افتتاحية: العديد من البلدان الغنية ستتعافى إلى مستويات ما قبل الجائحة العام المقبل لكن التقدم سيكون متفاوتا إلى حد كبير وسيحتاج كل بلد إلى تقدم التلقيح بأسرع ما يمكن
آخر توقعات الاقتصاد العالمي من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية غير عادية من نواح عديدة، لكن الجانب الأكثر لفتاً للنظر هو أنه يجعل التلقيح ضد كوفيد-19 – وليس الوصفات المعتادة في شأن السياسة المالية العامة أو النقدية أو التجارية – أداة أكثر فاعلية في إعادة العالم إلى النمو الاقتصادي المستدام.
يجب أن يجري التلقيح – من أجل الاقتصاد والصحة العامة – على وجه السرعة وعلى نطاق عالمي حقاً. ومن دون هذا قد لا يكون العالم مستقراً كما كان من قبل.
وكما هي الحال الآن، سيعود قسم كبير من العالم إلى مستويات ما قبل الجائحة على صعيد الناتج بحلول نهاية العام المقبل– لكن التقدم متنوع والآفاق غير مؤكدة. وتُعَد أميركا والصين وألمانيا الاقتصادات الكبرى التي تقود الطريق، وهي بلغت بالفعل “الذروة” على صعيد ناتجها عام 2019 أو اقتربت منها. وستعود بريطانيا أيضاً إلى حالة اقتصادية طبيعية من نوع ما بحلول ربيع عام 2022.
لكن العديد من البلدان الناشئة ستستغرق وقتاً أطول كثيراً، مع عدم تعافي بلدان مثل جنوب أفريقيا والأرجنتين قبل عام 2024. وعلى هذا النحو، هذه هي الأنباء الطيبة؛ لكن الحقيقة تظل أن ما يقرب من عُشر إلى خُمس الناتج الاقتصادي العالمي السنوي – تريليون دولار من البضائع والخدمات – ضاع إلى الأبد. ولن تتسنى استعادته، مهما كان توسع الاقتصاد العالمي سريعاً في السنوات المقبلة.
وهذا هو الثمن الاقتصادي للجائحة، بكل ما ينطوي عليه ذلك بالنسبة إلى مستويات المعيشة والنتائج الصحية بين الناس في مختلف أنحاء العالم. وبالنسبة إلى الأسر والشركات (الكبيرة والصغيرة) والحكومات، تركت هذه الجائحة أعباء ضخمة من الديون. فقد أضافت في شكل كبير إلى اختلالات التوازن العالمية الإجمالية القائمة بالفعل بين الاقتصادات المدينة والدائنة، الأمر الذي أضاف إلى عدم الاستقرار في الأجل البعيد. وحتى في ظل سيناريو متفائل، وبعد فترة طويلة من تراجع الكمامات والتباعد الاجتماعي إلى شيء من التاريخ، ستجعل الآثار المالية المترتبة على كوفيد-19 نفسها محسوسة.
وبالنسبة إلى بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، سيكون التعافي الاقتصادي العالمي متفاوتاً إلى حد كبير، وعلى النقيض من التعافي الطبيعي من ركود اقتصادي. وسيكون أيضاً مشروطاً بدرجة كبيرة بقوى وراء السيطرة البشرية – لا سيما طفرات فيروس كورونا. وتشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مثلها في ذلك كمثل منظمة الصحة العالمية، إلى أن أي بلد لن يكون آمناً على صعيد الاقتصاد، كما هي الحال في مجال الصحة العامة، ما لم تكن البلدان كلها آمنة. ومن بين أعظم المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي المعولم والمعتمد إلى حد كبير على التجارة وتدفقات الاستثمارات والبشر عبر الحدود، الأثر الذي قد يخلفه تأخر برامج التلقيح في بعض المناطق. وتؤيد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حجة الحس السليم القائلة بأن تكاليف تلقيح العالم ضد كوفيد-19 تافهة مقارنة بالتكاليف البشرية والاقتصادية المترتبة على خسارة الأرواح، والإغلاقات المتكررة، والحدود المغلقة، وحالات الركود الدورية التي يوجهها كوفيد.
ويبدو أن بريطانيا تعاني أكثر من معظم البلدان من تداعيات “الندوب” الاقتصادية من بين الدول الصناعية الكبرى القابلة للمقارنة في مجموعة السبع. فبعد وقف العمل بمختلف برامج الدعم، من المتوقع أن يرتفع معدل البطالة إلى 6.1 في المئة بحلول نهاية هذا العام، وقد يجد جيل من العاملين الأصغر سناً صعوبة أكبر في العثور على وظائف جيدة بأجور تمكنهم من التمتع بنمط حياة لائق، وكلما طال أمد بقائهم عاطلين عن العمل قل احتمال تمكينهم من الاحتفاظ بالمهارات أو اكتسابها للاستفادة إلى أقصى حد من الفرص التي تنشأ حقاً.
ومن المرجح أن يرتفع معدل التضخم، ولو في شكل مؤقت، ما يعكس النقص والاختناقات الناجمة عن الارتفاع السريع للغاية في الطلب المكبوت في بعض القطاعات، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة. كذلك سترتفع في نهاية المطاف مستويات الضرائب والقيود المفروضة على الإنفاق على الخدمات العامة، مع إصلاح الأوضاع المالية الوطنية – وهي المهمة التي لا بد من أن تتأخر إلى أن يجد الاقتصاد أرضية أكثر رسوخاً. ومن المرجح أن يستمر “بريكست” في إضعاف الصادرات والاستثمار الوارد.
وهكذا أصبحت التوقعات مختلطة في بريطانيا والعالم ككل، والمرحلة المقبلة غير واضحة. لكن هناك ثلاثة من أهم العوامل الأساسية التي أبرزتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية باعتبارها شرطاً أساسياً للصحة الاقتصادية القوية والتي لا يمكن تأكيدها بالقدر الكافي – التلقيح، والتلقيح، والتلقيح.
© The Independent