حرب اليمن وإيران والتعاون الاقتصادي ملفات في قاموس الشراكة بين البلدين
عيسى نهاري صحافي @ES_Nahari
اتسمت العلاقة بين السعودية وعُمان عبر عقود بكثير من الركود الذي يتخلله حذر في بعض الأحيان، إلا أنها عادت إلى الازدهار مجدداً، وفق ما توحي به المبادرات المتبادلة بين الطرفين، ومنها إنشاء منفذ بري مباشر يختصر المسافة بين البلدين بأكثر من 800 كيلومتر، والمحادثات بين الرياض ومسقط في مستهل يونيو (حزيران) الحالي، حول تنويع الفرص الاستثمارية.
إلا أن التواصل بين السعودية وعُمان في الآونة الأخيرة لم يقتصر على تعزيز التعاون الاقتصادي، بينما تتضح آثار الضربات القاسية التي وجهها فيروس كورونا لاقتصادات المنطقة، بل يزداد التنسيق بين البلدين بشأن ملفات سياسية مهمة، في مقدمتها الحرب في اليمن، حيث تقوم مسقط منذ اندلاع النزاع بدور الوساطة لحل الخلاف بين الأطراف المتصارعة، وأخيراً، تتعاون مع مبعوثي الأمم المتحدة وواشنطن لحث جماعة الحوثي على قبول مبادرة السلام التي أطلقتها الرياض في مارس (آذار) الماضي.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية “واس”، الأربعاء الماضي، أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، تلقى رسالة خطية من سلطان عُمان، هيثم بن طارق، قالت إنها “تتعلق بالعلاقات الثنائية الأخوية المتينة والوطيدة التي تربط بين البلدين، وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات وعلى الصعد كافة”. وتسلم الرسالة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان خلال استقباله بالرياض، نظيره العُماني بدر البوسعيدي.
وفيما لم تكشف القنوات السعودية الرسمية عن تفاصيل إضافية حول فحوى الرسالة العُمانية، فإن أهمية الاجتماع بين وزيري خارجية البلدين تتجلى في حقيقة انعقاده وسط مفاوضات مستمرة لإنهاء الحرب في اليمن، تقودها الأمم المتحدة وواشنطن، بالإضافة إلى مفاوضات أخرى لا تقل أهمية في فيينا، حيث تبحث الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا طريق العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران.
الاختلاف حول إيران
أبرز الفوارق المعروفة بين سياستي الرياض ومسقط الخارجيتين هو اختلاف مقاربتي البلدين تجاه طهران، لكن بدا في الآونة الأخيرة، أن هذا الاختلاف تقلص إلى حد كبير، بخاصة بعد دخول السعودية وإيران في محادثات مباشرة لإصلاح العلاقات، وفق المعلومات التي أوردتها صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية في أبريل (نيسان) الماضي، وأكدها مسؤولو البلدين في وقت لاحق.
ويعود ذلك إلى أن انخراط الرياض وطهران في مفاوضات مشتركة، يتماهى مع السياسة العُمانية الداعية إلى الحوار مع إيران، وهو التوجه الذي لم يتغير حتى بعد إعفاء يوسف بن علوي الذي ظل على رأس الدبلوماسية العُمانية طوال 23 عاماً، إذ ظل التأكيد على “إدراج طهران في القضايا ذات الاهتمام الإقليمي المشترك”، مصحوباً بانفتاح عماني تجاه تسهيل المناقشات الإقليمية مع إيران، وفق تصريحات وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي في فبراير (شباط) الماضي.
لكن، ومنذ تولي البوسعيدي حقيبة الخارجية، وقبل ذلك، تسلم السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم، والعلاقات السعودية – العُمانية تعيش انتعاشاً ملحوظاً وتنسيقاً دبلوماسياً متزايداً على وقع زيارات قادة ومسؤولي البلدين بين الرياض ومسقط، التي كان أبرزها زيارة قصيرة العام الماضي، قام بها العاهل السعودي الملك سلمان على رأس وفد رفيع إلى مسقط، التقى خلالها السلطان هيثم لتأدية واجب العزاء في وفاة قابوس بن سعيد سلطان عُمان الراحل.
وبعد يوم واحد من أوسع تشكيل حكومي تشهده سلطنة عُمان منذ وفاة السلطان التاسع في تاريخها، أجرى الملك سلمان بن عبدالعزيز، اتصالاً هاتفياً بسلطان عُمان هيثم بن طارق، نوه خلاله بمستوى العلاقات بين البلدين وسبل تعزيزها في المجالات كافة، فيما أكد السلطان العُماني تطلع بلاده إلى تعزيز العلاقات مع السعودية وتطويرها في شتى المجالات.
وعندما بدأت فرص محادثات غير مباشرة بين واشنطن وطهران تلوح في الأفق في فبراير الماضي، أي بعد أسابيع على تنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن، أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان زيارة خاطفة إلى السلطنة، التقى خلالها نظيره العُماني لمناقشة “وجهات النظر حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية”. وجرى اللقاء السعودي – العُماني في اليوم نفسه الذي تحدث فيه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى الوزير العُماني، مشيراً إلى “دور الوساطة الذي تضطلع به مسقط في دفع السلام والاستقرار الإقليميين”.
