المصدر:
(القاهرة – محمد خالد) البيان الاماراتيه
تطورات تصعيدية متتالية يشهدها الملف الأوكراني، تزيد المشهد تأزماً وتعقد سيناريوهات الحرب الدائرة وخيارات الأطراف الرئيسية، مع سياسة «اللاتنازلات» التي تفرض نفسها على المشهد، وبما يُهدد العالم بمزيدٍ من التصعيد وصولاً إلى «السيناريو الأخطر».
كان سبتمبر الماضي حافلاً بالتطورات التصعيدية المشار إليها، ولعل أبرزها تفجيري خطي نورد ستريم، فضلاً عن ضم روسيا لأربع مناطق جديدة من أوكرانيا، في خطٍ متوازٍ مع الإجراءات والترتيبات العسكرية ذات الصلة، من دون مؤشرات على مفاوضات جادة من شأنها إنهاء تلك الحرب المستمرة منذ الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي وحتى الآن.
الأسئلة التي تطرح نفسها: ما هي أبرز السيناريوهات التي تنتظر الملف الأوكراني؟ وما هي خيارات الأطراف الرئيسية في ضوء تشابك الأزمات والتداعيات المرتبطة بالحرب؟ وما مدى تأثير التجاذبات السياسية الداخلية على مواقف تلك الأطراف لجهة نشاط جبهات المعارضة هناك؟
يُقدِّم الأكاديمي الأمريكي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هاملتون في نيويورك، آلان كفروني، في حديث مع «البيان» تحليلاً شاملاً للمشهد الراهن وأبرز المآلات المتوقعة والسيناريوهات التي تفرض نفسها. ويستهل كفروني حديثه بالإشارة إلى أن ثمة تطورين أخيرين فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا قد دفعا إلى تقريب العالم من «الحرب النووية».
التطور الأول كان في السادس والعشرين من سبتمبر الماضي، عندما تم تفجير أجزاء من خطوط أنابيب نوردستريم المملوكة لروسيا. والثاني، كان في يوم الثلاثين من سبتمبر، عندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضم أربع مناطق في شرق أوكرانيا للاتحاد الروسي.
ويعتقد كفروني بأن «تدمير خطوط الأنابيب، يمثل تصعيداً كبيراً لأنه يقطع الاتصال طويل الأمد بين ألمانيا وروسيا، ما يحول دون محاولات ألمانيا للتوصل إلى حل وسط مع روسيا في سياق أزمة طاقة متفاقمة.
وبينما لا يزال سبب التخريب مجهولاً، من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية هي المستفيد الرئيسي. وقد صرح وزير الخارجية الأمريكي بلينكين أنه قدم «فرصة هائلة لإزالة الاعتماد على الطاقة الروسية بشكل نهائي».
الخيار النووي
ومع ضم المناطق الأربع إلى روسيا، يقول أستاذ العلاقات الدولية، إن الرئيس بوتين قد أثار إمكانية استخدام الأسلحة النووية المسموح بها بموجب القانون الروسي في حالة وقوع هجوم على السيادة الإقليمية الروسية، كما أرسى الأساس القانوني لتعبئة 300 ألف مجند.
تشير هذه التطورات التصعيدية إلى الحاجة الملحة للمفاوضات، ذلك أن كل من القادة الرئيسيين يواجهون سياسة داخلية سامة تجعل التسوية صعبة للغاية. حتى بوتين يتعرض للهجوم العلني من قبل القوميين وحثه على اتخاذ مزيد من التحركات التصعيدية، كما أن هناك معارضة واسعة النطاق داخل المجتمع المدني الروسي للحرب كما يتضح من الهجرة الجماعية للمجندين إلى تركيا وجورجيا وكازاخستان.
وبالنسبة للولايات المتحدة، يلفت كفروني أنه مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، يشعر الحزب الديمقراطي الأمريكي بأنه مضطر إلى زيادة لهجته المناهضة لروسيا، وهي الدعامة الأساسية لاستراتيجيته منذ انتخاب دونالد ترامب.
