سعادة مصطفى أرشيد
منذ أيام أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطيني بياناً بدا على شيء من الغرابة وخارج عن السياق العام للسلطة الفلسطينية، حذرت فيه من أنّ «إسرائيل» تتحضّر لشنّ عدوان واسع النطاق على غزة بعد انتهاء إجازة عيد الفصح اليهودي، وأشارت بين سطور البيان أنّ هدف العدوان ليس المقاومة أو الجهة الحاكمة في غزة وإنما الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني، وأنّ ذلك يتمّ لأسباب «إسرائيلية» حكومية داخلية بحتة ذات علاقة بالأزمة التي تعيشها «إسرائيل» ورئيس الحكومة بن يامين نتنياهو ووضعه الموشك على الانهيار في ظلّ حالة الاشتباك التي تسود الوسط السياسي في «إسرائيل»، وجرياً على العادة الإسرائيلية القديمة المتجدّدة، فإنّ الاشتباك العسكري مع جهات خارجية هو ما يشدّ العصب الداخلي لديهم، وذهب بيان وزارة الخارجية إلى الطلب من المجتمع الدولي أن يقف عند مسؤولياته ليدرأ خطر هذا العدوان وأنّ الشعب الفلسطيني بدوره لن يقبل هذه المرة انحياز بعض الدول لـ «إسرائيل» ومنحها الغطاء والحماية غير المبررة بادّعاء حقها في الدفاع عن النفس.
فهل كشفت وزارة الخارجية سراً؟ لا شك أنّ في البيان لغة جديدة ولهجة لم نلاحظها من قبل، الأمر الذي يطرح أسئلة ما بين الاستفهامية والاستنكارية، فهل «إسرائيل» كانت قبل إجازة عيد الفصح اليهودي أو أثناءه قد توقفت عن عدوانها المستمر على الشعب الفلسطيني، خاصة في شمال الضفة الغربية والجميع يرى أنّ اغتيالاتها واجتياحاتها واعتقالاتها قد أصبحت أمراً روتينيا وتتمّ على مدار الساعة ليلاً ونهاراً في قلب المناطق (أ) التي تتبع السلطة الفلسطينية، وأن على صعيد المستوطنات التي كانت قد احلتها وسلمتها للسلطة الفلسطينية بموجب الاتفاقات القديمة وعادت تريد أن تملأها بالمستوطنين وتجعل منها مستوطنات مسلحة وما شابه بمعسكرات لجيش الضفة الغربية أو الميليشيا التي ستقوم مقام الجيش بأعمال القتل والقمع بالضفة الغربية بلا أية ضوابط كالتي يلتزم بها الجيش على ضعفها، وهذه المستوطنات منها ما يعتلي مدينة جنين ومنها ما يقطع طريقها إلى نابلس وباقي الضفة الغربية.
على صعيد غزة التي تفرض عليها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حصاراً إنسانياً يطال توريد أساسيات لوازم الحياة لأهلها، ولا يتوقف الاشتباك معها أو قصفها إلا ليبدأ من جديد، بما فيه الأيام الماضية وأثناء عيد الفصح اليهودي وحسب ما ذكر نتنياهو في خطابه مساء الإثنين الماضي: ألقينا على غزة خمسين طن من المتفجرات.
على صعيد ثالث بالقدس، فالعدوان متواصل على المدينة بأكملها من استيطان وتضييق على سكانها، وفوق ذلك كله عدوانها على المسجد الأقصى الذي أصبح يجتاحه يومياً أكثر من ألف مستوطن مرشحين للزيادة تحرسهم الشرطة وتخلي المسجد من أصحابه قبل دخولهم، مما يعني أنّ المسجد الأقصى قد تمّ تقسيمه عملياً بين الفلسطينيين والمستوطنين الذين أصبح لكلّ منهم وقته وحيّزه، ويتمّ حظر الاعتكاف في المسجد في ليالي رمضان بخلاف ما جرت عليه العادة منذ ثمانية قرون، عندما تمّ تحرير القدس من الصليبيين، كان المسجد الأقصى يتعرّض دوما لاعتداءات، منها تفتيش الداخلين إليه أو تركيب بوابات وكاميرات وما إلى ذلك، ولكن في هذه المرة نرى عدواناً يمسّ جوهر العقيدة والعبادة.
نعيش ولا شكّ أجواء صعبة وفي منطقة رمال متحركة تجعل التأكد من أيّ أمر عملية صعبة، ولا يقين إلا في مسألة أنّ الصراع مع الكيان الغاصب مستمرّ ولن يتوقف، هل ستضرب (إسرائيل) غزة؟ أم سورية أم لبنان؟ أو أنها بصدد عملية كبيرة ودموية في شمال الضفة على غرار ما حدث قبل واحد وعشرين سنة في نيسان 2002 عندما اجتاحت مخيم جنين؟ لا يعلم كاتب المقال وأظنّ أنّ كثيرون غيره لا يعلمون، ولكن وزارة الخارجية الفلسطينية تقول في بيانها إنها تعلم بالحدث وتحلّل أسبابه، وتطالب المجتمع الدولي أن يقف عند مسؤولياته وتؤكد أنّ الشعب الفلسطيني لن يبقى صامتا أمام ذلك، ولكن الشعب الفلسطيني يسائل وزارة الخارجية والسلطة الفلسطينية بدوره، هل ستقفان عند مسؤولياتهما؟ وبما يتجاوز الشجب والإدانة والاستنكار والتهديدات التي أطلقت في السابق ولم تنفذ على غرار وقف التنسيق الأمني، والذي تقول الوثائق الأميركية المسربة منذ بضعه أيام أنه لم يتوقف ولا مرة وإنما كانت السلطة تعلن ذلك لشعبها فقط، أم هذه المرة ستتحرك وزارة الخارجية ومجموع الوزارات والهيئات في السلطة الفلسطينية نحو ردّ مفيد وممكن ويمثل حداً أدنى بدعم المقاومة وإجراء المصالحة الفلسطينية الفلسطينية وتجديد الخطاب السياسي على أسس المشاركة الديمقراطية الوحدوية وضمن الممكن والمتاح فقط؟
*سياسي فلسطيني
مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة