ستحدد الجائحة العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين على غرار ما فعلت الأزمة المالية عامي 2008 و2009 في السنوات العشرة السابقة
هاميش ماكراي صحافي وكاتب @TheIndyBusiness
شكّلت السنة الماضية الماضي عاماً عظيماً بالنسبة إلى المستثمرين في الولايات المتحدة، لكنها بدت سنة فاسدة للغاية من وجهة نظر مستثمرين في المملكة المتحدة، إلا من امتلكوا تبصراً كافياً واشتروا أدوات استثمار أميركية. لكن، ماذا الآن؟
كيف سيتوقف الدعم المالي العام والنقدي؟ ما مدى عمق الندوب البعيدة الأجل في الاقتصاد العالمي بعد “كوفيد- 19″؟ واجهت الأسواق العالمية بضعة أسابيع وعرة، لذا يبدو الآن هو الوقت المناسب لمحاولة إلقاء نظرة طويلة حقاً إلى الاستثمار. نظرة طويلة حقاً؟ ماذا عن قرن من الزمن أو نحو ذلك؟ على مدى السنوات الـ66 الماضية، دققت مؤسسة “إيكويتي غيلت ستادي” (حرفياً، “الدراسة الذهبية للأسهم”) Equity Gilt Study في عوائد الاستثمار البريطانية منذ 1899، وعوائد الاستثمار في الولايات المتحدة منذ 1925. وقد أُطلِقَتْ تلك الدراسة عبر شركة “دي زوتي أند بيفان” لوكلاء الأسهم، وتواصلت على يد بنك “باركليز” بعدما استحوذ على تلك الشركة إثر الإصلاحات التي اشتُهِرَت بلقب “بيغ بانغ” (بمعنى إحداث تحرير ضخم في الأسواق المالية) إبّان حقبة الثمانينيات من القرن العشرين. وفي التقرير الأخير للمؤسسة، ثمة رسالتان رئيستان للمستثمرين. تتمثّل الأولى في أن الأسهم ستعطي على مدى فترة طويلة من الزمن عوائد أفضل من السندات أو الأموال النقدية. وتشير الثانية إلى أن العامل الرئيسي في تحقيق عوائد مرتفعة يتلخص بإعادة استثمار أرباح الأسهم. وبهذه الطريقة، تتغلبون على التضخم ضمن هامش لائق.
واستناداً إلى ذلك، ومع إعادة استثمار أرباح الأسهم، بلغ متوسط العائد السنوي الحقيقي للأسهم الأميركية 6.9 في المئة منذ عام 1925، في حين لم تعطِ سندات الحكومة الأميركية إلا 2.7 في المئة. وفي المملكة المتحدة، بلغت العوائد السنوية الحقيقية منذ عام 4.9 في المئة و1.4 في المئة. وكذلك تصح الإشارة إلى أن هذه الحسابات تفترض أنكم لا تدفعون ضرائب أو رسوماً لإدارة الاستثمار، لذلك ستكون العوائد الفعلية أقل.
واستكمالاً لتلك الصورة، لقد حلت فترات طويلة انخفضت فيها أسعار الأصول. وبين عامي 2000 و2010، مَرَّ عقد هزيل بالنسبة إلى الأسهم في المملكة المتحدة، بل حتى السماح باستثمار للأرباح حقق مكاسب بالكاد استطاعت أن تتساوى مع التكاليف. لكن، كل من يستثمر من أجل معاش التقاعد قد يكون له أفق زمني يبلغ 40 سنة، لذلك فمن المعقول أن نُرجِّح بالنسبة له، أن تتساوى العقود الطيبة والسيئة من الزمن.
ماذا الآن؟ شهدت الولايات المتحدة سلسلة ضخمة من ارتفاعات الأسهم، ولاسيما أسهم شركات التكنولوجيا. وحدث تعطّل واسع النطاق بسبب الجائحة، أدى إلى ظهور فائزين وخاسرين. وكذلك جاء التحفيز المالي العام والنقدي الهائل، الذي لم يسبق له مثيل في وقت السلم، وقد أجازته الحكومات في محاولة للإبقاء على استمرار اقتصاداتها. وتضم دراسة هذا العام (عن “إيكويتي غيلت ستادي” التي باتت ضمن “باركليز”)، سلسلة من المقالات تنظر في أربعة أسئلة كبرى يجب أن يواجهها المستثمرون، وبالطبع جميعنا أيضاً.
