ثمة فرصة تاريخية أمام القادة كي يضعوا حداً لتفشي فيروس “كوفيد-19” فوراً. ولا يمكنهم أن يتحملوا تداعيات تفويت هذه الفرصة السانحة
غوردون براون
عُقدت اجتماعات القمة لمجموعة السبع، (الخمسة الأخيرة) في بياريتز، وكيبيك، وصقلية، وشيما، وبافاريا. غير أن، المهووسين بالسياسة، وحدهم هم من يميزون هذه المدن على أنها المواقع التي استضافت لقاءات زعماء الدول الأغنى في العالم. وإذا جرى تذكر هذه القمم على الإطلاق، فإن ذلك سيعود إلى مناسبات التقاط الصور للقادة المشاركين فيها، وليس إلى اتخاذ قرارات بالغة الأهمية.
لكن فيما يُعد زعماء الدول السبع للاجتماع، فإن قراراً واحداً يتمتع بأهمية فائقة يمكنه أن ينقذ قمة كاربيس باي في كورنوال في جنوب غربي إنجلترا من مصير مشابه لسابقاتها الذين تغص بهم قائمة المناسبات المنسية. ثمة فرصة تاريخية أمام القادة في نهاية هذا الأسبوع كي يضعوا حداً لتفشي فيروس “كوفيد-19” فوراً. غير أن السبيل الوحيد الذي يمكنهم من خلاله أن يفعلوا ذلك هو وضع خطة ملموسة لتنفيذ وعود بوريس جونسون بتوفير اللقاح بشكل جماعي عالمياً.
لا شك أن التحدي مخيف فعلاً. ففيما جرى تلقيح 60 في المئة من البالغين في المملكة المتحدة، وقرابة 50 في المئة من الأميركيين، لاتزيد حتى الآن نسبة الذين تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح في الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء على 2 في المئة من سكان تلك المنطقة، بينما يفيد الإحصاء الأخير بأن 0.2 في المئة فحسب من هؤلاء السكان قد حُصنوا ضد الفيروس تحصيناً تاماً. لا عجب إذاً في أن أسقف مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا قد اشتكى من وجود ما أسماه بـ”أبارتيد اللقاح”، أي إن هناك فصلاً عنصرياً بين الأغنياء الذين يتلقون اللقاح والفقراء ممن يتابعون حياتهم من دونه. وإن الفشل في القيام بعمليات تلقيح جماعي في أنحاء العالم حتى حين كان لدينا ما يكفي من جرعات اللقاح لـ 6 أشهر، وهذا يُعد من الأسباب التي أدت إلى وفاة 2.25 مليون إنسان حول العالم منذ شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهي خسارة في الأرواح أكبر بكثير من تلك التي تكبدها العالم في عام 2020.
وحين قال جونسون في نهاية الأسبوع الماضي، إن قمة السبع هذه ستجعل من الممكن القضاء على “كوفيد” وتحقيق” أعظم إنجاز على امتداد التاريخ الطبي”، وتعهد بتقديم “اللقاح للعالم كله بحلول نهاية عام 2022″، فقد فاته أن يجيب عن أكبر الأسئلة قاطبة، من سيدفع ثمن هذا اللقاح الذي سيوزع على دول العالم كافة؟
والواقع أن من الممكن إجراء عمليات تلقيح شاملة على المستوى العالمي عبر حلقة حميدة غير مفرغة تضمن البدء بتوفير تمويل عالمي ومشتريات متضافرة معاً، من شأنها أن تؤدي إلى بناء قدرات تصنيعية جديدة، وثم إنشاء خط أنابيب لإنتاج اللقاح في كل قارات المعمورة.
لكن، إذا كنا لنستنتج ما سيحصل بناء على ما انتهت إليه قمم مجموعة السبع الأخيرة، فمن المؤلم القول، إن نتيجة هذه القمة لن تكون حلقة حميدة بل أشبه بحلقة مفرغة، بسبب فشل العالم في تحمل التكاليف ما سيؤدي إلى إبطاء عمليات إنتاج اللقاح، بالتالي ترك الملايين وهم يصارعون للحصول على الحقن التي يحتاجونها.
ولحسن الحظ، فإن هناك هيئة عالمية تنتظر الضوء الأخضر للقيام بتنظيم عمليات التلقيح الجماعي، وهي “أكت- أ” التي تعتبر شراكة دولية فريدة توفر مع “كوفاكس”، ذراع التلقيح التابع لها، أفضل وسيلة ممكنة للطلب المسبق للقاح وتوزيعه على قدم المساواة إلى جانب نتائج التشخيص وطرق المداواة، وذلك في العالم كله. وتتوفر لدى هذه الهيئة الآلات والتجهيزات اللازمة لمساعدة الدول الـ 92 الأكثر فقراً في العالم ليس فقط من خلال توفير اللقاحات لها، بل أيضاً إمدادها بمعدات الاختبار والوقاية التي تحتاج إليها بصورة عاجلة فيما تنتظر وصول حصتها الكاملة من جرعات اللقاح.
لكن لا مفر من الواقع، فهناك فجوة هائلة في التمويل اللازم لأداء هذه المهمة، لم تنجح التبرعات التي جُمعت على امتداد أشهر بردمها. وهناك حاجة إلى 16 مليار دولار هذا العام، وما يزيد على 30 مليار دولار في العالم المقبل، هذا لنتمكن من تحصين أولئك الذين يحدق بهم خطر كبير حالياً وتوفير الحماية لهم.
