لم يتعدَ الدعم الإيراني للقضية الفلسطينية لغة الخطابة
هدى رؤوف كاتب
عملت إيران منذ سنوات طويلة على جعل القضية الفلسطينية بمثابة مركز الجاذبية في خطابها المتواصل عن المستضعَفين، وعملت على دعم عدد من الحركات الفلسطينية السنية مثل حركتَي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، فبعد انتصار الثورة الإيرانية، ووصول المرشد الأعلى السابق الخميني إلى إيران التقى الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كما تم افتتاح سفارة فلسطين محل السفارة الإسرائيلية قبل الثورة.
كما وظفت إيران دعمها للقضية الفلسطينية باستمرار للتدليل على عدم اقتصار مساندتها للجماعات الشيعية فقط بل دعم الجماعات السنية أيضاً. وهدفت من دعمها للقضية الفلسطينية بشكل عام، إضفاء تأييد وشعبية على سياستها وسط المنطقة العربية والعالم الإسلامي. ونجحت في ذلك مع الخطاب الشعبوي في فترة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، في اكتساب شعبية في الدول العربية. وجدير بالذكر عدم تركيز خطاب النخبة الحاكمة الإيرانية على مستقبل إقامة دولة فلسطينية لكن معظم خطابات إيران انصرفت إلى الحديث عن سلوك الإسرائيليين “الأشرار”، بحسب تعبيرهم ليس فقط في فلسطين، ولكن في كل أنحاء العالم. فتحدث المرشد الإيراني علي خامنئي في أكثر من موضع عن المساعدة التي تقدمها إيران للفلسطينيين كواجب على جميع المسلمين.
ومن خلال متابعة العلاقة بين إيران والفصائل الفلسطينية والتي قامت على توظيف البعد الأيديولوجي في نسج العلاقة معها، نجد أن تلك العلاقات اتسمت بمحاولة إيران ربط تلك الفصائل بسياستها الإقليمية، فقد تراجعت علاقة طهران بـ”حماس” بعد اتخاذ الأخيرة موقفاً من رئيس النظام السوري بشار الأسد، حليف إيران. كذلك طلبت إيران من قادة “الجهاد الإسلامي” اتخاذ موقف من قوات “التحالف العربي” التي تحارب ضد ميليشيات الحوثيين في اليمن. وأدى فتور العلاقات بين الفصائل الفلسطينية وإيران إلى تراجع الدعم الإيراني، على خلفية الخلاف بشأن الملفين السوري واليمني منذ عامَي 2011 و 2015 توالياً.
ويعني ذلك أن إيران تربط موقفها من هذه التنظيمات والفصائل بالمتغيرات الإقليمية ومن ثم مصالحها الخاصة. من جهة أخرى، شكلت العلاقة مع تلك التنظيمات تعزيزاً لما اسمته إيران بـ “محور المقاومة” الذي ضم إليها، سوريا و”حزب الله” و”حماس”، ومن ثم رفع شعارات ترتبط بإسرائيل والولايات المتحدة، بالتالي كان رفع شعار دعم القضية الفلسطينية أحد سبل إضفاء شرعية على تحركات تلك الأطراف. ففي إحدى المرات، التقى وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي بوفد من “حماس” برئاسة نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري في بيروت لبحث سبل مواجهة التهديدات الأميركية- الإسرائيلية للقضية الفلسطينية.
ودائماً ما تستهدف تصريحات المسؤولين الإيرانيين أحداثاً ترتبط بما يُسمى بـ “محور المقاومة” الذي شكلته طهران لمحاربة التهديدات والمخططات التي تستهدفها وسوريا وفلسطين ولبنان، على الرغم من أن ربط دول الأزمات العربية بالتحالفات الإقليمية المضطربة قد أضرّ بتلك القضايا، وأطال أمد الأزمات فيها.
لذا لم تسعَ إيران إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني، ولم تكن على مسافة واحدة من كل الفصائل والسلطة الفلسطينية، بل لم يتعدَ الدعم الإيراني للقضية الفلسطينية لغة الخطابة، لذا فإن استمرار الانقسام يفيد إيران باستمرار علاقتها بـ “حماس” و”الجهاد الإسلامي” ومواجهة إسرائيل على أساس ديني بدل مقاربة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية حقوق تاريخية لكل الشعب الفلسطيني. بالتالي فإن تشديد قائد “فيلق القدس” بـ “الحرس الثوري” الإيراني في مكالمات هاتفية مع بعض مسؤولي الفصائل، على دعم طهران للفلسطينيين الذين يواجهون الاعتداءات الإسرائيلية في القدس وغزة، يقع ضمن هذا السياق. ومما يدعو إلى التأكيد على التوظيف الإيراني للقضايا العربية هو أنه، بالتزامن مع الاعتداء على غزة وتبادل إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، أُطلقت صواريخ من سوريا وجنوب لبنان، ما يوحي برغبة إيرانية في إطلاق نموذج لحرب إقليمية قد تتعرض لها إسرائيل في حال هاجمت إيران، والإيحاء بأن لدى طهران من الحلفاء ما يشكل تهديداً لإسرائيل على مختلف الجبهات، ومن ثم الإيحاء بأنها قوة إقليمية ذات نفوذ يمكن أن تساوم به مع إسرائيل والولايات المتحدة بما يخدم مصالحها فقط، في حين تزداد تعقيدات أزمات الدول العربية لتصبح عصية على إيجاد أفق للحل والتسوية.
المقاله تعبر عن راي كاتبها
اندبندنت