أولاً، كيف قد يتوقف التحفيز المالي؟ لقد قدمت الولايات المتحدة أكبر دفعة ممكنة من التحفيز، لذا فقد تواجه التحدي الأعظم. ويرى “باركليز” أن ميزان الاحتمالات يتمثل في أن تلك الدفعة (من التحفيز) ستُمكِّن من العودة إلى مستويات الاقتراض ومعدلات الفائدة الأكثر طبيعية بطريقة منظمة، لكنه يعترف بإمكانية عدم حدوث ذلك.
واستطراداً، يعتقد “باركليز” بأن خروج أوروبا من خطط التحفيز المالي سيكون أسهل، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى أن حجم الدعم الذي أعطته جاء محدوداً للغاية. في المقابل، يثير “باركليز” إمكانية انتقال أوروبا إلى حالة أشبه باليابان، بمعنى أن تُؤجَّل الديون المعدومة، ضمن ما يُسمَّى “التمديد والتظاهر”، ويعاني الاقتصاد من الركود. وربما تنفجر الضغوط الشعبوية، إذا عانت أوروبا من اضطرابات خطيرة نتيجة لتلك الإمكانية.
واستطراداً، يقودنا ذلك إلى السؤال الثاني عن أهمية الدين. إذ يلاحظ “باركليز” أن عديداً من الناس يعتقدون بأن ذلك لم يعد صحيحاً. لكن ربما تقع لحظة يصح فيها ذلك، فجأة. ولعل هذا لا يشكل أهمية كبيرة للاقتصادات المتقدمة الصلبة، لكنه قد يشكل أهمية كبرى للاقتصادات الناشئة. (من المؤكد أن يشعر بالقلق أولئك الذين كبروا في السن بما يكفيهم كي يتذكروا ذهاب المملكة المتحدة إلى “صندوق النقد الدولي” من أجل الإنقاذ في 1976).
ثالثاً، هناك الأثر القطاعي، بمعنى الدمار الذي حاق بأعمال السفر والسياحة. إذ يعتقد واضعو الدراسة أن ندوباً بعيدة الأجل ستحصل، لأن قطاع السفر لا يتعافى إلا ببطء. وستكون تلك الندوب أعمق في الاقتصادات التي تعتمد اعتماداً كبيراً على إيرادات السياحة في دعم العمالة والنشاط. وسيتقلص التنقل العالمي، وستتعرض الاقتصادات الناشئة إلى ضربة شديدة في شكل خاص.
وأخيراً، هناك الانتقال إلى العمل عبر الإنترنت، ما يعني نهاية التنقل. وتبدو الاستنتاجات واضحة، في ذلك الصدد. إذ سيحدث تحول في استخدام الأراضي، وستعاني مراكز المدن في إعادة استغلال المساحات المكتبية لمصلحة الإسكان، مع تفضيل البيوت على الشقق، ومع ازدهار الضواحي. وستنخفض مساحة المكاتب بمقدار خمسة أضعاف. ومن عجيب المفارقات أن الناس قد يقضون مزيداً من الوقت في التنقل، لأنهم سيقومون برحلات قصيرة في السيارات إلى مواقع مختلفة، بدلاً من إجراء رحلة منتظمة إلى مكتب مركزي.
تشير قراءتي الشاملة لهذا كله إلى أن الندوب ستكون أعمق وأن التعافي سيستغرق وقتاً أطول مما يتصوره عديدٌ من الناس. وسيحدد هذا الوضع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، على غرار ما حدد انهيار المصارف في 2008 و2009 العقد الثاني من القرن نفسه. وإذا بدا ذلك محبطاً، ولاسيما للأشخاص الذين لا يزالون في وقت مبكر من حياتهم المهنية، فلكم أن تأملوا في هذا.
من منظور بعيد للغاية، يشمل بالنسبة إلى المملكة المتحدة، الحربين العالميتين والتضخم العظيم في سبعينيات القرن العشرين، من الممكن للناس الذين يعملون بجد ويدّخرون ويستثمرون بحكمة، أن يحموا أنفسهم من تعطل خطير. ولا أستطيع أن أصدق أن أي شيء قد يحدث في العقدين المقبلين من الزمن قد يكون بمثل سوء حوادث النصف الأول من القرن الماضي. إذاً، ثمة كثير من الراحة في المنظور البعيد للغاية.
© The Independent