تُعتبر الأسر الفرعونية جزءاً لا يتجزأ من الحضارة الفرعونية عموماً، لاسيما إنها ساهمت في تشكيل مصر القديمة كما نعرفها اليوم، وليس ذلك فقط. يُمكن القول إن شعوب العصر الحجري عرفت الازدهار والتطور عن طريق الأسر الفرعونية.
وإذا كان لا يخطر على بالك -عندما تفكر في مصر الفرعونية- سوى أهرامات الجيزة، أو توت عنخ أمون وكليوباترا، أو وادي الملوك.. فالحقيقة أن كثيراً من التاريخ الحقيقي قد فاتك عزيزي القارئ.
يبدأ عصر الأسر الفرعونية في مصر القديمة من القرن الرابع قبل الميلاد، وقد ضمّ الأسرتين الأولى والثانية، اللتين يبدأ بهما التاريخ المدوّن لعصر الأسر الفرعونية. وقد بسَطَ أول فرعون سيطرته على مصر السفلى، عن طريق إنشاء عاصمة في ممفيس.
ومن خلالها، تمكن من السيطرة على القوة العاملة والزراعة في منطقة الدلتا الخصبة، بالإضافة إلى السيطرة على حركة التجارة المتجهة إلى الشام. فتعاظمت سلطة ونفوذ الفراعنة في ذلك الوقت، وتطورت عاماً بعد عام.
والحقيقة أن حقبة مصر الفرعونية تمتد إلى نحو ثلاثة آلاف عام؛ فقد بدأت من نحو عام 3200 قبل الميلاد، مع تأسيس أولى الأسر الفرعونية، واستمرت حتى دخول الإسكندر الأكبر إلى مصر نحو عام 323 قبل الميلاد.
لكن كيف بدأ عصر الأسر المصرية؟
سعت مملكة الصعيد إلى تحقيق الوحدة مع مملكة الدلتا؛ ومن أجل تحقيق ذلك، خاضت حروباً قاسية تُوِّجت بالوحدة بين البلدين. ويعدّ دبوس الملك العقرب وصلاية الملك نعرمر من أهم الآثار التي تدلّ رسومها على الحروب التي دارت بين الطرفين.
فالملك العقرب، الذي يعتقد البعض أنه قد يكون أول ملك في التاريخ، حارب أهل الشمال وانتصر عليهم. ولكن نعرمر هو الذي حقق الوحدة فعلياً، بدليل تتويجه بتاج الصعيد الأبيض والشمال الأحمر.
وهكذا توحدت مصر حوالي سنة 3200 قبل الميلاد، وأصبح نعرمر ملكاً على أولى الأسر الفرعونية الحاكمة، ويبدو أنه حمل لقب “مينا”؛ مع الأخذ بعين الاعتبار أن هوية مينا هي موضوع نقاش مستمر.
خلال حقبة مصر الفرعونية، شهدت مصر العديد من مراحل النهضة والتقدم التي تركت إرثاً هائلاً من مظاهر وآثار الحضارة، والعمران، والعلوم، والفنون. ووفقاً لموقع “الهيئة العامة للاستعلامات” المصري، تُقسّم الحقبة الفرعونية إلى 3 أقسام:
- الدولة القديمة.
- الدولة الوسطى.
- الدولة الحديثة.
كما يؤكد المؤرخون أن الأسر الفرعونية التي حكمت مصر القديمة، خلال هذه المراحل الثلاث، كان عددها 30 أسرة.
الأسرة الثامنة عشرة
يُمكن القول إن الأسرة الثامنة عشرة هي صاحبة أطول فترة حكم في مصر الفرعونية، فقد حكمت حوالي 250 عاماً. وقد قدَّر العلماء طول فترة حكمها من خلال تحليل السجلات المكتوبة، والتأريخ بالكربون المشع، وآثار المقابر.
