشف مصدر أمني عراقي مقرب من الإطار التنسيقي الشيعي، لـ”عربي بوست”، أن وفداً من الإطار التنسيقي سافر إلى مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، لمقابلة الشيخ سليمان الدليمي، في محاولة لإعادته إلى الأضواء لمحاصرة الحلبوسي والسيطرة عليه.
في هذا الصدد، يقول المصدر الأمني لـ”عربي بوست”: “يراهن الإطار التنسيقي على أن سليمان الدليمي سوف ينجح في كسب القاعدة الجماهيرية التابعة للحلبوسي، لكنهم مخطئون”.
وأضاف المتحدث: “الحلبوسي رجل يرتدي الملابس العصرية وفكره ليبرالي، ولديه قاعدة جماهيرية من الشباب كبيرة، لكن سليمان الدليمي بزيه العربي التقليدي وفكره المتطرف لا يصلح لهذا الزمن”.
وفي مقابلة مع الشيخ حاتم سليمان الدليمي مع وكالة رويترز عام 2014، قال إنه “خطط لعمل كمائن ضد القوات المسلحة العراقية في محافظة الأنبار، واستطاع قتل 100 عنصر منهم، كما وصف كيف تعاون مع تنظيم القاعدة في بعض الأحيان لإسقاط حكومة نوري المالكي”.
وكان ينظر لسياسات رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ضد سنة العراق، على أنها سبب لتمرد السنة، ولجوئهم لحمل السلاح والقتال جانب تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية، للإطاحة بحكومة المالكي التي تم وصفها من قبل السياسيين السنة بالطائفية في بعض الأحيان.
وعلى الرغم من تاريخ سليمان الدليمي، إلا أن قادة الإطار التنسيقي الشيعي لجأوا للتفكير فيه مرة أخرى، للسيطرة على نفوذ الحلبوسي، إلا أن البعض انتقد هذه الخطة، حسب ما قاله مصدر سياسي شيعي مقرب من إيران لـ”عربي بوست”.
وقال المتحدث “لجوء الإطار التنسيقي لخصوم الحلبوسي وبالتحديد سليمان الدليمي، أمر خاطئ تماماً، القبائل مهمة لا شك في ذلك، والحصول على دعمهم ومساعدتهم أمر ضروري، لكن علينا اختيار القادة الصالحين منهم، لا بد من طي صفحات القتال والعنف الطائفي وتجاهل من قاموا بتأجيج هذه الفتن في السابق”.
سقوط وشيك لأقوى رجل سنة في العراق؟
الصعود السريع للحلبوسي مهدد بالانهيار، فبحسب مصادر سياسية شيعية في بغداد، فإنه في الأسابيع القليلة الماضية، كان هناك وفد كبير من محافظة الأنبار، ضم نشطاء وصحفيين ومسؤولين حكوميين ومواطنين عاديين، قاموا بزيارة عدد من السياسيين من الإطار التنسيقي الشيعي.
وكان هدف الزيارة هو الإطاحة بالحلبوسي من منصبه كرئيس للبرلمان، لأنه لم يعد يتمتع بالشعبية الكبيرة السابقة، وانحرف عن مساره الذي أعلنه منذ سنوات، على حد تعبير المصادر السياسية.
وفي الأنبار، يتزايد السخط ضد الحلبوسي يوماً بعد يوم، حسب ما أكده أحد الصحفيين المحليين في المحافظة لـ”عربي بوست” قائلاً إن الكثير من المواطنين يطلقون على الحلبوسي لقب “صدام حسين الجديد”، في إشارة إلى جبروته وعنفه ضد خصومه.
يقول المتحدث: “الحلبوسي أصبح ديكتاتوراً صغيراً، يعتقل كل من يخالفه الرأي في الأنبار، ويهدد الكثيرين بالاعتقال، ويستخدم نفوذه كرئيس للبرلمان في ترهيب خصومه وأي عادٍ يعارضه، ووصل الأمر إلى حد تهديده لرؤساء القبائل المعارضين لنهجه”.
ويضيف المصدر ذاته قائلاً: “الرجل كشف عن وجهه الماكر والمخادع، لقد تخلص من جميع السياسيين السنة القدامى في المحافظة، ولم يكتفِ بذلك لأن هذا الأمر في النهاية جزء من لعبة السياسة، لكنه تخلص من حلفائه وأنصاره في بعض الأحيان، يحتفظ بدائرة مقربة يعطيها كافة الامتيازات في المحافظة ولا يسمح لأحد من خارج هذه الدائرة بالحصول على أي منصب”.