وبطبيعة الحال، فإن التنازل عن براءات اختراع اللقاحات الكفيلة بإنقاذ حياة الناس من شأنه أن يؤدي إلى خفض تكاليف اللقاحات، كما أن من المفيد اللجوء إلى ” تقاسم الجرعات” بحيث تتبرع الدول الغنية بما يزيد عن حاجتها من اللقاح إلى “كوفاكس” التي توزعه بدورها عالمياً وفق حاجة الدول إليه. لكن “تقاسم الجرعات” لايكفي في حد ذاته. وحتى إذا تبرعت دول مجموعة السبع بمليار جرعة، وهو أمر تستطيع كلها أن تقدمه، فإن ما سيتوفر لدينا سيكون أقل بكثير من 11 مليار جرعة التي لابد منها لتنفيذ خطة جونسون الخاصة بإجراء عمليات تلقيح شاملة عالمياً.
ولحسن الحظ، فإن هناك خطة مطروحة في اجتماعات يوم الجمعة، بذل زعيما النرويج وجنوب أفريقيا جهداً كبيراً في إعدادها. ويأمل صاحبا الخطة أن توافق دول مجموعة السبع على تقاسم التكلفة المادية الكاملة للقاحات والحماية الصحية مع دول غنية أخرى. وتأخذ الصيغة المقترحة التي وضعها الزعيمان في الاعتبار دخل كل بلد وثرواته علاوة على المزايا التفاضلية التي ستكون من نصيبه جراء إعادة عجلة الاقتصاد العالمي إلى الدوران. واستناداً إلى القدرة على الدفع، سيكون بوسع الدول المشاركة في قمة السبع ان تتكفل بتقديم 67 في المئة من التكلفة الإجمالية. وإذ يمكن لولايات المتحدة أن تدفع 27 في المئة من قيمة التكلفة، تستطيع أوروبا أن تقدم 22 في المئة، والمملكة المتحدة 5 في المئة، وكل من اليابان وكوريا وأستراليا 2 في المئة. وسيُطلب من الدول الأخرى الأعضاء في مجموعة العشرين، بما فيها روسيا والصين والدول المصدرة للنفط، أن تغطي ما يتبقى من التكلفة الإجمالية.
إن تبني خطة تقاسم أعباء عمليات التلقيح الشاملة من شأنه أن يؤدي إلى تفعيل البرنامج الذي تم تجهيزه للعمل بمنتهى الدقة في بريطانيا وأميركا العام الماضي، حين تكفل البلدان بدفع تكلفة الطلب المسبق على اللقاحات اللازمة لاستعمالهما الخاص. كما أن تقاسم الأعباء، وهو مهمة أوسع نطاقاً من صيغة تقاسم الجرعات، يمثل الطريق الأفضل للمضي قدماً إلى الأمام لأن حماية الصحة على مستوى العالم تحتاج إلى أكثر من استجابة عابرة لأزمة واحدة لتوفير الدعم اللازم لمواجهة حالات الطوارئ لدينا. هكذا، فإننا لانحتاج فقط إلى تمويل الجاهزية، بل سيلزمنا بشكل شبه أكيد أن ننتج لقاحات مضادة لفيروس “كوفيد -19” على الأمد الطويل في المستقبل.
لكن يجب إبلاغ مجموعة السبع أن الداعي إلى تلقيح العالم ليس الشفقة، بل هو تصرف يصب في مصلحة هذه الدول أيضاً. فتمويل عمليات تلقيح شاملة هو أشبه بالحصول على أفضل بوليصة تأمين ممكنة في العالم حالياً. ويقدر صندوق النقد الدولي أن عائدات التلقيح ستصل إلى 9 تريليون دولار بحلول عام 2025، وذلك بفضل ازدياد النشاط التجاري والاقتصادي مع عودة العالم إلى سابق عهده. ومن ناحيتها، تشير منظمة ” أنقذوا الطفولة” إلى أن كلاً من دول مجموعة السبع ستقطف أضعاف ما تدفعه، تحديداً 30 ضعفاً على الأقل، لإجراء عمليات التلقيح الشامل.
لكن، “قد يفوت الأوان”، على حد تعبير مارتن لوثر كينغ. هكذا، فإننا نحتاج إلى اتخاذ قرار عاجل للغاية، إذا أردنا فعلاً أن نضع حداً للوفيات على مستوى العالم جراء الإصابة بـ”كوفيد-19” التي يبلغ معدلها اليومي 10000 حالة وفاة.
وبطبيعة الحال، سيقول أولئك الذين ينتقدون هذه الخطة الجريئة، إن أعمال الخير تبدأ وتنتهي أيضاً في المنزل، بحيث يفيد منها صاحبها قبل الآخرين. غير أن استطلاعاً للرأي أظهر هذا الأسبوع، أن ما يزيد على 70 في المئة من أبناء دول مجموعة السبع، بمن فيهم 75 في المئة من المواطنين الأميركيين و79 في المئة من البريطانيين، يؤيدون إسهام زعمائهم بتقديم حصتهم من تكلفة عمليات التلقيح لأبناء دول العالم كافة. وينبغي أن يجري تذكير قادة مجموعة السبع أنفسهم بحقيقة أكبر من كل هذا، وهي أن الطفرات المتعددة تزيد من حدة السباق بين الفيروس واللقاح، ما يعني أن أياً منا لا يمكنه أن يتمتع بمفرده بالأمان في أي مكان من العالم، إذا لم نحظَ جميعاً بالأمان في كل مكان.
يصدر كتاب غوردون الجديد بعنوان ” سبع طرق لتغيير العالم” اليوم عن دار ” سايمون آند شوستر”
© The Independent