الرجل الذي قد يكون في يده مصير بريطانيا، هو سياسي مسلم يصف نفسه بالمتدين، ولكنه يواجه خياراً صعباً بين مبادئ دينه وبين القيم الغربية الليبرالية المتطرفة، فواحد من أقوى المرشحين لزعامة الحزب الوطني الاسكتلندي وبالتالي رئاسة وزراء اسكتلندا هو وزير الصحة حمزة يوسف ذو الأصول الباكستانية.
وبدأ أعضاء الحزب الوطني الاسكتلندي (SNP)، البالغ عددهم نحو 100 ألف شخص، التصويت لاختيار رئيس وزراء جديد بعد استقالة رئيسة الوزراء نيكولا ستورجن، وهذا الحزب يدعو لتنظيم استفتاء جديد لاستقلال اسكتلندا بعد فشل الاستفتاء السابق عام 2014، بفارق ضئيل، ولكن بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي يعتقد أن فرص الاستقلال تعززت، لأن اسكتلندا هي الإقليم الوحيد الذي صوت لصالح البقاء بالاتحاد الأوروبي.
ويتنافس 3 مرشحين على هذا المنصب، وهم وزير الصحة حمزة يوسف، ووزيرة الخزانة كيت فوربس، ووزيرة الشؤون المحلية آش ريغان، إلا أن كل التوقعات تفيد بانحسار المنافسة بين يوسف وفوربس.
وستكون هذه الانتخابات تاريخية بامتياز، ففي حال فوز حمزة يوسف، فإنه سيكون أول رئيس وزراء مسلم في تاريخ اسكتلندا وأوروبا، أما في حال فوز كيت فوربس، فإنها ستكون بذلك أصغر رئيسة وزراء في تاريخ البلاد وعمرها لم يتجاوز 32 عاماً.
وإذا فاز المرشح الاسكتلندي-الباكستاني حمزة يوسف في السباق سيصبح الوزير الأول للبلاد أو رئيس وزراء اسكتلندا، في وقت تحاول لندن منع استفتاء جديد حول استقلال الإقليم.
وإذا ما تمكّن حمزة يوسف من الفوز والوصول إلى رئاسة الوزراء، فإنه سيكون بذلك قد حقق إنجازاً تاريخياً كأول شخص “مسلم” يصل لهذا المنصب في كل أنحاء أوروبا، ليمضي بذلك على خطوات رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الذي دخل التاريخ كأول رئيس وزراء بريطاني من أصول آسيوية (هندي).
ورغم ذلك، يبدو أن المقارنة مع مصير سوناك قد تكون محفوفة بالمخاطر، فخلال المنافسة بين ريشي سوناك وليز تراس على زعامة حزب المحافظين، ورغم أن قيادة الحزب كانت مع سوناك، فقد اختارت القواعد ليز تراس على حساب سوناك، لاعتبارات أيديولوجية يحركها الميل للشخص الأبيض بدلاً “الأجنبي”.
وبناء على ذلك، فقد يقع حمزة يوسف ضحية ذات العقلية، خاصة إن انحسرت المواجهة بينه وبين كيت فوربس، حيث قد تختار القواعد كيت رغم مناصرة قيادة الحزب ليوسف.
هل يؤثر الدين والعرق في نتيجة الانتخابات؟
اسكتلندا مثل بقية المملكة المتحدة هي مجتمع متعدد الأعراق ومتعدد الثقافات. يهتم الناس بملاءمة حمزة يوسف كقائد للحزب الوطني الاسكتلندي بناءً على أدائه في المنصب أكثر من عرقه، حسبما قال رضوان أبو حرب، الأستاذ المشارك في العلاقات الدولية في يونيفرسيتي كوليدج لندن لموقع Dawn الباكستاني.
وهناك عدد من السياسيين المعروفين ممن لديهم معتقدات دينية في اسكتلندا.