النزاع اليمني
على صعيد الحرب في اليمن، ظلت عُمان ملتزمة بمبدأ الحياد بشأن الصراع منذ عام 2015، حين أكد بيان العملية العسكرية على استجابة دول الخليج الست لطلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بردع المليشيات المتهمة بولائها لإيران، عدا سلطنة عُمان.
ومنذ ذلك الوقت، اعتبرت السلطنة نفسها وسيطاً بين أطراف النزاع، ودخلت على خط الوساطة لإقناع جماعة الحوثي بالدخول في حوار سياسي مع حكومة هادي المدعومة من السعودية، وأبلغت مسقط حينها جماعة الحوثي ضرورة تجنب التصعيد العسكري قبيل اقتحامهم مدينة عدن.
وفي حين لا تزال دوامة الصراع اليمني ترمي بالنيران، وتعصف بالمبعوثين الأمميين المتعاقبين، تواصل عُمان بالتنسيق مع السعودية جهودها لوقف التصعيد. ففي الأسبوع الماضي، أفادت المصادر الرسمية لجماعة الحوثي، بوصول وفد من مكتب السلطان العُماني إلى صنعاء، رفقة المتحدث باسم الجماعة محمد عبدالسلام في مؤشر على تقدم محتمل في الجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار في البلد الغارق بالحرب.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية على لسان مسؤول في جماعة الحوثي، فضّل عدم الكشف عن اسمه، قوله إن المسؤولين العُمانيين والقياديين في صفوف الحوثيين سيجتمعون بزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي لحلحلة الأزمة. وأضاف، “يبدو أن زيارة الوفد العُماني هذه هي لإقناع الحوثيين بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات سلام”.
وبالتزامن مع زيارة الوفد العُماني لصنعاء، رأس وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني، أحمد عوض بن مبارك، وفداً حكومياً يمنياً إلى مسقط، قال إنها تصب في إطار بذل مزيد من الجهد والتشاور مع الفاعلين الإقليميين والدوليين كافة للدفع بجهود السلام، وكذلك للتعبير عن تقدير بلاده للدور الإيجابي الذي تلعبه عُمان.
في غضون ذلك، يجري مبعوث الأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث ومبعوث الولايات المتحدة تيم ليندركينغ جولات مكوكية في المنطقة لدفع جهود السلام إلى الأمام وإنهاء النزاع الدامي. والتقى المبعوثان أخيراً مسؤولين في الحكومة اليمنية وقياديين حوثيين في مسقط.
التعاون الاقتصادي
على المستوى الاقتصادي، تحافظ السعودية وعُمان على علاقة متينة يعززها وجود البلدين كعضوين في مجلس التعاون الخليجي الذي يتبنى مبادرات مشتركة لتعزيز اقتصادات دوله. وأخيراً، ناقش مسؤولون سعوديون وعُمانيون، فرص الاستثمار بين البلدين، في محادثات تناولت تنويع الاقتصادات والقطاعات ذات الفرص الاستثمارية.
وجاء اللقاء الافتراضي بين وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، ووزير التجارة والصناعة العُماني، قيس اليوسف، بعد أيام قليلة من احتجاجات نادرة تطالب بإيجاد فرص عمل في عُمان، وسط تراوح معدل البطالة في البلاد بين 5 و10 في المئة، على الرغم من تكثيف السلطنة لجهودها لاستحداث فرص عمل لمواطنيها.
من جانبه، وجه السلطان هيثم بن طارق وزارة الدفاع والمؤسسات الحكومية الأخرى بتوفير 32 ألف فرصة عمل للعُمانيين خلال 2021. وقالت وكالة الأنباء الرسمية، إن وزارة الدفاع بدأت “استقبال طلبات الباحثين عن عمل ممن تنطبق عليهم شروط التجنيد”، وأضافت أن الوزارة ستنشر إعلانات للانضمام إلى الجيش وسلاح الجو والبحرية، وكذلك الإدارات الأخرى.
وكانت الحكومة قد أمرت قطاعات الدولة في أبريل 2020 بتسريع عملية استبدال الموظفين الأجانب بمواطنين عُمانيين، وخصوصاً في المناصب العليا، لتأمين مزيد من فرص العمل للمواطنين. كما أمهلت وزارة المالية القطاع العام حتى يوليو (تموز) المقبل لوضع جداول زمنية لتعيين العُمانيين، بما في ذلك في المناصب الإدارية.
وتشهد عُمان الساعية لتنويع اقتصادها عبر الاعتماد خصوصاً على قطاع السياحة، تراجعاً اقتصادياً منذ أشهر على خلفية الاغلاقات المرتبطة بفيروس كورونا والانخفاض الذي أصاب أسعار النفط الخام العام الماضي، إذ عانت البلاد انكماشاً في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 6,4 في المئة في 2020، في حين ارتفع الدين الحكومي إلى 81 في المئة من الناتج المحلي مقارنة بـ60 في المئة في 2019، وفقاً لصندوق النقد الدولي.