وهكذا، فإن مناشدات المفاوضات وخفض التصعيد تقابل بهجمات على مؤيديها بصفتهم «مهادنين» وخونة.
أما داخل أوكرانيا، فإن الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي بعد انتخابه كمرشح سلام في 2019، سرعان ما علم أن المعارضة القومية لن تتسامح مع أي تنازلات. مع الدعم الهائل من الولايات المتحدة والنجاحات التي حققتها في ساحة المعركة، فإن كييف ليست في حالة مزاجية لتقديم تنازلات.
ويشير الأكاديمي الأمريكي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هاملتون، إلى أنه في هذا السياق الخطير للغاية «ربما يكون أفضل ما يمكن أن نأمله هو أن تستمر إدارة بايدن في حجب الأسلحة بعيدة المدى عن أوكرانيا، وأن يأتي هذا الشتاء بسرعة، ما يؤدي إلى خط اتصال مستقر نسبياً ويسمح للقادة بالعودة إلى رشدهم»، على حد قوله.
هنا تكون النتيجة الوحيدة القابلة للتطبيق هي نفسها التي اتفقت عليها الأطراف مبدئياً في أبريل الماضي، على الرغم من أن الولايات المتحدة قد استخدمت حق النقض ضدها.
ويختتم كفروني حديثه بالتأكيد على أن سيادة أوكرانيا مضمونة، ولكن ليس داخل حلف الناتو، فيما تظل القرم مع روسيا، التي من شبه المؤكد أنها ستستخدم الأسلحة النووية في حالة الهجمات الأوكرانية بأسلحة «الناتو». أخيراً، والأكثر صعوبة، حل مبتكر تقوده الأمم المتحدة لأراضي دونباس، وهو اقتراح أكثر صعوبة بعد عمليات الضم.
إطالة أمد الحرب
الكاتب المتخصص في الشؤون الدولية، أسامة الدليل، يقول في تصريحات لـ «البيان» من القاهرة، إن المشهد حالياً «لا يبعث على التفاؤل» ولا يشير إلى أن حدة الصراع سوف تخف، مردفاً: «نحن أمام مشهد كل النوايا فيه تشير إلى إطالة أمد الحرب».
ويتحدث الدليل عن خطوة ضم المناطق الأربع بوصفها «تمثل تعقيداً للصراع»، موضحاً أنه «إذا كانت العملية الروسية هي لحماية إقليم دونباس، فهذا الإقليم أصبح جزءاً لا يتجزأ من أراضي روسيا، بمجرد تصديق مجلس الدوما رسمياً، وعليه فإن العمليات التي ستتم على هذه المناطق لن تكون عمليات حماية للسكان، إنما عمليات دفاع عن الأراضي الروسية».
ويتابع: «حتى الآن لم يعلن البرلمان الروسي ولا الأوكراني حالة الحرب، وبعد الضم أصبح المشهد أمام وضع لابد فيه من إعلان حالة الحرب إن آجلاً أو عاجلاً، والدول الداعمة لأوكرانيا بالسلاح ستكون آنذاك (في حالة الحرب) دول متحالفة، بما يعقد المشهد ويؤدي إلى توسيع نطاق الحرب أولاً، وإطالة أمدها ثانياً».
ويلفت الدليل إلى أنه إذا كان الغرب في رده على ضم الأراضي قد تعهد بمزيد من الدعم العسكري بالأسلحة لأوكرانيا «فقد أصبح لدينا برهان مادي أنه لا توجد نية لدى أي طرف في العالم من أجل إنهاء الحرب».
ويتحدث عن أزمة تفجير خطي نورد ستريم، معتبراً أنه «ملف تحاول فيه جميع الأطراف البحث عن ذرائع لتعقيد المشهد، وبالتالي الوصول لمواجهة بين المجموعة الأوروبية والاتحاد الروسي».