بدأ حُكم الأسرة الثامنة عشرة حوالي عام 1550 قبل الميلاد، حين نجح أحمس في طرد “الهكسوس”، وهي مجموعة موطنها آسيا وقد حكمت جزءاً من مصر القديمة لأكثر من قرن.
ويُقال إن الحكام، الذين خلفوا أحمس، وسّعوا مساحة الأراضي الخاضعة لمصر الفرعونية حتى امتدت إمبراطوريتهم من السودان الحديث إلى سوريا حالياً. وهي أكبر مساحة استطاعت أي من الأسر الفرعونية تغطيتها.
الأسرة الثامنة عشرة هي أولى الأسر الفرعونية في المملكة المصرية الحديثة، وقد حكمت من الفترة ما بين 1549 إلى 1292 قبل الميلاد، ويُطلق عليها لقب “الأسرة التحتمسية”.
أشهر أفراد الأسرة الثامنة عشرة هو توت عنخ آمون، فرعون مصر الذي حكمها من 1334 إلى 1325 ق.م.
اللافت أن توت عنخ آمون يُعدّ أحد أشهر الفراعنة في تاريخ الأسر الفرعونية جميعها، لأسبابٍ لا تتعلق بإنجازات حققّها أو حروب انتصر فيها -كما هو الحال مع الكثير من الفراعنة- وإنما لأسباب تاريخية، أبرزها اكتشاف مقبرته وكنوزه بالكامل، من دون أي تلف.
كذلك فإن الملكة حتشبسوت من أشهر الفراعنة التي تنتمي إلى الأسرة الثامنة عشرة (وقد حكمتها لفترة 20 عاماً) إلى جانب الملك أخناتون وزوجته الملكة نفرتيتي. وما يميّز هذه الأسرة أنها الوحيدة من بين الأسر الفرعونية التي ضمّت امرأتين حكمتا مصر.
أي حكم أطول من حكم الأسرة الثامنة عشرة؟
بدأ الحديث عن الأسر الفرعونية عندما بدأ العلماء في تقسيم مصر إلى أسر، وقد حدث ذلك حوالي العام 300 قبل الميلاد. ورغم أن كثيراً من الفراعنة داخل الأسر الحاكمة كانت تربطهم علاقات عائلية، لم يكن كلهم كذلك.
في حديثٍ إلى موقع Live Science، يقول مارك فان دي ميروب (أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا،) إن “الأسر الفرعونية أعضاؤها متعاقبون من عائلة واحدة مع بعض الإضافات. وأعضاء الأسرة الثامنة عشرة كانت تربطهم علاقة قرابة، باستثناء آخر حكامٍ فيها”.
ورغم أن الأسرة الثامنة عشرة كانت صاحبة أطول فترة حكم ضمن الأسر الفرعونية جميعها، إلا أن فترتَي الحكم اليوناني والروماني كانتا أطول. فقد بدأ الحكم اليوناني في مصر عام 332 ق.م، حين غزا الإسكندر الأكبر مصر التي كانت خاضعة لسيطرة الفرس.
وبعد وفاة الإسكندر عام 323 ق.م، انهارت إمبراطوريته وأصبح بطلميوس (أحد جنرالات الإسكندر) حاكماً لمصر. وقد حكم مصر لقرابة 300 عام، حتى وفاة كليوباترا السابعة عام 30 قبل الميلاد.
وبعد وفاة كليوباترا، ضمّ الإمبراطور الروماني أغسطس مصر إلى الإمبراطورية الرومانية. ورغم ندرة زيارة الأباطرة الرومان إلى مصر، تُظهر أعمال فنية من تلك الفترة أنهم كانوا يُعامَلون مثل الفراعنة.
ورغم سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 476، استمرت الإمبراطورية الرومانية الشرقية (التي اشتهرت بالإمبراطورية البيزنطية وعاصمتها القسطنطينية) في حكم مصر حتى عام 646، حين غزتها الخلافة الراشدة.