وبجانب اتهامات المحسوبية التي طالت الحلبوسي في الفترة الأخيرة، فإن هناك من ينتقد فساد الحلبوسي وشركاته في محافظة الأنبار، ويتهمه الكثيرون باختلاس الأموال المخصصة لأصحاب المعاشات والشهداء، من خلال المسؤولين الموالين له.
وبحسب ثلاثة من المصادر الصحفية المحلية في الأنبار، فإن شركات الحلبوسي وأقاربه ودوائره المقربة، تسيطر على كافة المشاريع في المحافظة، دون إعطاء أي فرصة للآخرين.
كما يتعرض الحلبوسي لسخط شعبي في الأنبار بسبب عدم وفائه بوعوده المتعلقة بأبعاد الفصائل المسلحة الشيعية عن المحافظات السنية المحررة من تنظيم الدولة الإسلامية، والتحقيق في حوادث اختفاء الآلاف من أبناء المحافظة في وقت القتال ضد التنظيم.
يقول الصحفي العراقي لـ”عربي بوست”: “وعد الحلبوسي بالعمل على مواد قانون الإرهاب التي تم تصميمها خصوصاً للتميز ضد المكون السني، والتي على إثرها تم اعتقال العشرات من المحافظات السنية دون أدلة قوية على تورطهم في قضايا الإرهاب، لكن إلى الآن لم يفعل أي شيء”.
لقد تحدى الحلبوسي كافة الأعراف السياسية في رحلة صعوده للسلطة، فأصبح خلال سنوات قليلة محافظ الأنبار ثم رئيساً للبرلمان وهو أعلى منصب يمكن للسني الحصول عليه.
يقول سياسي سني معارض للحلبوسي لـ”عربي بوست”: “كان صعود الحلبوسي مثيراً للجدل، نظراً لخلفيته الاجتماعية والسياسية، فهو ينحدر من قبيلة تعتبر من أقل القبائل نفوذاً في الأنبار، وبالرغم من ذلك استطاع الوصول إلى أعلى المناصب”.
في بداية الحلبوسي، حصل على دعم العديد من الشخصيات السياسية السنية المؤثرة والتي لجأت إلى نبذ العنف والطائفية والعودة إلى الحياة السياسية العراقية بشكل جديد، مثل رافع العيساوي وزير المالية السابق، وجمال الكربولي، وخميس الخنجر، وجميعهم تورطوا بشكل أو بآخر في الأحداث العنيفة التي وقعت في العراق بعد عام 2003.
استطاع الحلبوسي بفكره المتحرر الليبرالي ومظهره العصري جذب انتباه النخب السياسية السنية التي راهنت عليه في البداية، لكن سعيه وراء السلطة وتنصله من الحلفاء وكسره لوعوده لهم عجّل بسقوطه المحتمل.
يقول سياسي سني مقرب من خميس الخنجر لـ”عربي بوست”: “لم نلاحظ الخبث الذي يتمتع به الحلبوسي في البداية، الرجل استطاع خداعنا، وفي غمضة عين، انقلب على المؤيدين والمعارضين”.
بالرغم من أن هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى تزايد السخط تجاه الحلبوسي، والكثير من الدلائل والتحركات سواء من النخب السنية أو الشيعية علي حد سواء، والتي تشير إلى قناعتهم بأن الحلبوسي أصبح شريكاً لا يمكن الوثوق به ويجب إزالته، إلا أنه ليس من السهل التأكد من سقوط الحلبوسي في المستقبل القريب.
يقول سياسي شيعي من الإطار التنسيقي لـ”عربي بوست”: “السياسة في العراق قائمة على عقد الصفقات، يستطيع الحلبوسي أن يعقد صفقة مع خصومه سواء السنة أو الشيعة، وينفذها لينقذ نفسه من هذا المأزق، واعتقد أنه أذكى من التمادي في العناد والجبروت، لا بد أن يعثر على صفقة كبيرة لانقاذه”. كما أشار المصدر ذاته إلى أن أي صفقة مستقبلية ستتم بين الحلبوسي وخصومه لا بد أن تتضمن تقييداً لنفوذه المتسارع في السنوات الأخيرة، “لا بد أن يقبل الحلبوسي ببعض الخسارات، مثل التخلي عن بعض الأعمال والشراكات والمناصب المهمة في الأنبار، يجب أن يتعلم مشاركة الآخرين في المكاسب، هذه قواعد اللعبة دائماً
عربي بوست