جَدلٌ “صاخب” في الأردن حول السياحة الشيعيّة.. والسّؤال المطروح: لماذا نُغلِق أبوابنا في وجه العِراقيين والإيرانيين ونَحرِم الخزينة من مِليار دولار سنويًّا؟ ما هي الحجج التي يطرحها المُعارضون؟ وهل الخوف من ردّ السعوديّة؟ وكيف يُفَنِّدها المُؤيّدون؟
أثارت الزّيارة المُفاجئة التي قامَ بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى مِنطقتيّ مؤته والمزار في جنوب البِلاد حيث مقامات وأضرحة لآل البيت والصّحابة تحظى بقيمة دينيّة خاصّة لدى أبناء الطّائفة الشيعيّة في إيران والعِراق وباقي الدّول العربيّة والإسلاميّة، من بينها ضريح الإمام جعفر بن أبي طالب، أثارت حالةً من الجدل، وأطلقت العنان لمَوجةٍ من الإشاعات والتّكهّنات حول احتِمال أن تكون هذه الخطوة التي جاءت قبل يومين من القمّة الثلاثيّة العِراقيّة المِصريّة الأردنيّة في بغداد مُقَدِّمة لفتح أبواب السياحة الدينيّة الشيعيّة لهذه المقامات والأضرحة، وذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك، أيّ فتح “حسينيّات”.
الذين يُعارضون هذه السّياحة الدينيّة الشيعيّة، مثلما يحلو للبعض وصفها، يُبَرِّرون مُعارضتهم بعدّة أسباب، أبرزها الخوف من انتِشار التشيّع في البِلاد، وتجنّب إغضاب المملكة العربيّة السعوديّة ودول خليجيّة أُخرى التي لا تُريد مَوطِئ قدم لإيران في الأردن، وتعميق العُلاقات الاقتصاديّة الأردنيّة الإيرانيّة على غِرار ما حدث في سورية.
أمّا الذين يُؤيّدونها يُطالبون بها فورًا ومن بينهم السيّد عبد الكريم الكباريتي رئيس الوزراء الأسبق، والسيّد زيد النابلسي عُضو لجنة الإصلاح، والحِوار السياسي، فإنّهم يرتكزون في مُطالبتهم المُلحِّة هذه على أسبابٍ تعود إلى أوضاع الأردن الاقتصاديّة السيّئة، وارتِفاع الدّين العام إلى أكثر من 42 مِليار دولار، وتفاقم مُعدَّلات البِطالة بين الشّباب، والأهم من كُلّ هذا وذاك، أنّ مُعظم الدّول الخليجيّة، إن لم يكن كلّها، أوقفت مُساعداتها الماليّة للأردن، بل وتورّط بعضها وخاصَّةً المملكة العربيّة السعوديّة في ما يُسمّى مُؤامرة “الفتنة” الأخيرة التي كانت تُخَطِّط لتغيير نِظام الحُكم، حسب تقارير منسوبة إلى المُدّعي العام.
التّقديرات غير الرسميّة تقول إنّ فتح سياحة المقامات والأضرحة الشيعيّة المُقدّسة في جنوب الأردن أمام العِراقيين والإيرانيين الشّيعة يُمكن أن تُدِر على خزينة الدّولة ما يَقرُب من المِليار دولار سنويًّا، ويقول المُؤيّدون لها إنّ المخاوف من تشييع الأردن أمْرٌ مُبالغٌ فيه، فالمذهب السنّي الذي تتبعه الغالبيّة السّاحقة من الأردنيين لم يتأثّر على مدى أكثر من 1400 عام، وفوق كل هذا وذاك أنّ العاهل الأردني من آل البيت، والبلد مَفتوحٌ على مِصراعيه أمام السيّاح اليهود، الذين لا يُفيدون الأردن بأيّ دخل لأنّهم يُحضِرون طعامهم وشرابهم معهم ولا يقضون ليلة واحدة في فنادق البلد إلا ما ندَر، فلماذا التّمييز ضدّ أشقّاءٍ عرب ومُسلمين سِياحيًّا؟
ومن النّقاط القويّة التي يستند إليها اللّوبي الضّاغط، والعفوي غير المُنظّم، لكسر هذا المحظور، واستِقبال الزوّار الشّيعة، تلك التي تقول إنّ مِئات الآلاف من هؤلاء يتَدفّقون على مكّة والمدينة لأداء فريضة الحج كُلّ عام فلماذا لا تمنعهم السّلطات السعوديّة لحِماية شعبها من التّشييع وإذا كان قرار المنع سياسيًّا، أيّ عدم إغضاب المملكة العربيّة السعوديّة، فها هي المملكة تُرسِل رئيس مُخابراتها خالد الحميدان على رأسِ وَفدٍ كبير إلى بغداد أكثر من مرّةٍ للتّفاوض مع الإيرانيين سِرًّا، ويُضيف هؤلاء مسألةً أُخرى وهي أنّ أمريكا نفسها، السّاحر الأكبر، تتفاوض مع إيران في فيينا للعودة إلى الاتّفاق النووي.
نتّفق في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” مع السيّد زيد نفاع الخبير السّياحي الذي قال في تغريدةٍ على حسابه على “التويتر” إنّ لدى الأردن ثروة سياحيّة ضخمة تكفي أن تُحدِث نهضة في الاقتصاد الأردني دون سُيّاح إيرانيين أو كازينوهات أو ما يُعيب الحياء إذا ما جرى استِغلالها بشَكلٍ جيّد، لكن هذا لا يمنع في الوَقتِ نفسه البحث عن مصادر دخل إضافيّة مِثل السّياحة الدينيّة الشيعيّة، لتوفير فُرص عمل ودخل مُستَدام، للمُواطنين الأردنيين العاطِلين عن العمل وتحريك عجلة الاقتِصاد شِبه المُتَوقِّفة.
الأردن كان دائمًا فوق كُلّ الطّوائف والعِرقيّات، وهذه الحقيقة هي من أهم أسباب أمنه واستِقراره وصلابة جُذور التّعايش بين مُكوّناته الاجتماعيّة، ويجب أن يظَل كذلك، ويفتح الأبواب بالتّالي أمام جميع السيّاح المُسلمين دون أيّ تمييز طائفي أو مذهبي، وأن لا تكون حُكومته هي آخِر دولة عربيّة تَطرُق أبواب إيران، القوّة الإقليميّة العُظمى الصّاعدة حاليًّا، وبعد فوات الأوان.. واللُه أعلم.