فكيت فوربس التي ترشحت نفسها أيضاً لقيادة الحزب الوطني الاسكتلندي هي عضو ممارس في الكنيسة الحرة في اسكتلندا، ورئيس الوزراء السابق توني بلير كاثوليكي ممارس.
وقال سوندر كاتوالا ، مدير مؤسسة المستقبل البريطانية، إن فوز حمزة يوسف يعني أن “التنوع العرقي أصبح الوضع الطبيعي الجديد في السياسة البريطانية”.
ويقول إن العرق والدين أمر عرضي. في الفترة التي تسبق التصويت، لا علاقة لتحديات يوسف بخلفيته العرقية.
ويحظى حمزة يوسف بدعم قوي من قبل زعيمة الحزب نيكولا ستورجن، التي ترى فيه استمراراً لمشروعها، خاصة ما يتعلق بالانفصال عن بريطانيا، في المقابل، تحظى كيت فوربس بثقة الكتلة المحافظة داخل الحزب.
ومن المتوقع أن يخفق المرشحون الثلاثة بالحصول على نسبة 50% المطلوبة، الأمر الذي يعني الذهاب لجولة انتخابات ثانية مع استبعاد المرشح الأقل نيلاً للأصوات في الجولة الأولى.
ألقى اليمين الدستورية باللغة الأوردية
يشغل حمزة يوسف، منصب وزير الصحة الاسكتلندي، وهو أول وزير حكومي غير أبيض وأول وزير مسلم في الحكومة الاسكتلندية في عام 2018.
وهاجر والد يوسف، الذي ولد في ميان تشونو الباكستانية، إلى غلاسكو عاصمة اسكتلندا مع عائلته في عام 1964. كما انتقلت والدته، المولودة في كينيا لعائلة من أصول جنوب آسيوية، إلى اسكتلندا في عام 1968.
ودرس يوسف السياسة في جامعة جلاسكو، حيث كان نشطاً في السياسة الطلابية، وأصبح رئيساً لاتحاد الطلاب المسلمين. في عام 2011، عندما كان يبلغ من العمر 26 عاماً، أصبح يوسف أصغر عضو في البرلمان الاسكتلندي، عندما فاز عن جلاسكو.
في تعبير عن هويته الاسكتلندية الباكستانية، أدى اليمين باللغتين الأوردية والإنجليزية، وارتدى شالاً مطرزاً أسود مع شال من الترتان من نادي بارتيك ثيسل لكرة القدم.
في عام 2016، عندما أدى اليمين باللغة الأوردية للمرة الثانية، قال: “الأوردية ليست لغتي الأولى ولا لغتي الثانية. ومع ذلك، أردت أن أشيد بوالدي وأجدادي وتراثي بصفتي باكستانياً اسكتلندياً فخوراً بذلك، واعتقدت أن أفضل طريقة للقيام بذلك هي أداء اليمين باللغتين الإنجليزية والأوردية – بينما كنت أرتدي التنورة وسترة شيرواني!”.
وقال أستاذ السياسة العامة بجامعة إدنبرة، جيمس ميتشل، لموقع Dawn الباكستاني: “سيكون فوز يوسف مهماً من الناحية الرمزية”. إذا أصبح حمزة يوسف زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي والوزير الأول، فهذا يعني أن قادة أكبر حزبين في اسكتلندا سيقودهم اسكتلنديون من أصل باكستاني – أنس سروار هو زعيم حزب العمال الاسكتلندي (المؤيد لوحدة بريطانيا)- وحتى الآن ثبت أنهما يتمتعان بشعبية وفاعلية كبيرة”.
مؤيد متحمس للانفصال عن بريطانيا ولكن ماذا عن المثلية وتغيير الجنس؟!
من المفارقات التي تشهدها هذه الانتخابات هيمنة موضوع الشذوذ وقانون تغيير الجنس على النقاشات بين المرشحين للانتخابات، ولا سيما بعد استعمال الحكومة البريطانية لحق النقض (الفيتو) لإسقاط قانون أقرته حكومة نيكولا ستورجن الذي يسمح للأطفال في سن 16 عاماً بتغيير جنسهم دون موافقة الوالدين ودون موافقة طبية.
