قال المحرر الدبلوماسي في صحيفة “إندبندنت”، كيم سينغوبتا، إن المحاولة الانقلابية كشفت محدودية قوة السعودية. وأضاف أن ما حدث في الأردن يظهر تحولا في الديناميات بالمنطقة، حيث كان الأردن مستعدا للرد ومواجهة اللاعبين الكبار فيها.
وأضاف أن سجن رئيس الديوان الملكي السابق وقريب للملك عبد الله الثاني والحكم على كل واحد بالسجن لمدة 15 عاما بتهم الفتنة، هو حجر أساس وله تداعيات في داخل وخارج البلد.
وأدانت محكمة أمن الدولة باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد بعد محاكمة سرية اتهما فيها بالتآمر مع قوى أجنبية وزعماء عشائر أردنية بمحاولة قلب نظام الحكم وتنصيب الأخ غير الشقيق للملك الأمير حمزة بن الحسين على العرش. ولم توجه أي تهم لحمزة ورفض القضاة المطالب المتكررة من الدفاع لحضوره إلى المحكمة كشاهد.
وأعلن القصر الملكي أنه تم التعامل مع الأمير في “إطار العائلة الهاشمية”. وقال الملك لاحقا إن حمزة “مع عائلته وفي قصره وتحت رعايتي”. وأنكر المتهمان التهم الموجهة لهما، فيما جاء الحكم النهائي عليهما وسط اتهامات بإخفاق العدالة. وقال محام أمريكي عن عوض الله الذي يحمل الجنسية الأردنية والأمريكية إن السلطات عذبت موكله ومارست عليه الصعقات الكهربائية، وتعجلت في محاكمته وعقدت ست جلسات قبل أن تصدر حكما يدينه.
ونفى المسؤولون الأردنيون الاتهامات وقالوا إنها ظهرت مع قرب نهاية المحاكمة. ومع ذلك فمجرد محاكمة عوض الله أثارت في البداية دهشة الدبلوماسيين والسياسيين. فوزير المالية السابق يحمل أيضا الجنسية السعودية ويعمل مستشارا اقتصاديا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وتضم شبكته الدولية من المؤثرين، ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد.
ويرى الكاتب أن الرابطة السعودية هي الجزء الرئيسي في الاتهامات التي تحيط بالمحاولة الانقلابية. فقد سأل حمزة عوض الله إن كان سيحظى بدعم سعودي لو مضى في المؤامرة. وزعم نائب رئيس الوزراء أيمن الصفدي أن الأمير كان ينسق مع بعض “الكيانات الأجنبية”. ونفت الحكومة السعودية أية علاقة بمحاولة الانقلاب.
ويفهم أن الرياض كانت راغبة بإلغاء التهم عن عوض الله وعودته إلى السعودية. وأرسلت رموزا سعودية بمن فيهم وزير الخارجية فيصل بن فرحان ومدير المخابرات وعدد من المسؤولين في ديوان ولي العهد محمد بن سلمان لإقناع الأردنيين. وقيل إن السعوديين رفضوا مغادرة عمان إلا بعوض الله معهم على نفس الطائرة. ومع أن الأردنيين رفضوا الطلب السعودي بشأن المحاكمة إلا أن هناك سيناريو يتم الحديث عنه في الأردن وهو الإفراج عنه بعد فترة من السجن وإرساله للمنفى في الخارج.
وقد تكون السعودية الوجهة الواضحة لكن بريطانيا قد تكون وجهة محتملة. فعوض الله حسب أوراق دائرة تسجيل الشركات “كومبانيز هاوس” في لندن لديه شراكة قوية مع رجال أعمال سعوديين في البنك العربي الوطني وبمنصب بارز في فرع لندن.
ويقول سينغوبتا إن مقاومة الأردن لتسليم عوض الله، نابعة من الموقف الأمريكي الداعم. فقد طلب ويليام بيرنز، مدير سي آي إيه من البيت الأبيض التدخل، وذلك حسب مصادر دبلوماسية وأمنية. واتصل الرئيس جوزيف بايدن بالملك عبد الله الثاني، في وقت كان فيه مدير المخابرات السعودي في عمان. ورفضت “سي آي إيه” التعليق عن دورها في الأمر.
وسيكون الملك عبد الله أول زعيم عربي يلتقيه بايدن يوم الإثنين. وفي بيان صادر عن البيت الأبيض جاء أن الزيارة هي “فرصة لمناقشة التحديات الكثيرة التي تواجه الشرق الأوسط وإظهار الدور القيادي الأردني في تعزيز السلام والاستقرار بالمنطقة”.
ويرى الكاتب أن دور واشنطن في الأحداث التي تتابعت هي مثال عن التغير الذي طرأ على الواقع السياسي بالمنطقة منذ الانتخابات الأمريكية. ولم يكن الأردن ليحظى بدعم أمريكي لو ظل دونالد ترامب في البيت الأبيض، ذلك أن دعمه للسعودية كان مطلقا. وكان هناك عداء للملك عبد الله في داخل معسكر ترامب وفيما يتعلق بخطة السلام التي أشرف عليها صهره جاريد كوشنر وأطلق عليها “صفقة القرن”.
وأنشأ كوشنر علاقات قوية مع محمد بن سلمان وتوقع منه الدعم لخطة السلام المقترحة بين إسرائيل والفلسطينيين، كما وحصل على دعم من الإمارات. ولكن الملك عبد الله عبر عن قلق كبير من قابلية الخطة للاستمرار. وقال الأردنيون إنها ستقضي على أي أمل بدولة فلسطينية مستقلة. كما ورفض الملك عبد الله باعتباره الوصي على الأماكن الإسلامية والمسيحية في القدس أي تغيير للوضع القانوني والطابع التاريخي للمدينة المقدسة والذي كانت إسرائيل تحاول فعله. وهو موقف أدى إلى تهميش كوشنر للأردن.