صحت مدينة البصرة يوم الاحد الأول من شهر آب/أغسطس على فاجعة موت المواطن هشام محمد الخزاعي تحت وطأة التعذيب في مديرية جرائم البصرة التابعة لوزارة الداخلية. فبالإضافة لكون المتهم له حقوق ولا يجوز قانونا تعذيبه، فأن غير الطبيعي في الحادثة والذي أضاف لها بُعدا مأساويا هو أن المعتقل تبيّن لاحقا بأنه مشتبه به وقضية إعتقاله تمت على اثر خطأ تشابه في الأسماء بينه وبين المتهم الحقيقي (وفقا لمديرية جرائم البصرة).
هذهِ الجريمة البشعة أعادت الجدل حول ما يحصل داخل المعتقلات العراقية المعروفة بشدّة تعذيبها للمعتقلين وحرمانهم من أبسط حقوقهم الأساسية وعمّقت من سخط المواطنين تجاه السياقات التعسفية المتبعة داخل هذه المؤسسات من خلال ممارسة أفعال غير قانونية وخارج نطاق توصيات إتفاقية جنيف لحقوق الإنسان وحقوق المعتقلين والتي العراق جزءا منها وأحد الموقعين عليها. والسؤال الأبرز هنا اذا كان معتقل مشتبه به وتم التعامل معه بهذهِ الطريقة الوحشية ماذا يحصل إذن لمعتقلي الرأي والمناهضين لهذا النظام السياسي وهم كثر داخل المعتقلات.
انتخابات العراق النيابية عام 2018 أفرزت صعودا كبيرا للأجنحة العسكرية المرتبطة بإيران الى سدّة الحكم في العراق، وهذا ما شكَّل انعطافة كبيرة في سياقات الدولة وعلى رأسها سلوكيات وزارة الداخلية التي مُلئت وعلى مدار سنين ما بعد سقوط النظام السابق بالضباط “الدمج” والمعني هنا بالدمج “الضباط الذين لم يدخلوا الكليات العسكرية والامنية، إنما قبلوا في كوادر الوزارة بضغوط حزبية وسياسية واصبحوا ذوي رتب عالية ومكانات حسّاسة في وزارة الداخلية”، وهذا ما شكل بداية انهيار هذهِ المؤسسة وتحولها لأداة قمعية تعسفية تقوم بأدوار ميليشياوية وإجرامية من دون رادع حقيقي.
اولى تحديات النظام السياسي بعد تشكيل حكومة 2018 كانت “إنتفاضة تشرين” التي اندلعت في تشرين الأول/اكتوبر 2019، حيث كانت تدور المطالبات الشعبية بفلك الإصلاح السياسي وضرورة إعادة النظر بسلوكيات النظام وتعديل مساراته المشتبكة، وايضًا المطالبة بتوفير فرص عمل لخريجي المعاهد والجامعات العراقية الذين بدأوا يشكلون جيوشا من العاطلين عن العمل وخدمات كالكهرباء والماء وسكن الى آخره من الحقوق الأساسية للمواطنين.
جوبهت الحركة الإحتجاجية بقمع عنيف ومفرط كانت تقف خلفه وزارة الداخلية بشكل واضح من خلال تشكيلاتها المتعددة كقوات الشغب وحفظ النظام والرد السريع والإتحادية وبقية التشكيلات الاخرى، وكان لسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى الآثر البالغ بتحول بوصلة الحراك الى انتفاضة شعبية عارمة تدعو لإزالة النظام بالكامل بعدما كانت تبحث عن إصلاح في مفاصله.
لم تقف الميليشيات والفصائل العسكرية المسلحة المرتبطة بهذا النظام والمسيطرة فعليًا على كواليس المشهد الأمني في العراق مكتوفة الأيدي بل صعّدت من عملياتها وأخذت فيما بينها وبين وزارة الداخلية التي كانت وما تزال تخضع لسيطرة هذهِ القوى الخارجة عن القانون بالتناوب على عمليات التصفية والقمع والقتل الممنهج ضد المتظاهرين.
حادثة أُخرى كانت بصمات وزارة الداخلية العراقية واضحة فيها، وهي حادثة إغتيال الخبير الأمني والمتخصص بشؤون الجماعات المتطرفة الدكتور هشام الهاشمي الذي أُغتيل في السادس من تموز/يوليو 2020 في منطقة زيونة وسط العاصمة بغداد، وأظهرت الإعترافات التي عرضت فيما بعد على قناة الدولة الرسمية بأن المسؤول عن عملية الإغتيال هو ضابط برتبة ملازم اول في وزارة الداخلية.
الاعترافات كانت محط سخرية بالنسبة للعراقيين لأنها كانت منقوصة لكثير من التفاصيل أبرزها ان الاعترافات تغافلت عمدًا عن ذكر الجهة التي يرتبط بها الضابط القاتل والتي أمرته بتنفيذ هذهِ العملية، فليس من المنطقي أن يتولى ضابط بسيط عملية اغتيال كبيرة كهذه دون وجود دوافع حقيقية وجهات تقف خلفه، ذلك ما شكّل صدمة كبيرة للعراقيين الباحثين عن عدالة بحق الجناة الذين تفاجئوا بإغلاق الحكومة لهذا الملف مستندة بذلك على اعترافات ركيكة ومنقوصة ولا تشفي للعدالة غليلها.
وزارة الداخلية تعاني من ضعف شديد في مسألة السيطرة على المشهد الأمني في البلد بسبب مصادرة القرار الأمني من قبل قوى مسلحة خارجة عن القانون التي لديها نفوذ سياسي كبير في الحكومة وايضًا من خلال ضباط الدمج الذين يتبعون لها وشبكتها الكبيرة المسيطرة على كافة المفاصل الحساسة في الوزارة، الداخلية أصبحت مصدر رعب بالنسبة لكثير من العراقيين المناهضين لهذا النظام السياسي حيث صارت تعيد في الأذهان مشاهد القمع المفرط والإنتهاكات الجسيمة والسلوكيات الوحشية التي كانت تقوم بها الجماعات البعثية في النظام السابق.
وعلى مدى السنوات الماضية، كان ملف حقوق الإنسان، وخصوصا حقوق المعتقلين في العراق، محط انتقاد واسع من منظمات معنية بحقوق الإنسان محليا ودوليا.