والعديد من أفكار حمزة يوسف صدمت المسلمين وكذلك المسيحيين المسيحيين، ليس فقط بسبب موقفه من المثلية ولكن اندفاعه نحو استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة.
فموقف حمزة يوسف الأكثر حدة بين المرشحين في موضوع الانفصال عن المملكة المتحدة، ورفع من حدة هذا الموقف عندما أعلن -في آخر مناظرة انتخابية مع باقي المرشحين- أنه في حال وصوله لمنصب رئيس الوزراء، فإنه سيعلن تنظيم انتخابات مبكرة ويضمن أغلبية مطلقة تزيد على 60% بالتحالف مع حزب الخضر، وبعدها سيجري استفتاء انفصال عن بريطانيا.
وإذا تحققت أهداف حمزة يوسف فقد يصبح أول رئيس لجمهورية اسكتلندا.
في حين تقول كيت فوربس إنها ستسعى للانفصال لكن عندما تنضج شروطه، وترى أن الاستفتاء يمكن أن ينتظر لـ6 سنوات مقبلة دون الدخول في مواجهة مع لندن الآن.
يصوم رمضان ولكن مدافع عن المثليين
ولكن مسألة زواج المثليين أكثر إشكالية للسياسي المسلم الذي يفاخر بأنه يصوم رمضان.
وبينما يقدم حمزة يوسف نفسه كمدافع عن حقوق الأقليات الجنسية والشواذ، والدفاع عن زواج الأشخاص من نفس الجنس، فإن منافسته كيت فوربس تقف على النقيض من ذلك تماماً، حيث أعلنت صراحة أنها لا تؤيد زواج الأشخاص من نفس الجنس، وكذلك ترفض فكرة الإنجاب خارج إطار الزواج، كما ترفض قانون تسهيل عمليات تغيير الجنس.
وتنهل كيت فوربس مواقفها -في هذه القضية- من نشأتها وتلقيها تربية كنسية محافظة، وهو ما رفع شعبيتها في صفوف الكتلة المحافظة في اسكتلندا، في مقابل إعلان هيئات الدفاع عن الشواذ دعمها لحمزة يوسف.
وهكذا تحول الصراع بين المرشحين إلى صراع بين تيار تطلق عليه الصحافة الاسكتلندية “التيار التقدمي” الذي يمثله حمزة يوسف، وبين “التيار المحافظ” الذي تمثله كيت فوربس.
وقال يوسف لا ينبغي أن يعارض زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي زواج المثليين، وأضاف: “أنا لا أوافق على هذا الرأي (أن الجنس المثلي خطيئة)”!.
ولكن السياسي المسلم الذي قد يصبح الزعيم القادم للحزب الوطني الاسكتلندي لم يستطع الهروب من أن دينه يعارض زواج المثليين، خاصة أنه لا يقدم نفسه كعلماني أو معاد للإسلام أو بعيد عنه.
وقال وزير الصحة الاسكتلندي إن إيمانه لا يعني أنه غير قادر على اتخاذ قرار بشأن التشريع: “أنا مؤيد للزواج المثلي”.
وأضاف: “اسمحوا لي أن أتطرق إلى جوهر المشكلة التي تسألني عنها. أنا مسلم. أنا شخص يفتخر بإيماني. سأصوم خلال شهر رمضان في غضون أسابيع قليلة. لكن ما لا أفعله هو استخدام إيماني كأساس للتشريع. ما أفعله كممثل، كقائد، بصفتي عضواً في البرلمان الاسكتلندي، هو تقديم السياسة ومتابعتها في مصلحة البلد”.
جاءت تعليقات وزير الصحة الاسكتلندي بعد أن فقدت كيت فوربس، المرشحة الأولى للقيادة في وقت مبكر، دعماً انتخابياً لقولها إن إيمانها المسيحي يعني أنها تعتقد أن الزواج يجب أن يكون بين رجل وامرأة وأن إنجاب الأطفال خارج إطار الزواج أمر خاطئ، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Daily mail البريطانية.
