جزء من صراع على التفوق سيرسم معالم هذا القرن، لكن هيمنة بكين ليست حتمية لأسباب عدة
هاميش ماكراي صحافي وكاتب @TheIndyBusiness
تشوب الاحتفالات التي شهدتها مختلف أنحاء الولايات المتحدة في مناسبة “يوم الاستقلال” سحابتان مظلمتان. تأتي الأولى في صورة مباشرة متمثّلة بالصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة في التعامل مع التوترات داخلها. وتشمل مسائل العرق، والتفاوت، وأزمة المناخ، والهوية السياسية. وفي المقابل، تبدو الصورة الثانية مستقبلية، وتتمثّل في تنامي الوعي تدريجاً بأن الزعامة العالمية للولايات المتحدة تواجه تحدياً من قبل القوة الاقتصادية الصاعدة في الصين.
إذاً، فلننظر قليلاً في [أمر] كل منهما. إن التحديات التي يواجهها المجتمع الأميركي هائلة حقاً، والانقسامات واسعة في شكل خاص في الوقت الحالي. في المقابل، إذا ألقى المرء نظرة أشمل وقارن هذه الفترة بفترات شهدها الماضي، فمن المؤكد أن يكون من الصواب التساؤل حول مدى التشابه بين هذه الفترة وتجارب الماضي. هل التفاوت الاجتماعي أكبر مما كانه خلال العشرينيات الهادرة (فترة الازدهار في عشرينيات القرن العشرين)؟ هل أصبحت التوترات العرقية الأساسية الآن أعظم مما كانت عليه في خمسينيات القرن العشرين، مثلاً؟ هل المعارضة بين الشباب أكبر مما كانت عليه أثناء أعمال الشغب الطلابية في ستينيات ذلك القرن؟ هل مستويات الجريمة أعلى مما كانته في حقبة السبعينيات من ذلك القرن أيضاً؟
من جهة أخرى تتعلق بالرفاه الاقتصادي العام، لا شيء مما يحدث الآن يقارب السوء الذي شهدته فترة “الكساد الكبير” (في ثلاثينيات القرن العشرين). وواكبت الولايات المتحدة التحدي الحالي المتمثل في جائحة “كوفيد-19” بأن طرحت برنامجاً ناجحاً في التلقيح.
وفي المقابل، لا تعني تلك الأمور التخفيف من حجم المشاكل التي تواجهها الأمة الأميركية، أو الإشارة إلى أن شفاء الجراح التي أحدثتها الانقسامات سيكون سهلاً، أو الزعم بأن الساسة يتعاملون في شكل جيد مع التحديات. من هنا نستطيع أن نشير ببساطة إلى أن الماضي لم يكن عصراً ذهبياً.
ثمة تحدٍ واحد لا توجد سابقة حقيقية له، يتمثّل في أزمة المناخ. وهنا تبرز أسباب عدّة تدعو إلى قلق عميق، ذلك أن المناخ مسألة عالمية تتطلب من قادة الولايات المتحدة أن يعالجوها. ولكن على الأقل ثمة مناقشة عامة نشطة في مختلف أنحاء أميركا، بل تدور أيضاً في أوروبا. ولنتذكر أيضاً أن مهاجراً إلى الولايات المتحدة، إيلون ماسك، هو الذي ساعد في إحداث نقلة كبرى في النقل البري، هدفها الانتقال من البنزين والديزل إلى الكهرباء. ودعمته الرأسمالية الأميركية في ذلك. ثم أصبحت (شركته) “تيسلا” أكثر شركات السيارات قيمة في العالم، وبما لا يُقَاس.
في سياق مماثل، لا تزال الولايات المتحدة المبتكر العظيم، ولا تزال المغناطيس للمواهب. لكن، كيف قد يتسنى لها أن تواجه الصين؟ هناك نقطة واضحة مفادها بأن الصين ستتجاوز الولايات المتحدة في إجمالي الناتج في غضون عشر سنوات تقريباً. ونظراً إلى ضخامة تعداد سكانها وإمكاناتها في اللحاق بالركب التكنولوجي، يُعَد هذا الأمر حتمياً إلى حد ما. وستكون هذه لحظة عصيبة بالنسبة إلى الولايات المتحدة. إذ سيظل شعبها أكثر ثراءً من شعب الصين، لكن كون الولايات المتحدة اقتصاداً أصغر حجماً، سيثير الانزعاج. وكذلك ستتجذر فكرة مفادها أن هذا القرن سيكون صينياً، أو على الأقل آسيوياً، تماماً على غرار ما كانه القرن الأخير أميركياً (والقرن السابق أوروبياً). وكلما تطورت الصين وفرضت قوتها العسكرية، شعرت الولايات المتحدة بأنها ارتكبت خطأً استراتيجياً ضخماً في دعم الصعود الاقتصادي للصين.
وسينطوي الأمر على صراع على الهيمنة. وستشكل هذه الهيمنة جزءاً كبيراً من هذا القرن. في المقابل، يتوجّب على كل شخص يعتقد بأن الصين ستهيمن حتماً، أن يتنبه إلى ثلاثة أشياء.
أولاً، أن سكان الصين على وشك أن يبدؤوا في التراجع، ومع حلول منتصف القرن سيتراجعون بسرعة. وعلى النقيض من هذا، من المتوقع أن يستمر سكان الولايات المتحدة في التزايد. ومن المعقول أن تتخذ الصين حين تعاني من الشيخوخة السكانية، سمات مختلفة عن تلك الطموحة السريعة النمو الحالية، تماماً على غرار تبدل حال اليابان منذ تسعينيات القرن العشرين. وبدلاً من النظر إلى الخارج كي تفرض هيمنتها على العالم، ستنتقل إلى الداخل بهدف رعاية كبار السن والحفاظ على ما تتمتع به.
ثانياً، لا يحقق النمو الساعي إلى اللحاق ببلاد أخرى أكثر مما حققه حتى الآن. فنحن لا نعرف بعد مدى تمكّن الصين من تنمية الصناعات المتطورة بالمقدار الذي تمكنت فيه الولايات المتحدة من التطوّر فيها. ومكمن الخطر في ذلك يتمثّل بوقوع الصين في ما يُسمَّى فخ الدخل المتوسط، على غرار ما حدث في قسم كبير من أميركا اللاتينية، بمعنى الوصول إلى وضع مزدهر إلى حد معقول لكن من دون امتلاك القدرة على إحراز التقدم نحو وضع الاقتصاد المتقدم بالكامل.
ثالثاً، مع تحول الصين مجتمعاً تسوده الطبقة المتوسطة، ستتغير قيمها. وبالتالي، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى إصلاحات، وربما إعطاء الأولوية للرفاه المحلي بدلاً من التوسع في الخارج. ولا نستطيع أن نعرف كيف قد تجري تلك الإصلاحات، لكن من المعقول أن نرى الصين أكثر شبهاً بالغرب وأقل شبهاً بماضيها. وستصبح شريكا مريحاً أكثر بالنسبة إلى الغرب.
لذلك، دعونا نحتفي بالولايات المتحدة. بوسعنا أن نعترف بعيوبها، تماماً مثلما يتوجب علينا أن نعترف بعيوب مجتمعاتنا. في المقابل، ينبغي لنا أيضاً أن نفكر في المساهمة التي قدمتها، وستستمر في تقديمها، إلى العالم ككل.
© The Independent