قالت صحيفة The Washington Post الأمريكية، في تقرير نشرته الجمعة 14 يوليو/تموز 2023، إن العالم تعرَّض لسلسلة من الصدمات الاقتصادية القاسية على مدى السنوات الثلاث الماضية، ما دفع 165 مليون شخص إلى هوة الفقر في جميع أنحاء العالم، وجعل الدول النامية الغارقة في الديون عاجزةً عن تحمل تكاليف التعليم والطب والخدمات الاجتماعية لمواطنيها، وفقاً لما كشف عنه تقرير صادر عن “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي”.
حيث اقترضت بعض الدول الفقيرة بكثافة منذ عام 2020 لمواجهة وباء كورونا؛ وارتفاع فواتير الغذاء والوقود بسبب الحرب في أوكرانيا؛ وأسرع تزايد لوتيرة التضخم منذ 40 سنة؛ والارتفاع المطرد في أسعار الفائدة.
الديون تبتلع أموال الدول الفقيرة
الحال كذلك، باتت عشرات الحكومات -معظمها في إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط- تنفق من عائداتها على سداد ديونها أكثر من ضعف ما تنفقه على البرامج الاجتماعية لمواطنيها. ويعيش نحو 3.3 مليار شخص في بلدان تنفق على مدفوعات الفوائد للبنوك وجهات الإقراض الحكومية أموالاً أكثر من تلك المخصصة لتعليم المواطنين وتقديم الخدمات لهم.
في معرض التعليق على هذه البيانات، قال أخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إن “هذا يعني أن الحكومات صارت عاجزة عن دفع رواتب المعلمين؛ وعاجزة عن توظيف الأطباء والممرضات في المستشفيات؛ وعاجزة عن توفير الأدوية لمراكز الصحة الريفية”، وأدى ذلك إلى “تقليل الرعاية الصحية؛ وتقليص خدمات التعليم؛ وغياب شبكات الأمان الاجتماعي القادرة على توفير الإغاثة العاجلة للناس الذين يجدون أنفسهم -بلا ذنب فعلوه- عاجزين فعلياً عن توفير الطعام لأسرهم”.
ويرى شتاينر أن “الفقر وعجز الدول عن مساعدة مواطنيها، وتقديم الخدمات لهم، أخذت تزيد من حدة الانقسام في المجتمعات”، وبناء عليه يتفاقم “الاستقطاب السياسي والتطرف والاضطراب السياسي، لأن الدول العاجزة عن استيراد الوقود وتوفير الأدوية أو حتى الإمدادات الغذائية الأساسية لا يلبث الاضطراب أن يستشري في مجتمعاتها”.
دعوات لوقف تحصيل الديون من الدول الفقيرة
بناء على ذلك، دعا مسؤولو برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قادةَ العالم إلى التوافق على قرار رسمي بإيقاف تحصيل الديون من الدول الفقيرة أثناء قمة مجموعة الدول العشرين، المقرر انعقادها في سبتمبر/أيلول في نيودلهي. وقالت الوكالة إن انتشال 165 مليون شخص من الانضمام إلى براثن الفقر سيكلف الدول الدائنة نحو 14 مليار دولار، وهي نسبة يسيرة (لا تتجاوز 1 %) من الاقتصاد العالمي.
على الرغم من المؤتمرات المتوالية منذ سنوات والتحذيرات المتكررة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمات مكافحة الفقر، فإن زعماء العالم لم يبذلوا سوى القليل حتى الآن للتخفيف من أعباء الديون الواقعة على الدول النامية. وتقدمت 4 دول فقط بطلب المساعدة في “إطار برنامج العمل المشترك” الذي أقرته مجموعة العشرين في عام 2020، ولم تتوصل إلا دولتان منها إلى اتفاق مع الدائنين لتيسير المدفوعات المطلوبة.
أشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن إحدى أبرز العقبات التي تعترض تخفيف الديون عن الدول النامية هي أن المصارف العالمية وغيرها من دائني القطاع الخاص يستحوذون على 63 % من إجمالي الديون الخارجية للدول النامية، وهذه المؤسسات يصعب إقناعها بالمشاركة في تخفيف الديون.
مطالب بتخفيف ديون الدول الفقيرة
مع ذلك، فقد شدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على أن الحاجة ماسة إلى تخفيف الديون، إذ إن أكثر من عشرين دولة نامية باتت تخصص أكثر من 20% من إيراداتها لسداد الديون، وهو أعلى رقم تبلغه دول الاستدانة منذ عام 2000، حين صدرت آخر مبادرة كبيرة لتخفيف الديون.
وفي غضون ذلك، فإن ملايين السكان في عشرات البلدان مهددون بالوقوع في براثن الفقر إذا تواصل التضخم في أعباء الديون. إذ تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن لبنان، على سبيل المثال، ينفق على مدفوعات الفوائد أكثر من 3 أضعاف ما ينفقه على التعليم، وأكثر من ضعف ما ينفقه على الصحة. وحتى البرازيل -وهي قوة اقتصادية ناشئة- تنفق على الفوائد أكثر مما تنفق على الرعاية الصحية لسكانها البالغ عددهم 214 مليون نسمة.
في حين يطَّرد التزايد في معدلات الفقر مع تراكم أعباء الديون في البلدان التي تصنفها الأمم المتحدة ضمن “الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل”، مثل مصر وهندوراس والهند وفيتنام، والتي يتراوح الدخل السنوي للفرد فيها بين 1136 دولاراً أمريكياً و 4465 دولاراً أمريكياً.
عرَّف “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” الفقرَ في أحدث تقرير له، بأنه العيش على أقل من 3.65 دولار في اليوم. وتدل البيانات على أن التدهور الاقتصادي الأخير أطاح بالمكاسب التي حققتها حملات مكافحة الفقر قبل جائحة كورونا، وأعاد العدد الإجمالي للذين يعيشون على أقل من 3.65 دولار إلى ما كان عليه في عام 2018، أي نحو 1.6 مليار شخص.