وعند سؤاله بشأن تعليقات فوربس على راديو تايمز، قال يوسف: “لم أتمكن من المشاركة في برنامجك وأخبرك أنني قادر على تغيير ما يقوله الإسلام عن زواج المثليين، أو الجنس المثلي أو وجهة النظر الإسلامية السائدة”، حسب تعبيره.
وقال: “سأكذب على مشاهديك إذا قلت.. الجميع يعرف ما هو الموقف من الإسلام السائد (حسب تعبيره) في هذا الصدد. لكن السؤال هو، هل يستخدم الناس أساس إيمانهم كشرع؟ لم أفعل ذلك، ولن أفعل ذلك لأنني لا أعتقد أن هذه مهمة المشرعين أو صانعي السياسات”.
في مقابلة مع القناة الرابعة الإخبارية، وصف يوسف نفسه بأنه مسلم متدين، وقال إنه سيحتفل بشهر رمضان قريباً، لكنه أصر على أنه يدعم شخصياً زواج المثليين.
وأضاف يوسف أيضاً: “لا يمكنني تغيير ما هو موجود في الكتاب المقدس”، في مقابلة مع إل بي سي.
ومع ذلك، أشار النقاد إلى أنه غاب عن التصويت الرئيسي في البرلمان الاسكتلندي بشأن تقنين زواج المثليين في عام 2014.
وقال حمزة يوسف إن غيابه عن التصويت على المساواة على زواج المثليين “يتم التركيز عليه لأسباب سياسية”، موضحاً أن سبب غيابه آنذاك يعود إلى اجتماع مهم مع الحكومة الباكستانية. علاوة على ذلك، يشير يوسف إلى أنه كان يحاول نقل مواطن اسكتلندي (تعرض لهجوم محكوم عليه بالإعدام) إلى اسكتلندا.
ووعد حمزة يوسف بأن الإسلام لن يؤثر على سياساته إذا أصبح وزيراً أول وأصر على أنه “يحتفل بالتنوع”.
وقال: “أنا أؤمن باسكتلندا تحتفل بالاختلافات وتحتفل بالتنوع وتحتفل بالمساواة”.
وأضاف: “لقد كنت جزءاً من أقلية طوال حياتي في هذا البلد، وأنا أعلم أن حقوقي مترابطة مع حقوق أي شخص آخر، عندما تبدأ في تقليص حقوق الناس أو التراجع عنها، سوف تفعل ذلك من أجل حقوقي أيضاً. لذا فأنا شخص يؤمن إيماناً راسخاً بالتقدم، وسجل إنجازاتي في دعم قضايا المساواة معروف جيداً، بما في ذلك القضايا التي تؤثر على مجتمع الميم (مثلي الجنس ومزدوجي الخاص باسكتلندا)”.
ونظراً لكونه مرشح الاستمرارية لخلافة نيكولا ستورجون، أيد السيد يوسف قرار ستورجون بالدفاع عن الخطة للسماح للناس بـ”التعريف بأنفسهم” على أنهم من الجنس الآخر.
وقال إن الحكومة الاسكتلندية يجب أن تلجأ إلى المحكمة للطعن في قرار الحكومة البريطانية غير المسبوق باستخدام حق النقض ضد مشروع قانون إصلاح الاعتراف بالنوع الاجتماعي.
وقال: “هل نحن في الكهف، أن تستخدم حكومة المملكة المتحدة الفيتو الأحمر ضد هذا القرار؟!”.
وأضاف: “وإذا استسلمنا، فما نوع الرسالة التي يرسلها ذلك إلى حكومة المملكة المتحدة؟”، وفي الوقت نفسه، تعرضت السيدة فوربس، وهي عضو في الكنيسة الحرة في اسكتلندا، لانتقادات من قبل عضو زميل في الحزب الوطني الاسكتلندي لإشارتها إلى المغتصب المتحول جنسياً إيسلا بريسون كرجل.