بسام البدارين
عمان – «القدس العربي»: «ما هي ترتيباتك أو تصوراتك لمسألة من سيخلفك في الموقع؟ سؤال حساس جداً تطرحه المؤسسة الرسمية الأردنية أو طرحته بعدة أنماط وأشكال مؤخراً على الرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر تلامسات ومشاورات مع بعض أركانه والمقربين جداً منه. فوجئت عمان ونخبها الرسمية بأن الرئيس عباس لا يريد الخوض في هذه التفصيلة، لا بل يمتنع وبوضوح شديد عن مشاركة الأردن لا بانطباعاته ولا بهواجسه ولا بخططه في هذا السياق، مما دفع الجانب الأردني بوضوح لطرح السؤال أملاً في تحصيل إجابة خلف الستائر وفي الكواليس.
يوضح هنا مسؤول أردني رفيع المستوى مباشرة لـ «القدس العربي» رداً على استفسار مباشر أيضاً لها، بأن الإشكالية التي يثيرها صمت عباس والمقربين منه في التحدث مع الأردن عن تفاصيل مرحلة ما بعده، أكبر بكثير مما يتوقعه الشقيق الفلسطيني. والرد على هذا الصمت أن التهرب كان نشطاً في طرح ورقة الحصة الفلسطينية في مشاريع الإقليم الاقتصادية.
ثلاث مرات على الأقل كان العاهل الملك عبد الله الثاني يوجه رسالته للمجتمع الدولي تحت عنوان رفض أي تفاهمات اقتصادية الطابع حصراً دون وجود الشرعية الفلسطينية، وتحت هذا البند في التوجيه الملكي المرجعي سأل الأردني شقيقه الفلسطيني بصراحة: ما هي الاحتياجات التي نستطيع تلبيتها في مسألة الجسور والمعابر للمساعدة؟ رغم ذلك، تغرق غرفة القرار الأردنية اليوم بسؤال مستنسخ عن السؤال المركزي: نعلم من يمثل الشرعية الفلسطينية اليوم، لكن لم نعد نعلم من سيمثلها غداً؟
في المقاربة السياسية حصراً، يشعر الأردنيون ولأول مرة بأنهم مضطرون لطرح السؤال. وعلى أساس المقارنة والمقاربة بمرحلة الراحل ياسر عرفات فقط، كان الرجل الثاني في سلطة عرفات معروفاً لدى الأردني، وهو الرئيس عباس، لكن من هو الرجل الثاني للهرم الفلسطيني اليوم؟
لا أحد يعرف بعد. وفي أقرب نقطة من مكاتب رئاسة الوزراء الأردنية، سمعت «القدس العربي» مباشرة مثل هذه المقايسة المربكة. وكان البديل الوحيد المتاح هو الاتجاه نحو «ثلاثية تكتيكية» بهدف تحصيل إجابة عن سؤال الخلافة.
البند الأول في تلك الجملة التكتيكية، التمسك مع الأمريكيين وغيرهم بضرورة وجود المؤسسة الفلسطينية على الطاولة النشطة التي تبحث اليوم حزمة مشاريع اقتصادية إقليمية، وتحديداً في مجالات النقل والمياه والطاقة، وحتى الأمن الغذائي. وهنا قالها وزير النقل الأردني وجيه العزايزة، عدة مرات أثناء نقاش مع «القدس العربي»، وهو يصر على وضوح التوجيهات المرجعية وعلى أن وجود الفلسطيني هو رؤية ثابتة للسياسة الأردنية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمشاريع لها علاقة بالبنية التحتية أو بالاحتياجات الاقتصادية للشعبين.
البند الثاني في الجملة التكتيكية اندفع أردنياً في اتجاه الحرص على البقاء في أقرب مسافة ممكنة حذرة في عمق حركة فتح تحديداً وتحت عنوان أن مصالح المملكة تتطلب بعد اليوم ليس بقاء أو تثبيت حالة استقرار ومنع الفوضى في الضفة الغربية فقط، لكن التهدئة بين الأقطاب في عمق حركة فتح. ولذلك، وسعت الغرفة العميقة لأول مرة نطاق اتصالاتها ومشاوراتها مع حركة فتح بعدما رصدت فوضى تنظيمية ناتجة عن صراع الأقطاب.
وبدا واضحاً للمراقب الأردني في الأثناء أن تلك الفوضى تستثمر فيها فصائل وأجنحة مؤمنة بعسكرة الانتفاضة، مثل حركة الجهاد الإسلامي، وكتائب الأقصى، ولاحقاً قد تبرز أرضية تستثمر فيها إيران وحزب الله اللبناني وحركة حماس، وبشكل أنعم قليلاً روسيا ذاتها، وهي تبحث عن توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية حاولت عمان تأخيرها دون طائل مع وفد قيادي مع حركة حماس. إشراك الفلسطينيين اقتصادياً أصبح بمثابة استراتيجية أردنية، وقد فهم 8 من الأشخاص الخبراء دبلوماسياً ذلك بوضوح في اجتماع تشاوري في القصر الملكي قبل عدة أيام.
وبقاء التهدئة بين رموز حركة فتح الكبار ومنع الانزلاق إلى صراع ميليشياتي أو مجموعاتي بينهم أصبح في عمق استراتيجية أمنية أردنية هذه المرة، تطلبت توسيع قاعدة التشاور والتواصل مع أكبر طيف ممكن من قادة الحركة الغاضبين أو الصامتين أو المشتبك بعضهم مع بعض، الأمر الذي يبدو واضحاً اليوم أنه لم يعجب الرئيس عباس والمجموعة التي تحيط به، وتم التعبير عن ذلك بالامتناع مؤسسياً عن الحفاظ على حالة التشاور التفصيلية كما كانت في الماضي بين السلطة وحكومة الأردن.
في الخطوة الثالثة من الجملة التكتيكية، فتح رسمي وسياسي وبيروقراطي وبدرجة أقل أمني لنافذة ما مع حركة حماس، واستجابة لا تبدو حتى الآن عميقة لدعوات الانفتاح مع حماس، لكنها اليوم قريبة من محطة الاستشعار الأردنية عبر الاختراقات التي سجلتها الزيارة الأخيرة الطويلة نسبياً لخالد مشعل تحديداً إلى العاصمة عمان، لا بل تمكينه أيضاً من التحدث مع نخب سياسية أردنية شبه رسمية بالعنوان المغري الذي اقترحه وقال لـ«القدس العربي» إنه يؤمن به اليوم، وهو الجمع بين «البندقية بيد، والدبلوماسية بالأخرى».
تلك ثلاثية استراتيجية قررت لا بل نفذت في جزء أساسي منها، وإن كانت تعاني من عاملين معاكسين: الأول عدم التقاط الرئيس عباس ومجموعته وبعض قادة حركة فتح الذين تربطهم علاقات سيئة بعمان، للرسالة في جذرها وأصلها. والثاني ضيق هوامش المناورة أمام عمان في مواجهة العالم. عمان بهذا المعنى في عمق أزمة الفصام الفلسطيني والإسرائيلي، وفي عمق أزمة كمينها المرتبط بحالة الاستدراك المتأخر. وعليه، لا تزال المكاسب غامضة، وكل الاحتمالات بصورة مرجحة لا تزال قائمة حتى رغم الاسترخاء قليلاً في «المطب الفتحاوي».