يهدف الرئيس إلى مواجهة بوتين وكذلك طمأنة الحلفاء الذين يشعرون بخيبة أمل من مواقف أميركا
يتوجه الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء إلى أوروبا، حيث يحضر قمة مجموعة السبع ولقاءات في حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي بهدف مزدوج معلن، طمأنة الحلفاء وتوجيه تحذير إلى روسيا.
وترتدي الزيارة طابعاً رمزياً كبيراً، فخلال زيارته الأولى إلى الخارج اختار الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة (78 عاماً) إعطاء أهمية خاصة للعلاقات بين جانبي الأطلسي التي واجهت مشكلات كثيرة خلال رئاسة دونالد ترمب.
وكتب بايدن “رحلتي إلى أوروبا تشكّل مناسبة لأميركا، لكي تحشد الديمقراطيات في كل أنحاء العالم”، وطرح نفسه لاعباً أساسياً فيما وصفه بأنه صراع قوة عقائدي في مواجهة “الأنظمة السلطوية”، وفي مقدمتها الصين.
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض، يقول إن الولايات المتحدة عادت إلى طاولة العمل المتعدد الأطراف، ومصممة على لعب دور أساسي، بدءاً من مكافحة وباء كورونا ووصولاً إلى التغير المناخي.
أميركا عادت
وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، إن زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن لأوروبا هذا الأسبوع بمثابة “مؤشر على نجاة العمل المتعدد الأطراف من سنوات حكم سلفه دونالد ترمب، وسترسي أسس التعاون عبر المحيط الأطلسي، لمواجهة تحديات عديدة، بدءاً من الصين وروسيا وانتهاء بتغير المناخ”.
وأضاف ميشيل “أميركا عادت”، مستخدماً المصطلح نفسه الذي اتخذه بايدن شعاراً بعد انسحاب ترمب خلال فترة حكمه من عدة منظمات متعددة الأطراف وتهديده في وقت ما بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي.
وقال رئيس المجلس الأوروبي لمجموعة من الصحافيين في وقت متأخر أمس الإثنين، “هذا يعني أن لدينا مجدداً شريكاً قوياً جداً لتعزيز نهج التعددية. اختلاف كبير عن إدارة ترمب”.
وسيجتمع ميشيل ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مع بايدن في الـ 15 من يونيو (حزيران)، وسيكون ذلك عقب قمة مجموعة الدول السبع الكبرى في بريطانيا واجتماع زعماء الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي في بروكسل في الـ 14 من يونيو.
وأشار ميشيل إلى أن فكرة “عودة التعددية” هي أكثر من مجرد شعار، لأنها إقرار بأن هناك حاجة إلى نهج عالمي لحل القضايا، سواء أكانت سلاسل إمداد اللقاحات المضادة لمرض كورونا أو نظام ضرائب أكثر عدلاً على الشركات في العصر الرقمي.
وذكر أن اجتماع مجموعة السبع الذي يستمر ثلاثة أيام في كورنوول في إنجلترا قد يكون “نقطة تحوّل مهمة” تظهر التزاماً سياسياً جاداً في تعهدات الحكومات “بالعودة إلى البناء على نحو أفضل” في أعقاب تضرر الاقتصاد بشدة بسبب جائحة كورونا.
وقال ميشيل إنه تحدث لمدة 90 دقيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الإثنين، وأبلغه أنه يتعين أن يغير سلوكه إن كان يريد علاقات أفضل مع الاتحاد الأوروبي.
ويختلف الاتحاد الأوروبي مع روسيا في مجموعة واسعة من القضايا، تشمل حقوق الإنسان وتدخل روسيا في أوكرانيا ومعاملتها للمعارض المسجون أليكسي نافالني، وقال ميشيل إن العلاقات بينهما بلغت مرحلة متدنية.
أوروبا أقل محورية
لكن بعيداً من الارتياح الحقيقي بعد الهزات خلال عهد ترمب، هناك شكل من نفاد الصبر من الجانب الأوروبي. يقول بنجامين حداد من مركز الأبحاث “أتلانتيك كاونسل”، إنه إذا كانت اللهجة بناء أكثر، لكن هناك بعض “خيبة الأمل”.
وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية، “نتحدث كثيراً عن (عودة أميركا). هناك خطاب إيجابي، لكن يجب الآن الانتقال إلى الأفعال”.
