قلم د المخرج محمد الجبور
قد يختلط ويتداخل لدى كثير من الناس مفهوم اللامركزية السياسية بمفهوم اللامركزية الادارية وهما في الحقيقة أمران مختلفان، فاللامركزية السياسية لا توجد في الدول المركبة التي تتوزع فيها السلطة والقوة والسيادة والحكم بين العديد من المراكز القانونية والسياسية طبقاً للصيغة الدستورية والسياسية التي تقوم عليها مثل هذه الدولة وهي أي اللامركزية السياسية لا توجد في الدولة الموحدة أو الدولة البسيطة التي تقوم على فكرة الدستور الواحد والسيادة الواحدة والحكومة الواحدة تشريعاً وتنفيذاً وقضاءً وأبرز مثال على نماذج الدولة المركبة هو انموذج الاتحاد الفيدرالي ومن اهم وانجح صور الاتحاد الفيدرالي الولايات المتحدة الامريكية ففي هذه الدولة هناك الحكومة المركزية ولها دستور هو الدستور الاتحادي واختصاصات وصلاحيات الحكومة المركزية تتمثل فقط فيما هو محدد في الدستور الاتحادي وتدور حول ما هو عام للاتحاد المركزي من أمن ودفاع وسياسة خارجية واحدة وهوية وشخصية دولية واحدة واما ما عدا ذلك فهو يدخل ضمن اختصاصات ولاياتها الخمسين التي تتشكل منها هذه الدولة، ولكل ولاية دستورها الخاص وسلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ولها حاكمها الخاص الذي هو بمثابة رئيس لهذه الدويلة، والعلاقة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية تتحدد حسب الدستور الاتحادي والدساتير المحلية، وفي حالة ظهور أي تضارب في الصلاحيات بين أي ولاية والحكومة المركزية أو بين ولاية وولاية أخرى فإن المحكمة الفيدرالية العليا هي التي تبت وتفصل في الامر وحكمها فوق الجميع وفيما يتعلق باللامركزية الادارية فهي توجد في كل الدول المركبة منها والموحدة على السواء ووجودها في الدول المركبة هو من قبيل تحصيل الحاصل لأن اللامركزية السياسية فيها تشمل اللامركزية الادارية واما بخصوص وجود اللامركزية الادارية في الدول الموحدة فهو يرتبط في وقتنا الحاضر باتجاه أغلب الدول والمجتمعات السياسية المعاصرة نحو الديمقراطية والمشاركة بمفهومها الموسع السياسي والاداري والاجتماعي والاقتصادي وبرغبة أكثر للدول الموحدة في توزيع الوظيفة الادارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين الهيئات المحلية الاقليمية أو المصلحية المرفقية تمارس سلطاتها مستقلة في المسائل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والخدمية بوجه عام وفي الحدود المرسومة لها من قبل المشرع وتحت رقابة ووصاية الادارة المركزية إن اللامركزية هي حق من حقوق الانسان وهناك وثائق أشارت الى العلاقة المتداخلة ما بين الديمقراطية وحقوق الانسان من جانب واللامركزية السياسية من جانب اخر ومن الامثلة على ذلك المادة (21) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي نصت على ” ان لكل شخص حق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة ” وبالاضافة لهذه الوثائق العالمية فإن ثمة وثائق اقليمية عديدة قد اشارت الى ان كلا من الديمقراطية واللامركزية هما من ضمانات حقوق الانسان كالمادة (20) من الاعلان الامريكي لحقوق وواجبات الانسان