نادر الصفدي:
تًعصف بالسلطة الفلسطينية أزمة مالية طاحنة اشتد عودها بشكل ملفت ومقلق خلال الشهور الأخيرة، جعلها تعيش في وضع صعب وغير مسبوق، تقف على مفترق طرق خطير أمام القيام بمهامها الخدماتية وتمويل المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية.
أزمة السلطة المالية لم تعد تُخفى على أحد، فقد صرح الكثير من قادة السلطة وحركة “فتح” خلال الأيام الماضية حول المعضلة المالية التي تواجهها، بل ذهبوا لأبعد من ذلك حين حذروا من تحديات صعبة إضافية مقبلة قد تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في المهام والخدمات التي تقدمها السلطة للمواطنين في الأراضي الفلسطينية.
وكان وزير المالية في حكومة رام الله شكري بشارة، أعلن أن عجز الموازنة بلغ (470) مليون دولار في النصف الأول من العام الحالي، وحذَّر من تزايد الصعوبات المالية للحكومة، في وقت تقترب مدفوعات المانحين من الصفر.
وبحسب وزارة المالية في رام الله فإن مجمل المساعدات التي تلقتها الخزينة الفلسطينية، منذ بداية العام حتى نهاية يونيو/حزيران الماضي، بلغ 30 مليون دولار فقط، أقل بنسبة 90 بالمئة من 210 ملايين دولار كانت متوقعة في قانون الموازنة للنصف الأول من العام.
ورغم أن وضع السلطة ماليًا وسياسيًا وشعبيًا واقتصاديًا مقلق وغير مطمئن، خاصة ما زاد الطين بله بالنسبة لها موجهة الاحتجاجات الكبيرة التي تجتاح مدن الضفة الغربية المحتلة، بعد قضية مقتل الناشط الفلسطيني “نزار بنات” التي قلبت الرأي العام، وما تبعها من موجة انتقاد كبيرة لأجهزة الأمن على خلفية الحادثة، والدعوات المتصاعدة والمباشرة التي تطالب برحيل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلا أن الأخير لا يزال متمسكًا بخطواته في محاولة “تحسين الأوضاع وإعادتها لوضعها الطبيعي”.
وتواجه السلطة الفلسطينية انتقادات متزايدة منذ مقتل الناشط السياسي المعارض، نزار بنات، في 24 حزيران/يونيو الماضي بعد اعتقاله من قوة أمنية في الخليل جنوب الضفة الغربية، فيما تعالت الهتافات المطالبة برحيل عباس، ومحاسبة قتلة المعارض السياسي نزار بنات، ورفضا لسياسة القمع التي تنتهجها السلطة.
وأخلى مكتب الاتحاد الأوروبي في فلسطين، مسؤوليته عن تمويل نشاط الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، باستثناء تقديم مساعدات فنية لجهاز الشرطة المدنية، على خلفية الحادثة، فيما قال مدير منظمة “هيومن رايتس ووتش” في الأراضي الفلسطينية المحتلة عمر شاكر، إن السلطة في رام الله غير جادة بالتحقيق في جريمة قتل بنات، مؤكدًا أن المطلوب هو قيام المجتمع الدولي بفتح تحقيق مستقل في الجريمة.
وذكر أن هناك ضغطًا ونقاشًا وصفه “بالمهم” في أوروبا وأمريكا؛ لعرقلة تمويل أجهزة السلطة المتورطة في انتهاكات خطرة، متمثلة بالتعذيب والاعتقالات التعسفية.
أبرز الملفات التي سيبحثها الرئيس عباس خلال جولته الخارجية لتركيا وعدد من الدول الأخرى، وفق معلومات خاصة حصلت عليها “رأي اليوم” محاولة إسناد السلطة بدعم مالي كبير وطارئ، يساعدها في تجاوز أزماتها المالية خاصة في ظل التهديدات الأوروبية والدولية بقطع أو تقليص التمويل على خلفية قضية مقتل الناشط بنات.
وذكرت المصادر أن الرئيس عباس معني بان تضغط تركيا متمثلة برئيسها رجب طب اردوغان، على الدول الأوربية للتراجع عن فكرة تقليص أو قطع التمويل المالي عن السلطة، وأن تتحرك دوليًا لإيجاد دعم مالي كبير يساعدها في الصمود ومواجهة التحديات الصعبة قبل انهيار السلطة الفلسطينية والتوقف عن تقديم خدماتها.
وأشارت إلى أن وضع السلطة خلال المرحلة الحالية حرج للغاية، وفشل جولة عباس الخارجية ووقف الدول الأوروبية التمويل كأجراء “عقابي” سيجعلها تقف أمام مفترق طرق خطير قد يؤثر فعليًا على تمويل مؤسسات السلطة أو دفع رواتب الموظفين كاملةً بدًا من شهر أغسطس المقبل.
ويقول المختص بالشأن الاقتصادي د. نور أبو الرب، إن السلطة بنت موازنتها السنوية على أنها ستتلقى تمويلًا دوليًّا قيمته نحو 700 مليون دولار، لكن منذ بداية العام وحتى الآن لم تتلقَّ السلطة أي تمويل عربي أو دولي يغطي هذا التوقع.
وأوضح أن هذا التحدي جعل السلطة أمام واقع مالي قد يدفع بها إلى تقليص نفقاتها الشهرية وتأجيل الالتزامات المالية الأخرى تجاه حقوق الغير، مبينًا أن السلطة في موقف ضعيف حاليًّا إذ إنها لا تستطيع التوجه للاستدانة المحلية عقب ارتفاع حجم ديونها بعد أن لجأت إلى البنوك المحلية كوسيلة خلاص عقب أزمة المقاصة وتداعيات جائحة كورونا.
ولفت رجب إلى الدور الرقابي الضعيف والهش على المال العام وادارته ومدى تسبُّب ذلك في ضياع الحق العام، مؤكدًا أهمية تفعيل المجلس التشريعي وإطلاع مؤسسات المجتمع على الموازنة، والحساب الختامي.
ويبلغ إجمالي الإيرادات العامة الفلسطينية في النصف الأول من العام الحالي 1.93 مليار دولار، مقابل نفقات تقارب 2.5 مليار دولار، وفق وزارة المالية.
كما تبلغ مديونية السلطة للبنوك حاليًّا حوالي (2.3) مليار دولار، في حين بلغت (1.4) مليار دولار في 2019، حسب وزارة المالية برام الله.
وأمام هذه الأزمات والتطورات المتسارعة التي تحيط بالسلطة الفلسطينية، يبقى السؤال الأكبر الذي يبحث عن إجابة واضحة.. ماذا يملك الرئيس عباس من أوراق لتجاوز تلك الأزمات؟، وهل سينجح أم سيكون رحيله هو الحل الأقرب؟
راي اليوم