وبالنسبة لكثيرين، فإن توزيع اللقاحات الأميركية على دول أخرى تأخر كثيراً. كما عدم مبادرة واشنطن إلى اعتماد مبدأ المعاملة بالمثل على إثر قرار الاتحاد الأوروبي إعادة فتح أبوابه أمام المسافرين الأميركيين أثار استياء. والطريقة التي أعلن فيها الانسحاب من أفغانستان من دون مشاورات فعلية مسبقة، لم يكن موضع تقدير لدى العواصم الأوروبية.
وهناك عوامل ظرفية مرتبطة بأولويات بداية الولاية تفسر هذا الوضع. لكن الأسباب أعمق أيضاً. يقول الباحث الفرنسي “أصبحت أوروبا أقل محورية بالنسبة للسياسة الخارجية الأميركية، مقارنة عما كانت عليه قبل 20 أو 30 عاماً”.
ومن جانب آخر، فإن ولاية ترمب، الذي وصف حلف الأطلسي بأنه “عفا عليه الزمن”، تركت آثارها على الحلفاء. يقول الدبلوماسي الأميركي ألكسندر فيرشبو، المسؤول الثاني في حلف الأطلسي سابقاً، “الحلفاء لا يزال لديهم شكوك، ولا تزال ماثلة في أذهانهم القوى التي أوصلت ترمب إلى السلطة عام 2016”.
ويصل جو بايدن مساء الأربعاء إلى كورنوال بجنوب غربي إنجلترا، حيث يشارك في قمة مجموعة السبع (ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان وبريطانيا) بعد لقاء ثنائي مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
والأحد يزور برفقة السيدة الأولى جيل بايدن، الملكة إليزابيث الثانية في قصر ويندسور.
وباستثناء ليندون جونسون، فإن الملكة التقت كل الرؤساء الأميركيين في أثناء توليهم مهماتهم على مدى 69 عاماً من اعتلائها العرش.
ثم يغادر بايدن على متن الطائرة الرئاسية “إير فورس وان” إلى بروكسل لحضور قمة قادة حلف شمال الأطلسي، ثم قمة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، قبل أن يختتم جولته التي تستمر ثمانية أيام في جنيف بقمة منتظرة جداً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
لقاء بايدن وبوتين
وتبدو المحادثات بين بايدن وبوتين صعبة، وعلى جدول أعمالها أوكرانيا وبيلاروس ومصير المعارض الروسي المسجون أليكسي نافالني والهجمات المعلوماتية.
ويؤكد البيت الأبيض الذي يوجّه رسائل تصالحية أحياناً، وتحذيرات في أحيان أخرى، أن لديه توقعات متواضعة من هذا اللقاء، والهدف الوحيد المطروح، جعل العلاقات بين البلدين أكثر “استقراراً ويمكن توقعها”.
ولم تقدم الرئاسة الأميركية سوى القليل من التفاصيل حول هذا اللقاء، ملمحة فقط إلى أنه من غير المرتقب عقد مؤتمر صحافي مشترك بين الرئيسين.
ولا يزال المؤتمر الصحافي بين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في هلسنكي في يوليو (تموز) 2018 ماثلاً في كل الأذهان بواشنطن، فقد أثار ضجة كبرى حتى في صفوف معسكر الجمهوريين الأميركيين بعدما بدا ترمب وكأنه يعطي قيمة لأقوال بوتين، رجل الاستخبارات السابق، أكثر مما يعطيها لخلاصات وكالات الاستخبارات الأميركية مجتمعة حول التدخل الروسي في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016.
ويؤكد فريق بايدن أن اللهجة ستكون هذه المرة مختلفة جداً. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان “نحن لا نرى اللقاء مع الرئيس الروسي مكافأة لهذا الأخير”. وحول السبب الرئيس لهذه القمة قال، “التمكن من النظر في عيني الرئيس بوتين والقول له هذه هي التوقعات الأميركية”.
وأصر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ على أن “الحوار مع روسيا ليس علامة ضعف”، وذلك بعد لقاء الإثنين في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأميركي.
في خطوة مدروسة، وقبل يومين من مغادرته واشنطن، دعا جو بايدن نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لزيارة البيت الأبيض خلال الصيف.
وبالنسبة لمدينة جنيف، سيكون للقاء نكهة خاصة، ففي عام 1985 استضافت قمة بين الرئيس الأميركي رونالد ريغان والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشيوف.