رستم محمود
قبل ساعات قليلة من بدء أول لقاء بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، على هامش اجتماعات زعماء حلف شمال الأطلسي في بروكسل، تزداد التكهنات بشأن الموضوعات والنتائج التي سيسفر اللقاء الأول بين الطرفين.
ويرتقب أن تكون مخرجات هذا اللقاء بين بايدن وأردوغان ذات تأثيرات على مستقبل العلاقة المتوترة بين الحليفين التقليديين.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، قد حدد الملفات التي سيناقشها الطرفان، فقال في وقت سابقا إنهما “سيناقشان ملفات سوريا وأفغانستان وقضايا إقليمية أخرى، كما سينظران في “الخلافات الكبيرة” بين واشنطن وأنقرة.
فضلا عن ذلك، سيكون ملف شرق البحر المتوسط وسوريا وإيران ضمن النقاش، لا سيما الدور الذي ستلعبه تركيا في أفغانستان مع انسحاب الولايات المتحدة من ذلك البلد.
ورد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، على تصريحات المسؤول الأميركي، قائلا “إن الحليفين يحتاجان إلى اتخاذ خطوات متبادلة لإصلاح العلاقات، وقد وصلتنا إشارات أولية بأن واشنطن حريصة على العمل المشترك مع أنقرة بشأن نزاعات إقليمية مثل سوريا وليبيا”.
وحسب تسريبات ومعلومات إعلامية تركية متقاطعة، فإن أردوغان سيسعى أولاً لمنح بايدن تطمينات بشأن دور تركيا في مسألة استقرار القارة الأوروبية، سيما من خلال التعهد بخفض مستويات التوتر في منطقة شرق المتوسط، وإنجاز الملفات العالقة مع قبرص واليونان بالحوار ودون تصعيد عسكري، والأمر نفسه ينطبق في التوتر التركي مع كُل من فرنسا النمسا وإيطاليا.
ويشرح الباحث التركي في الشؤون الأوربية، نعمان أوزال أوغلو، في حديث لـ “سكاي نيوز عربية”، حسابات الرئيس التركي في ذلك الاتجاه “يعرف أردوغان اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة بالاستقرار الأوربي، وقد اتضح ذلك تماماً من موقفها المبدئي والثابت من وحدة الأراضي الأوكرانية ومواجهة الضغوط الروسية ضدها.
الأمر الآخر اتضح من خلال إصرار الإدارة على إعادة تجبير الحلف العسكري عبر الأطلسي مع أوروبا، والذي كانت إدارة الرئيس ترامب قد هددت بالتخلي عنه. لأجل ذلك فإن أردوغان يُريد أن يلاقي ويوافق تلك التوجهات الأميركية، لاستغلالها في ملفات أخرى.
خدمات تركية
ورأت مراكز الأبحاث التركية القريبة من حزب العدالة والتنمية، أن الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس أردوغان ركزت، خلال الشهرين الماضيين، على وضع تصور لما يُمكن أن تقوم به تركيا من خدمات لصالح الولايات المُتحدة في أفغانستان في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من هناك الشهر المُقبل.
وأضافت تلك المراكز أن أردوغان سيعرض التعاون في ملف إدارة مطار كابول المدني في تلك المرحلة، بالإضافة إلى مهام تدريب القوات الأمنية الأفغانية، وأن تكون القوات التركية هناك تحت إدارة ومتابعة قاعدة “أنجرليلك” العسكرية لحلف الناتو في تركيا.
في غضون ذلك، نشرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية تقريراً تحليلاً حول جوهر الخلاف السياسي بين الطرفين، كتبه المحلل الاستراتيجي المُختص في الشؤون التركية سِنان أولغين، قال فيه “خلال الاجتماع المُرتقب، سيكمن التحدي الرئيسي حول إمكانية وضع تعريف متفق عليه بشكل مشترك لهذه الظروف الاستثنائية في منطقة الشرق الأوسط، ودور التحالف الأميركي التركي في التعامل معها”.
وأردف أنه بالنظر إلى “طبيعة التهديدات التي تواجهها تركيا، والتي تشمل التهديدات التقليدية وكذلك الهجينة وغير المتكافئة مثل الإرهاب وفشل دولة الجوار، فإن التحدي هو إمكانية وطريقة استعمال المادتين 4 و5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي – أي عندما يتفق أعضاء الناتو على سلامة أراضي تركيا وأمنها من أي تهديد، أو ما تتعرض له من ضغوط وهجمات”.
لكن ما سيعرضه الرئيس أردوغان على نظيره الأميركي كـ “مُغريات” تصطدم بملفين جوهرين قد يعيقان أي تقدم لعلاقة البلدين خلال السنوات الثالثة القادمة، التي قد تُحدد مصير الرئيس أردوغان خلال الانتخابات المرتقبة إجراؤها خلال العامين المُقبلين.
فالإدارة الأميركية بكامل أركانها تتبنى منظوراً استراتيجياً لربط العلاقات السياسية الخارجية للولايات المُتحدة بملف حقوق الإنسان والحريات السياسية والدينية والمدنية، في حين أن تصنيف السلطة الحاكمة في تركيا حسب تلك المعايير متدهور جداً، وحسب المؤسسات الأميركية المختصة في ذلك المجال.
ويرى خبراء أن غض النظر الذي كانت السلطات التركية تحصل عليه تركيا في تلك الملفات من قِبل الإدارة الأميركية السابقة لم تعد متوفرة قط، بسبب علاقة أردوغان الشخصية بالرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، وهو عامل ضاغط آخر في العلاقة بين تركيا والرئاسة الجديدة.
العقبة الروسية وحقوق الإنسان
الاستعصاء الثاني في علاقة الطرفين ناجم عن منهجية تركيا الجديدة في ملف التسلح، وإصرارها على شراء منظومة S400 الصاروخية الروسية الدفاعية، والاحتفاظ بها على الرغم من التحذيرات والعقوبات الأميركية، والإشارة الدائمة إلى تأثيرات تلك المنظومات الروسية على منظومات الدفاع التابعة لحلف الناتو، والموجودة بكثافة على الأراضي التركية.
وكان وزير الخارجية التركي قد رد بشكل مُسبق على طلبات بايدن في ذلك الملف “إذا لم تضمن الولايات المتحدة صواريخ باتريوت، فيمكننا الحصول على نظام دفاع جوي من حلفائنا الآخرين”، مُشيراً إلى قرار إخراج الولايات المُتحدة لتركيا من مشروع طائرات الـ F35 الأميركية.
وكان قسم تُركيا في برنامج ديمقراطية الشرق الأوسط، وهي مؤسسة أميركية نافذة، قد حذر الرئيس بايدن من أي تساهل مع نظيره التركي أثناء اللقاء المُشترك.
وقال في تقرير كتبه أريك أديلمان ومروى طاهر أوغلو “قد تكون “التراجعات المحدودة” الأخيرة التي أطلقها أردوغان في بعض مجالات السياسة الخارجية، و”حملات الإطراء” تجاه اليونان ومصر وفرنسا تكتيكية وبالتالي وهمية.
وخلص إلى أن أردوغان يسعى فقط إلى بداية جديدة مع الزعيم الأمريكي في بروكسل، فيما يجب على بايدن الآن أن يوضح لأردوغان أن تركيا الاستبدادية لا تشكل تهديدًا لقيم الولايات المتحدة الأساسية فحسب، بل أيضًا لأمن الولايات المتحدة، وهو ما يستوجب أن يضغط بايدن على نظيره التركي حتى يحترم حقوق الإنسان ويراعي الحريات.